كانت التحليلات التي وضعتها الاستخبارات في الولايات المتحدة قبل تجدد العمليات القتالية في العراق بمدة طويلة تقر بأن
" أشد أعداء واشنطن هولاً في العراق في الشهور المقبلة قد يتمثل في استياء العراقيين العاديين الذين يزداد عداؤهم باطّراد للاحتلال العسكري الأمريكي"
وفقاً لما قاله دجلاس جيل ودافيد أ. سانجر في نيويورك تايمز في سبتمبر (2003) .
ومن شأن العجز عن تفهّم جذور ذلك العداء ( لا مجرد المقاومة المسلحة التي تشغل العناوين الرئيسية للصحف ولقطات التليفزيون ) ألاّ يؤدي إلاّ إلى زيادة سفك الدماء وجمود الموقف .
وحتى لو نحينا جانباً القضية الرئيسة للغزو الإجرامي , فالواضح أن هذا الصراع المديد القائم على العنف , بما في ذلك ما تكشَّف من بشاعات في الفلوجة وغيرها , لم يكن ليندلع لو كان الاحتلال الذي قادته أمريكا أقل صلافة وجهلاً وعجزاً ,
فالفاتحون الذين يرغبون في نقل السيادة الحقة , وفق ما يطلبه العراقيون , كان عليهم أن يختاروا سبيلاً مختلفاً ..
ومن بين الذرائع الكثيرة التي وضعتها إدارة بوش لغزو العراق
( اعتناقُها رؤيةً لثورةٍ ديمقراطية في شتى أرجاء العالم العربي ),
ولكنها تتحاشى أقرب أسباب الغزو إلى المنطق تحاشياً واضحاً ,
ألا وهو إنشاء قواعد عسكرية مأمونة في دولة عميلةٍ في قلبِ مصادر الطاقة الكبرى في العالم .
والعراقيون لا يتحاشون هذه القضية الجوهرية . فقد أجرت وكالة (جالوب لاستطلاع الآراء )استطلاعاً في بغدد أعلنت نتائجه في أكتوبر "2003" وسألت الناس فيه عن :
أسباب غزو الولايات المتحدة للعراق .
وقال 1% واحد في المائة من السكان إن السبب هو إرساء الديمقراطية , وخمسة بالمائة "لمساعدة العراقيين"
وأما معظم الباقين فقالوا إن دافع واشنطن هو السيطرة على موارد العراق وإعادة تنظيم الشرق الأوسط بما يحقق المصالح الأمريكية ..
ونشرت في ديسمبر "2003" نتائج استطلاع آخر للرأي أجرته منظمة (أوكسفورد الدولية للبحوث,)
وهي تكشف لنا عن بعض الحقائق .
كان السؤال الذي وجهته هو " ماذا يريد العراقيون الآن؟
واختار أكثر من 70% " الديمقراطية" ونسبة 10% "سلطة الائتلاف المؤقتة. و15% مجلس الحكم المؤقت في العراق , وبمصطلح "الديمقراطية" كان العراقيون يعنون الديمقراطية الحقة...لا السيادة الاسمية التي تدبرها الإدارة الأمريكية ..
ويقول الاستطلاع إنه – بصفة عامة-
(لا يثق الناس في القوات الأمريكية - البريطانية "79%" ولا في سلطة الائتلاف المؤقتة" 73%" .
وأما أحمد جلبي , حبيب واشنطن, فلم يحظ بأي تأييد!!!!
وقد برز الصراع بين الولايات المتحدة والعراق حول السيادة بصورة واضحة في الذكرى السنوية الأولى للغزو .
وكتب ستيفن جلين في صحيفة بوسطن جلوب يقول ( إن بول فولفوفيتر "ورجاله" في البنتاجون أعلنوا:
(أنهم يفضلون وجوداً ثابتاً طويل المدى للقوات الأمريكية هناك , ووجود جيش عراقي ضعيف نسبياً , باعتبار ذلك أفضل سبيل لترعرع الديمقراطية)
وليست هذه هي الديمقراطية كما يفهم العراقيون ذلك المصطلح , ولا كما يفهمه الأمريكيون في ظل الاحتلال الأجنبي ..
ولو لم يؤدِ الغزو إلى إقامة قواعد عسكرية ثابتة في دولة عميلة تابعة من النوع التقليدي , لما كان هناك معنى للقيام به أصلاً .,
كان يمكن استدعاء الأمم المتحدة هنا . ولكانت واشنطن تطلب منها " كما جاء في تعليق فاينانشال تايمز في يناير "2004"
((إن قوات الاحتلال اقتحمت مكاتب النقابات واعتقلت زعماءها وتتولى حالياً تنفيذ قوانين حظر العمل النقابي التي أصدرها صدام , وتقديم الامتيازات إلى رجال أعمال أمريكيين يعارضون النقابات معارضة شديدة ))..
