بغداد/بلادي اليوم
في الوقت الذي ينصب فيه تركيز وسائل الإعلام على أخبار التفجيرات التي تستهدف جموع السائرين إلى مدينة كربلاء حيث يحيي الملايين من العراقيين والمسلمين في الكثير من بلدان العالم أربعينية الإمام الحسين(ع)، تتآزر بعيداً عن أضواء الإعلام جميع الطوائف العراقية لإحياء الذكرى في تعبير عن تحدّيها للفتنة والإرهاب.
وهو ما لم يتطرق اليه الإعلام إلا بالقدر النادر فقد اصبح التعاون المشترك بين مختلف الطوائف لاسيما السنة والشيعة في مختلف المناطق لمساعدة الزائرين وتقديم الخدمات لهم. السمة الابرز في هذه الزيارة السنوية وفي المقابل، شهدت مدينة السليمانية الشمالية صلاة موحدة فريدة جمعت ممثلين عن الطوائف والاديان العراقية.
وكان استشهاد ضابط وجندي وهما يحاولان منع انتحاري من تفجير نفسه وسط مواكب حسينية في بلدة البطحاء التابعة لمحافظة ذي قار الخميس الماضي قد حولهما إلى بطلين ورمز للوحدة الوطنية.
وعلى الرغم من أن الهجوم الانتحاري قتل وجرح نحو 150 شخصاً كانوا في طريقهم إلى كربلاء المقدسة لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين "عليه السلام" إلا أن انتماء الملازم نزهان صالح حسين الجبوري ونائب العريف علي أحمد سبع، وهما من ابناء السنة قدما مع وحدات الجيش من الموصل وديالى هجما على الانتحاري وهو يحاول تفجير نفسه فاستشهدا.
وكانت أحياء الناصرية (ذي قار) شهدت تشييعاً مهيباً للجنديين شارك فيه الأهالي والسياسيون ووحدات عسكرية. وقال حسن علي: «ليت السياسيين يحترمون دماء هذا الرجل المصلاوي (وهو لقب شعبي يطلقه العراقيون على أبناء الموصل) والآخر ابن ديالى ويكفون عن خداع الناس بالطائفية».
وأضاف: أن «أهالي المدينة نسوا ضحاياهم وراحوا يتداولون قصة بسالة هذا الضابط والجندي فما أن تلتقي أحداً من أهالي الناصرية إلا ويبادرك بالسؤال: هل سمعت ماذا فعل المصلاوي؟».وينتقد ابو بكر الجنابي، الذي ينتمي الى الطائفة السنية، الإعلام الذي لا يركز على التعاون واللحمة بين طوائف العراق، وقد نصب الجنابي خيمة كبيرة جنوب بغداد، لتقديم الخدمات الطبية والإدارية للمتوجهين سيراً على الأقدام الى كربلاء.ويقول: "التفجيرات التي تحدث لا ترتبط بطائفة معينة، والإرهاب ليس له دين أو طائفة معينة، مشيرا الى انه على طول الطريق جنوب بغداد، تقوم عشائر سنية بمساعدة الزائرين، وتقديم المساعدات لهم. ويحيي العراقيون العشرة الأولى من شهر محرم في مواكب دينية ومجالس عزاء، وفي الوقت نفسه يتوافد عشرات الآلاف من المسلمين من دول متعددة لأحياء الأربعينية. وفي الجانب الآخر من الطريق عند منطقة اللطيفية ( 25 كلم جنوب بغداد)، نصب الشيخ صقر خيمةً كبيرة تعج بوجبات الأكل والخدمات الطبية، لمساعدة السائرين الى كربلاء. ويقول الحاج صقر الجبوري: هذه المناطق مختلطة طائفيا، لكنها غير مختلفة على البر وانجاح زيارة العتبات المقدسة. ويؤكد انه سخر عدداً كبيراً من عشيرته التي ينتمي أفرادها الى طوائف مختلطة، لتقديم الدعم اللوجستي الى الزوار ويقول رجل الدين قادر العراقي من اللطيفية وهو من الطائفة السنية، ان "الإرهابيين من مختلف الطوائف استغلوا المناسبات الدينية لزرع الفتنة، وشن حرب أهلية. فطيلة عقود، لم تقتصر ذكرى إحياء عاشوراء على الطائفة الشيعية فقط، فقد اعتاد اهل السنة إحياء مراسمها عبر المشاركة فيها او عبر تسهيل طرق السير للزائرين". ويعتقد الباحث في شؤون الاديان ان هناك من يسعى الى خلط الاوراق وبث روح الفتنة بين أبناء الشعب العراقي. وتنصب على طول الطرق في العراق في مختلف المناطق سرادق ومواكب العزاء.