أريدُ أنْ يحملني هُدْهُد سُليماني علىَ جناحيه، ويطير بي إلىَ اليمن السعيد، فيمكث غيرَ بعيد عن صدور عارية، طاهرة، نحيفة تتصدى لطاغية متخلف، جلمودي القلب، جاف المشاعر، كاليجالي النظرات، قاتي الأسنان، ثعلبي المكر، لو انبجست عين ماء من الصخر لبدت أيسر، وأسهل من أن تسقط دمعة واحدة غير تمساحية على وجهه الكاره لبلده، ولشعبه.
ثم أقوم بتقبيل كل الصدور العارية التي كتب عليها أصحابها شعارات رافضة لكل صور الخداع التي يمارسها طاغيتهم حتى يظل جاثما فوق ظهورهم، وسارقا اللقمة من أفواه أولادهم، ومهدرا خيراتهم، وفاتحا بطون سجونه الرهيبة لتلتهم معارضي حُكمه القميء.
ليست غازات مسيلة للدموع، لكنها غازات سامة، ومحرَّمة دوليا، ولا يستخدمها إلا القتلة الذين استبدلوا بأسنانهم أنياب وحوش مفترسة لا تستريح قبل أن تأتي علىَ آخر ما يحتفظ به الجسد النحيل، والضعيف لغنيمتهم.
علي عبد الله صالح الأكذب من إبليس زعم منذ خمس سنوات أنه زاهد في الحكم، غير مكترث بالسلطة، وأنه أدى الأمانة كاملة، فإذا به ملتصق بعرش سبأ لا يغادره إلا إلى قبر أو سحل في شوارع صنعاء أو بحبل تتدلى منه رقبته بعدما يركل عشماوي الكرسي من تحته فيتحرك الكرسيان.. واحد في القصر، والثاني في الميدان!
بعض الطغاة تضيق أدمغتهم التي تحتضن في فجوتها خلايا مهترئة تصنع الغباء والحماقة، لكن الجسد يتحرك أمام الجماهير كأن روح صاحبه لم تغادره بعد، والمستبد اليمني واحد من هؤلاء الذين لا يفرقون بين خطاب أمام حشود تبغضه، وجلسة لتخزين القات، فيأمر بالابادة، والتسميم، وانتهاك الحرمات، وتحدي إرادة الشعب، والقتل العشوائي، والقنص من فوق أسطح المنازل كأنه يتعامل مع حيوانات يطاردها في الغابة أو الصحراء.
لا أفرق بين أبطال هنا و .. شجعان هناك، وكل الساحات أراها ميدان التحرير، والثوار المصريون كأشقائهم في صنعاء وتعز وبنغازي ومصراتة ودرعا وبانياس، ولن يمر وقت طويل حتى نداوي أعيننا التي رمدها الخوف من الطغاة بمشهد ثوار الجزائر وهم يستمدون القوة من أرواح شهداء الاستقلال، وبمشهد شباب السودان وهم يتوعدون بشير الشؤم بالسحل في شوارع الخرطوم، وبشباب قلب العروبة النابض الرائعين الذين يتحدون بأجسادهم الطاهرة دبابات السلطة الباغية فيستلقون على ظهورهم كما فعل شباب مصر تماما، وهل الوحدة العربية إلا تضامن في مواجهة طغاتنا؟، وبمشهد شباب الأردن المطالبين بانهاء عصر الاستخبارات الهاشمية التي تسري في أجهزتها روح إيلي كوهين.
كيف تمكن ديكتاتور اليمن من استبدال كلمة التعيس بالسعيد، وحفر للفساد في كل شبر من بلد حكمها بقبضة حديدية تجويفات تبتلع خيرات وطن إن تم استغلالها فلا حاجة لليمنيين في مساعدات الأشقاء الخليجيين.
غباء علي عبد الله صالح يكمن في أنه يشاهد مليونا من المطالبين برحيله فتخدعه نظارته السوداء ليرى بعدها اللعنات تأييدا، والهجاء مديحا، والتلويح بالقبضات علامة نصر!
وضع أصابعه في أذنيه، فالشعب يريد إسقاط النظام هو هتاف لمن ليس في أذنيه وقْـرٌ، وصَمَمٌ، لكنه سيضطر في النهاية إلى قبول المحاكمة العادلة، وإذا لم يسحبه الغاضبون في شوارع الوطن السجن، فالحـُكم النهائي للشعب.
استدعاء مبارك للتحقيق، وارتداء ابنيه لملابس السجن البيضاء في معتقل (طرة) ضاعف من حماس الثوار العرب، وكل عربي، إلا ما ندر، يحلم بأروع صوت صنعته العدالة عندما تهبط مطرقة القاضي فتهتز لها كل شعيرات رأس الطاغية المكلبش في القفص، فينتهي عصرٌ، ويختفي عهدٌ، وتغادر روحُ شريرٍ مَنْ تلبسته، ويتلقى إبليس العزاءَ في قرينه .. سيد القصر.
البعضُ يطلب مني التعجيل في ارسال تهنئة للسوريين، وآخرون يؤكدون لي أن اليوم الأسود لصاحب الكتاب الأخضر بات وشيكاً، وهناك من يرى أن طبائع الحقائق تضع اليمنيين في مقدمة من سيحتفلون قريبا باسدال الستار على حُكم الإمام الجمهوري، فالعدُّ التنازلي لسفاح اليمن بات أقرب إلى الصفر من نهاية أي طاغية آخر، ويبتسم من لا يصدق أي نهاية قبل رحيل دراكيولا السودان، وهنا يتراجع كل مستشرفي المستقبل، فالكرامة جزائرية، ولا يستقيم تسلسل غضب الجماهير إلا بوضع شباب الجزائر في المقدمة حتى لو بدا الأمر هادئا، وساكنا، ووديعا، فغليان الشارع الجزائري لا يراه إلا من يؤمن أن الخنوع لا يعرف طريقه إلى بلد المليون ونصف المليون شهيد، فبوتفليقة والعسكر والاسلاميون لن يستطيعوا الوقوف أمام شباب ثورة الجزائر التي هي على مرمى حجر.
ومع ذلك فمقالي هذا تهنئة لشعبنا اليمني قبل سقوط علي عبد الله صالح بأيام معدودات، فالخبر السعيد محجوز لليمن .. السعيد.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 14 ابريل 2011
Taeralshmal@gmail.com
التعليقات (0)