عفوا للقاريء على الأطالة اللتي تفرض نفسها في موضوعي هذا . وارجوا منه ان يتحملني مشكورا .
كان نظام صدام واحد من اكثر الأنظمة فسادا وقسوة واجرام وفاشية مع كل العراقيين بكافة اطيافهم لم يستثني منهم احدا . حيث ملاء السجون والمعتقلات بالمخالفين للرأي سواء اكانوا علمانيين او دينيين او حتى مستقلين , واعدم وسجن حتى الموت الشيوعيين والاخوانيين واعضاء حزب الدعوة والصدريين وغيرهم الكثير . بل ان البعثيين انفسهم وحتى عشيرته وابناء عمومته لم يسلموا من اجرامه .
لقد اعدم صدام بعد اسبوعين من نجاح الانقلاب البعثي العسكري في السابع عشر من تموز 1968 قيادات حزب البعث المدنية اللتي قادت الانقلاب , وحول مع ابن عمه الجنرال اجمد حسن البكر قيادة البعث الى قيادة تكريتية خالصة . ثم عاد في 1979 للانقلاب على احمد حسن البكر وقضى على كل اعضاء القيادة القطرية واعضاء الفروع والشعب المناهضين لسياساته الرعناء بعد ان كشف عن نيته لوقف اجراءات الوحدة مع سوريا وعزمه على اعلان الحرب على ايران . ويقال ان صدام قد اعدم ابن عمه الدكتور راجي التكريتي بان وضعه وعدد من الكلاب المتوحشة في قفص واحد بعد فشل المحاولة الانقلابية اللتي قام بها الأخير .
ولكن من اكثر الجرائم اللتي ارتكبها صدام ضد العراقيين بشاعة هي اعدامه وسجنه لملايين الابرياء اللذين لم يقوموا باي نشاط فعلي مضاد لنظامه . وكم من الابرياء اعدموا او سجنوا او عذبوا لمجرد الشك او نتيجة لشكوى كيدية , حيث كان يكفي ان يتقدم اي شخص لسلطات النظام باخبارية يقول فيها ان فلان مضاد لفكر البعث او ان علان قد سب صدام او انه القى مجرد نكتة عنه لتقوم السلطات بالقاء هذا الشخص في غيابة الجب . وما المقابر الجماعية اللتي تكتشف كل يوم في شمال ووسط وجنوب العراق الا دليلا على ما نقول .
ولأن صدام كان من اللاعبين على الحبال الماهرين , كان يستطيع اخفاء هذه الجرائم عن العالم ببراعة فائقة . واستطاع عبر سياسة فتح حدود العراق امام الاخوة العرب من كل الاقطار للعمل ومساعدة الاخوة الفلسطينيين بالمال والسلاح ونجاحه في وقف المد الديني الشيعي القادم من ايران ان يقنع الامة العربية من المحيط الى الخليج بانه املها الاخير واللتي جعلها واقعها المرير تتمسك بحلم صدام كاذب .
ولقد قام الغرب في سبعينات وثمانينات القرن الماضي بدعم نظام صدام دعما كاملا وتغاضى عن جميع جرائمه البشعة من ضرب مدينة حلبجة بالاسلحة الكيمياوية الى عمليات الانفال الى السجن الى التعذيب لا لشيء الا لأيقاف المد الاسلامي الايراني بدماء العراقيين , كما واوحت امريكا الى حلفائها في المنطقة من دول الخليج الغنية بفعل ذات الشيء لذات السبب . مما جعل صدام يقلد رامسفيلد ( ما غيره ) النياشين والاوسمة مرتين واللذي كان وزيرا لدفاع ادارة رونالد ريغن ان ذاك ويقلد قادة الكويت وباقي الخليج ارفع الاوسمة عرفانا منه لادوارهم في تغذية ماكنة الحرب العراقية .