ولكن مقترحات انفتاح الاقتصاد أمم السيطرة الأجنبية الفعلية لا تتضمن النفط .. والمفترض أن ذلك كان يمكن "لو حدث" أن يمثل صفاقة لا تحتمل ....
ومع ذلك , فليس على العراقيين أن يقرأوا وول استريت جورنال حتى يكتشفوا أن
" معرفة تفاصيل نهب صناعة النفط العراقية " بفضل العقود المربحة التي يهيئها دافعوا الضرائب الأمريكيون
" سوف تساعد في نهاية المطاف شركة هاليبيرتون على الفوز بنشاط تجاري في صلب الصناعات النفطية الرئيسة هناك " إلى جانب الشركات المتعددة الجنسيات الأخرى التي تساندها ..
ولا نستطيع أن نقطع الآن فيما إذا كان العراقيون سوف يُرغَمون على قبول السيادة الإسمية المعروضة عليهم بموجب شتى
" الأوهام الدستورية" التي تبتكرها الدولة المحتلة للعراق ..
ويوجد سؤال يزيد في أهميته كثيراً لمن يتمتعون بالامتيازات في الغرب :
هل سيسمحون لحكوماتهم أن " تَرعَى الديمقراطية" لصالح قطاعات السلطة الضيقةِ التي تخدمها تلك الحكومات . برغم المعارضة العراقية القوية ؟؟
مقال : العراق : جذور المقاومة
14أبريل 2004
بقلم : نعوم تشومسكي
ونعوم تشومسكي هو عَالَم أمريكي بارز من أعلام علم اللغة الحديث ..وهو ضمن من لبوا نداء الضمير كمثقف مهموم بقضايا الإنسان.. كمثل ما فعل العالم والفيلسوف البريطاني برتراند رسل , فبدأ تشومسكي يعلن عن معارضته للحرب " خاصة فيتنام" وشتى مظالم البشرية . وتحالف السلطة مع الثروة . والدعوة للديمقراطية الحقة . فاكتسب بذلك تأييد الجماهير العريضة . إذ أصبح أبناء الشعب الأمريكي وأبناء الشعوب ألأخرى يرون في صوته ضمير الإنسانية الصادق .باعتباره قوة من قوى الخير وداعية لاحترام الإنسان من حيث أنه إنسان أياً كان لونه أو انتماؤه العرقي أو الديني أو الثقافي أو السياسي ..
ربما يكون في هذا المقال ما يجيب على تساؤل الزميل زين الدين الكعبي في استفتائه عن مدى أحقية الدول في التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى بزعم حماية نفسها أو مصالحها ... فأمريكا تعطي لنفسها ولا أحد غيرها في العالم اجمع هذا الزعم مستخدمة الحرب الوقائية التي تعطيها الحق في إعلان الحرب على دول لمجرد أن أمريكا ترى أنها تمثل خطورة عليها وحتى ولو بالوهم ورمي البلاء ....
فرغم ان المقال قد مضى عليه ما يزيد عن الخمس سنوات إلا أنه لايزال يؤطر لمسرح الأحداث على الأرض العربية في العراق أو على الأرض السياسية للمجتع الدولي أو على الأرض الإرهابية للولايات المتحدة ..
وها هو يكشف الوجه الحقيقي القبيح للولايات المتحدة الأمريكية وبخاصة فيما يتعلق بالشأن السياسي وسعيها الدؤوب للهيمنة بأي ثمن على مقدرات الشعوب ونهب ثرواتها وتأليب الأنظمة على شعوبها ثم التدخل السافر السافل في شئونها بدعوى الحرب ضد إرهاب هي التي صنعته في مختبراتها – مثل الجمرة الخبيثة- ثم أطلقت عقاله ثم تصايحت موجهة التهم هنا وهناك وممسكة بعصا القوة والغطرسة لتذيع في العالم دروسها عن الديمقراطية والحرية والعدالة ... إلخ إلخ ولتخيف العالم من شبح اخترعته كما اخترعت من قبله اسرائيل وكما اخترعت حكاية الجمرة الخبيثة وعلاقة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالقاعدة وبحيازته للأسلحة النووية ... وغير ذلك من أباطيلها التي لا يصدقها إلا الحمقى والمغفلون ...
التعليقات (0)