وفي منطقة الاعظمية في بغداد ذات الاغلبية السنية، توزع الأطعمة والماء والعصائر والملابس عند جامع الإمام أبو حنيفة النعمان على مواكب الزائرين كل عام. وتقول الحاجة أمينة رحيم من الاعظمية في بغداد: انها تطبخ كل عام الطعام للزائرين. وفي أعوام الاقتتال الطائفي، لم تجد أمينة فرصة لتقديم الخدمات بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية. لكنها عاودت فعالياتها في تقديم الخدمات منذ العام الماضي.أما حسين السعدي من الاعظمية وهو شاب جامعي، فيلفت إلى أن بعض زملائه في الجامعة من الطائفة السنية يشاركون في المسير الى كربلاء، وقد تكرر الأمر منذ العام الماضي.ويهيب الحاج كامل حسن من الصالحية في بغداد بالعراقيين من مختلف الطوائف الى الوعي والحذر من الفتنة عبر التفجيرات بين مواكب الزائرين. ويعتبر أن "الذين يقومون بتلك الاعمال، إرهابيون يقبضون ثمن أفعالهم".ولا يستبعد حسن الأجندة السياسية التي تقف وراء التفجيرات وليس بالضرورة دوافع طائفية. ومن جهته، يقول ليث محمد، وهو من الطائفة السنية، ان "هذه الايام مباركة ولا تنحصر على طائفة معينة فكلنا مسلمون. فمن منا لا يحب الحسين وعلي أو عمر؟ فكلهم من أهل وأصحاب الرسول الكريم"وفي مدينة المحمودية ( 15 كلم جنوب بغداد) لا يستطيع المرء التمييز بين سرادق شيعية أو سنية فالكل تهيأ لتقديم الخدمات للمواكب الدينية المتجهة الى المدينة المقدسة. ويعد رحيم قيس ان عاشوراء ذكرى سنية وشيعية لانها شاهد على التضحية والشجاعة. وبلغت الوحدة بين الطوائف في العراق في دلالتها في العام 2006 حين شرع مواطن من أهالي الاعظمية التي تقابل مدينة الكاظمية في بغداد، وهو عثمان العبيدي في انقاذ العشرات من الذين غرقوا في نهر دجلة بعد تدافع زوار الإمام الكاظم على الجسر بعدما بثت شائعات حول تفجيرات بين الزائرين. وفي كل عام، يحضّر سعيد السبتي من اليوسفية (25 كلم جنوب بغداد) بيته لإيواء الزائرين إلى مدينة كربلاء. ويشرح: البعض منهم يأتي قاصدا بيتي، بعدما توطدت العلاقة بيننا واصحبنا مثل العائلة الواحدة. وشمل الامر المسيحيين وكذلك الصابئة الذين يقيمون مواكب العزاء، ويسيرون الى كربلاء ايضا، حيث لا يعدون المناسبة الدينية تخص طائفة معينة فحسب. والجدير بالذكر ان الطائفة المسيحية في العراق، تأجل كل عام احتفالاتها برأس العام الميلادي احتراما لذكرى عاشوراء.في المقابل، يقول سعد الهيتي وهو يسير الى كربلاء مع عشرة من رفاقه من الرمادي (110 كم غربي بغداد) وبغداد انهم اعتادوا زيارة كربلاء في أربعينية الحسين (ع) من كل عام.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=779&lang
التعليقات (0)