وبعد انتهاء الحرب اللتي طحنت الشعبين العراقي والايراني واللتي استفادت من نتائجها كل الدنيا الا الشعبين المتحاربين , ارتأت المصلحة الاسرائيلية والغربية ان الوقت قد حان للخطة (ب) لاكمال تدمير اكبر خطرين محتملين على امن اسرائيل والمتمثلين بالعراق وايران بعد تحييد مصر وتقليم اظافر سوريا , هذه الخطة اللتي كانت خطوطها العريضة تقول بتخفيض اسعار النفط الى ما دون سعر تكلفة استخراجه الامر اللذي ادى الى بدء انهيار سريع لاقتصاد البلدين المتهالك اصلا نتيجة الحرب . وخلق جو من الاحتقان والعداء بين الدول العربية نتيجة الاتهامات المتبادلة فيما بينها بالتسبب بانهيار اسعار النفط , ثم الايحاء الامريكي الخبيث بالموافقة على غزو صدام للكويت عندما امتنعت السفيرة الامريكية في بغداد عن الاجابة على سؤال صدام لها فيما اذا كانت الولايات المتحدة ستمانع غزوه الكويت الامر اللذي فسره صدام بموافقة ضمنية . هذا الغزو اللذي قدم العراق على طبق من ذهب لامريكا واسرائيل واللذي كان عصيا عليهما التواجد المادي داخله حتى ذلك الحين . حيث لم يكتفيا بالتواجد المعنوي اللذي لم يكن ليضمن لهما التحكم الكامل بسياسات العراق كما هول الحال مع الانظمة العربية الحليفة الاخرى مع وجود صدام الارعن واللذي لا يمكن لأحد التكهن بافعاله المستقبلية .
وهنا جاء وقت الخطة (ج) واللتي تتمثل بضرب الجيش العراقي الى الحد اللذي يجعله غير قادر على ضرب اسرائيل بأي اسلحة بعيدة المدى ولكن مع السماح له بامتلاك اسلحة تمكنه من ضرب الثورة الشعبية اللتي اندلعت بعد تحرير الكويت واللتي كانت القوى الاسلامية عمادها . وبدأت اسرائيل بتحقيق حلمها القديم الجديد بتفكيك العراق ابتداءً بخلق كيان كردي منفصل بالكامل عن باقي اجزائه مع تأجيل تكتيكي لمسألة تسمية هذا الكيان فرضته ظروف المنطقة . الامر اللذي ادى الى الأبقاء على صدام ونظامه لمدة ثلاث عشر سنة اخرى كانت لازمة لتنفيذ بنود الخطة (د) وما ادراك ما الخطة (د) .
لم ارى في كتب التأريخ القديم منه والحديث جريمة ابشع من الجرائم اللتي حصلت اثناء تنفيذ اسرائيل والغرب الخطة (د) هذه واللتي اراد من خلالها تركيع الشعب العراقي ؟!.
الخطة (د) هي السماح لصدام بضرب الشعب العراقي بالطائرات العمودية وصواريخ الارض ارض اللتي سمحت لصدام باستعمالها لان مدياتها لا تمثل خطرا خارج حدود العراق .
الخطة (د) هي السماح لنظام صدام بضرب البيوت الامنة والجوامع والاضرحة الطاهرة ومكنت فلول البعث المنهارة والمختبئة بعد هروب الجيش من الكويت واندلاع الثورة من التجمع ثانية لتبدأ اكبر عمليات تطهيرعرقي وطائفي عرفها تاريخ العراق نتج عنها الاف المقابر الجماعية في الوسط والجنوب مع منعه من المساس بالشعب الكردي في هذه المرحلة لأن اسرائيل والغرب كانوا قد انهوا من قبل اهدافهم في كردستان العراق .
الخطة (د) هي القيام بتجويع الشعب العراقي عبر اجبار المجتمع الدولي بالقوة على اصدار عقوبات اقتصادية كانت تعرف ان صدام وجلاوزته لن يتأثروا بها ولو استمر الحصار لمئة عام , اما المواطن العراقي فلقد باع ممتلكاته واثاث بيته ومن ثم بيته فقط لكي يستطيع ان يوفر الغذاء ولم يستطع ذلك . اما نقص الدواء فلقد قتل ما لا يقل عن مليوني عراقي . وما جواب اولبرايت وزيرة الخارجية اليهودية في ادارة كلنتون ( بالايجاب ) على سؤال احد مذيعي التلفزة فيما اذا كان مقتل نصف مليون طفل عراقي مريض نتيجة الحصار هو ثمن مقبول لتحقيق المصالح الامريكية الا دليلا لايقبل الشك على ان هذا الحصار المميت كان مخططا له بعناية فائقة لقتل وتجويع الشعب العراقي وتجهيزه للمراحل اللاحقة .
