الـــعدل
الحكم بالحق , والعدل بين الناس , من معالم الصراط المستقيم , ومن أسباب السعادة والبقاء , والراحة والرخاء , فكل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الناس صدقة.
قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) النساء-58
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) النحل-90
وقال تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) الشورى-15
أما الظلم والجور, فإنه سبب من أسباب الاختلاف , وحدوث الفتن , والهزيمة , والتشتت , والضعف , والهم والحزن , عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:" أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا معشر المهاجرين ! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة ( أي غلاء الأسعار ) وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) ابن ماجه وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( الظلم ظلمات يوم القيامة ).
يقول السعدي رحمه الله:" وقد أمر الله بالعدل في مواضع كثيرة من كتابه , وأمر بالعدل بين الناس في المقلات , والمذاهب , والدِّماء , والأموال , والأعراض , وسائر الحقوق , ونهى عن الظلم في كل شيء, وذمَّ الظالمين , وذكر عقوباتهم الدنيوية والأخروية في آيات متعددة.. فالعدل وضع الشيء موضعه , وأداء الحقوق كاملة..
والعدل به تقوم الولايات , وتصلح الأفراد والجماعات , وتمشي الأمور على الاستقامة في كل الحالات ".
في الحديث الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم. كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم. وإنسكم وجنكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم. وإنسكم وجنكم. قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيت كل إنسان مسألته. ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثم أوفيكم إياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
ولو تفكر الظالم في نفسه وحوله وقوته , ومقدارها عند الله تعالى , وعند عظمته وحوله وقوته جلَّ وعلا , لعلم أنه يظلم نفسه قبل أن يظلم غيره لا محالة , فالله هو القوي العزيز.
يقول محمود الورّاق:
إني وهبت لظالمي ظلمــي وغفرت ذاك له على علمـي
ورأيته أسدى إليَّ يـــداً فأبـان منه بجهله حلمــي
رجعت إساءته عليّ لـــه حُسناً فعاد مضاعف الجـرمِ
وغدوتُ ذا أجر و مَحمـَدة وغــدا بكسب الذم والإثم
فكأنّما الإحسان كان لــه وأنا المسيء إليه في الحكـمِ
ما زال يظلمني وأرحمـــه حتـى بكيتُ له من الظلـمِ
عن جابر رضي الله عنه قال: اقتتل غلامان. غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار. فنادى المهاجر أو المهاجرون: يال المهاجرين! ونادى الأنصاري: يال الأنصار! فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "ما هذا دعوى أهل الجاهلية؟" قالوا لا. يا رسول الله! إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر. قال "فلا بأس. ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما. إن كان ظالما فلينهه، فإنه له نصر. وإن كان مظلوما فلينصره".
التعليقات (0)