كل ذلك لكي توهم امريكا واسرائيل العراقيين والعالم بأن قطفها لتفاحة العراق اللتي نضجت في 2003 بعد عقود من تنفيذ الخطط الجهنمية هو تحرير وحرب على الدكتاتورية والارهاب ووقف لجرائم نظام صدام وكأنه يتحملها وحده , وكان لها ما ارادت .
بعد احتلال العراق ومن ضمن خططها المسبقة سمحت امريكا واسرائيل وحلفئاهما لكل تكفيري على وجه البسيطة بالمجيء الى العراق وفتح الحدود لاي عدو لها يريد ان يقاتلها فجعلت من ارض العراق منطقة قتل لكل هؤلاء غير مبالية بالشعب العراقي اللذي عاد ليدفع ثمن هذه الحرب اللتي تجري على ارضه دون رضاه فخسر من ارواح ابنائه اكثر من مليون اخر وشرد اربعة ملايين اخرين ,وجائت امريكا واسرائيل لتقول لنا نحن العراقيين ان العرب ( حلفائهم اللذين لا يستطيعون رفع انظارهم امام مسؤول امريكي صغير ) هم اللذين ادخلوا هؤلاء التكفيريين ؟!! . ومرة اخرى اصبح العرب هم المسؤولين عن قتل العراقيين وليس الاحتلال اللذي خلق هؤلاء التكفيريين اصلا لمحاربة المد الشيوعي في افغانستان .
كل ما اردت قوله من هذا الشرح الطويل ان سوء فهم كبير قد حصل لدى العراقيين وباقي العرب نتيجة هذا العمل الخفي والدئوب للصهاينة واللذي جعل العراقي يظن ان باقي العرب فرحين بالتطبيع مع اسرائيل مع انني اكيد ان 80% منهم على الاقل سيصوت لغلق السفارات الاسرائيلية في العواصم العربية لو حصل تصويت حر على ذلك . وحجتي في هذا ان انتخابين حقيقيين حرين اجريا في بلاد العرب حديثا حملا جبهة الانقاذ الاسلامي وحماس الى سدة الحكم . مما جعل اسرائيل والغرب يقيمان الدنيا ولم يقعداها حتى رجع هذين البلدين الى الدكتاتورية . ولم ينتبه العراقيون الى دلالة رفع الشارع العربي السني لصور حسن نصرالله القائد الشيعي في كل مكان لالشيء الا لكرهه لامريكا واسرائيل حاميتا الدكتاتوريات في بلدانهم .
وفي الطرف الاخر يصرح بعض الساسة العراقييون من اللذين باعوا دينهم بدنياهم امثال رئيس ما يسمى جمعية الصداقة العراقية الاسرائيلية ( مثال الالوسي ) واللتي يقال ان عدد اعضائها لايزيد عن الثلاثة الاف لايهام البسطاء وبعض العراقيين العلمانيين ان اي نظام لايؤمن بوعود الغرب هو بالضرورة صورة من صدام حسين , ويملأ هؤلاء المنتديات والمدونات بكتابات معادية للعرب ومدافعة عن الاحتلال مما يعطي انطباعا لدى المواطن العربي بأن جميع العراقيين محبين لاسرائيل راضين عن امريكا وجرائمها وهذا ليس الواقع . ودليلي على ذلك تصريحات السيد نوري المالكي اللذي قال اننا لن نفتح سفارة اسرائيلية في العراق ودعى الى غلق السفارات الاسرائيلية في العواصم العربية عدة مرات وحكومة المالكي كما يعرف الجميع هي حكومة منتخبة من اغلبية الشعب العراقي .
اما التواجد المادي الامريكي الصهيوني على ارض العراق فهذا فرضته موازين القوى المختلة بين العرب والغرب وفرضه الواقع العربي الخانع للدكتاتوريات اللتي تحكمه . وليس من الانصاف تحميل الشعب العراقي المظلوم فوق طاقته كما يطلب العرب بأن يدخل العراقيين بحرب انية غير متكافئة ستكلفه حتما ملايين من الارواح مع انه قدم وما زال يقدم الشهداء تلو الشهداء في مقاومته للاحتلال الامريكي الصهيوني وقد رأى جميع العالم على شاشات التلفزة ابناء بغداد والبصرة والموصل والنجف والانبار وهم يقاتلون الاحتلال .
انها والله فتنة اخر الزمان اللتي سيسقط في فخها اكثر المسلمين حتى لايدخل الجنة الا ثلة من الاخرين . اخبرنا بهذا الله ورسوله صلوات الله عليه واله . فتنة كالحة لايستطيع فيها المسلم ان يتبين فيها طريقه مهما كان واضحا فالانسان مخلوق عجول ضعيف.
لقد جعل الله رسوله والمسلمين وهم في مكة يصلون ثلاثة عشر سنة وقبلتهم بيت المقدس , لا لشيء الا ليقول لاهل زماننا ان هذه الصخرة وان هذا المسجد اللذي بارك الله حوله اي مدينة القدس هي قدس من اقداس المسلمين لايجوز لأحد منهم ان يشك في ذلك والا فقد شك بقوله تعالى ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ 1 ) الأسراء . ثم يأتي بعد ذلك من يريد ان يقول لنا انه اذكى وافهم من الله الحكيم الخبير والعياذ بالله . ويريد ان يفهمنا ان الله اللذي خصص اكثر من ثلث القران للعن اليهود ومن تبعهم اما انه قد اخطأ والعياذ بالله واما انه لايعني باليهود هؤلاء اليهود الاسرائيليين ؟ ! . ويأتي من يريدون ان يجعلوا من المسلم المؤمن يعتقد بانه لن يصل الى ما وصل اليه الغرب من حضارة الا بفصل الدين عن الدولة . وجعل هؤلاء العلمانيين من قوانين السماح لمثيلي الجنس بالزواج والسماح لقنواة الزنى واللواط بالظهور علنا على شاشات التلفزيون حرية شخصية تحرر الانسان من القيم والاخلاق اللتي اصبحت قيم بالية برأيهم وادوات للتخلف . متناسين ان الاسلام قد سبق العلمانية بمئات السنين بوصف الديمقراطية وحرية الفرد طريقا للوصول الى الرقي والحضارة وان العلمانيين قد وعوا هذا الدرس لاحقا لكنهم حرفوا وكذبوا وقالوا لنا عكس ذلك . فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
(أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ 11 فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ 12 ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ 13 وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ 14 ) الواقعة
( لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ 38 ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ 39 وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ 40 ) الواقعة
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 51 ) المائدة
وبعيدا عن الخطاب الديني اللذي لايعجب هؤلاء المتصهينين , فاني اتسائل هنا ماللذي استفادته شعوب الدول العربية المطبعة مع اسرائيل من هذا التطبيع غير استثمارات كازينوهات القمار ومنتجعات الدعارة واللتي يذهب ريعها لرموز النظام ورجال اعمال الدعارة الاسرائيليين والعرب , بينما لازالت هذه الشعوب وبعد ثلاثين عاما من التطبيع ترزح تحت خط الفقر والتخلف والمرض . وهذا ما يجعل هذه الشعوب العربية تنكر على غيرهم من العرب فتح هذه السفارات , فهم حين يفعلون ذلك انما يحذرون الباقين مما وقعوا فيه ويعبرون عن رفضهم لهذه السفارات اللتي فتحت رغما عنهم لانهم يعلمون جيدا انها ما فتحت الا لحماية الانظمة المستبدة اللتي تستعبدهم .
ان العراقي اللذي يأن من كثرة الخلافات والتدخلات الاجنبية ليس بحاجة لموضوع خلاف جديد وخطير مثل التطبيع مع الصهاينة , وعلينا كعراقيين جميعا ان نحافظ الان على الحد الادنى من الامن والامان الناتج عن اقتناع الجميع بعبثية الاختلاف والبناء على هذا الوقع الجديد لا ان نفتح سفارة اسرائيلية في بغداد واللتي حتما سيؤدي فتحها الى الرجوع بنا الى المربع الأول ويشعل موجة جديدة من الأتهامات المتبادلة بين ابناء العراق لايعرف احدا اين ستقودهم الا الله .
التعليقات (0)