مواضيع اليوم

العدالة والتنمية وملف الأمازيغية

محمد مغوتي

2013-03-19 11:03:16

0

    أعادت التصريحات التي أدلى بها الشيخ أحمد الريسوني مؤخرا بخصوص الأمازيغية مسألة النقاش الهوياتي بالمغرب إلى الواجهة من جديد. والواقع أن ما قاله الريسوني في ندوة بدولة قطر بشأن الحركة الأمازيغية يندرج ضمن تصور عام يعبر عن رؤية استئصالية ظلت تعبر باستمرار بالواضح أو المرموز عن موقف لا يرى في المغرب إلا امتدادا طبيعيا للمشرق "العربي" بدلالته الجغرافية والثقافية أيضا . هذا الموقف الذي تعود دائما على وضع الأمازيغية في قفص الإتهام كلما احتدم النقاش حول الواقع الهوياتي للمغاربة. وهكذا ظل المشروعان القومي والإسلامي ( على الرغم من خلفيتهما الإيديولوجية المتضاربة) على وفاق تام في ما يتعلق بسؤال الهوية، فالمغرب كان و(مايزال) دولة عربية باسم آصرة القرابة حينا، وباسم آصرة العقيدة حينا آخر. المهم أن الغاية واحدة: طمس الجذور التاريخية للمغاربة.
     وضع كلمة ( مايزال ) بين قوسين يستحضر دستور 2011 الذي اعترف بالأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية، لكن واقع الحال لا يترجم السند الدستوري إلى حقيقة فعلية. وعندما تثير تصريحات من قبيل ما نسب للريسوني استنكار وقلق الجمعيات الأمازيغية، فإن ذلك طبيعي جدا، لأن كلام الشيخ لا يعبر عن موقف شخصي ومعزول، بل يعبر عن موقف سياسي، باعتباره مسؤولا سابقا عن جماعة " التوحيد والإصلاح" المحسوبة تنظيميا على حزب العدالة والتنمية الذي يتزعم الإئتلاف الحكومي. وهذا يعني أن المواقف التي جاءت على لسان أحمد الريسوني تعبر بطريقة أو بأخرى عن لسان حال الحزب (الحاكم)، وإن كان موقع الحزب في السلطة لا يسمح له بالتعبير عن مثل هذا الموقف بشكل رسمي. لذلك فإن التخوفات التي يعبر عنها نشطاء الحركة الأمازيغية على الرغم من الخطوة الإيجابية التي تحققت مع الترسيم الدستوري، هذه التخوفات إذن لها ما يبررها. فنحن نقترب من طي السنة الثانية في العهد الدستوري الجديد، ومع ذلك لا شيء تغير مقارنة بالوضع السابق، فالأمازيغية مازالت تراوح مكانها ووضعها القانوني يكتنفه الغموض والإلتباس، وسيظل الحال كذلك حتما إلى أجل غير مسمى. ومن حق نشطاء الحركة الأمازيغية ومعهم كل المغاربة أن يقلقوا من المستقبل، خصوصا وأن المواقف المعلنة للعدالة والتنمية خلال المناقشات التي صاحبت مسودة الدستور الحالي سنة 2011 بصدد ترسيم الأمازيغية تمنح المشروعية لمثل هذه المخاوف.
     العبارة المثيرة في تصريحات الشيخ الريسوني هي تلك التي قال فيها: ""الحركة الأمازيغية مصحوبة بنزعة عدائية شديدة ضد العروبة والإسلام، وهذا عمل هدام ضد الدين وضد الوحدة الوطنية، وأرجو أن هذه النزعة تنكسر في وقت من الأوقات وتعود إلى الاعتدال…ولو اتبعنا هذا السيناريو، وأعتقد أن هذا لن ينجح، لوصلنا إلى حالة “الهوتو والتوتسي".". وواضح أن هذا الموقف يقدم صك اتهام صريح للحركة الأمازيغية، ويضعها في صراع مباشر مع الدين الإسلامي. هكذا يتم استدعاء الشعور الديني للمغاربة وجعله مبررا للإجهاز على الأمازيغية وتقديمها كعامل مهدد للعقيدة الدينية والوحدة الوطنية. وبما أن السيد الريسوني يدق ناقوس الخطر عبر تذكيرنا بالحرب الأهلية التي عرفتها رواندا بين سنتي 1990 و 1993 على خلفية الصراع العرقي بين قبيلتي الهوتو والتوتسي، فقد كان حريا به أن يتجنب هذا الخطاب التحريضي المبطن الذي يتهم الحركة الأمازيغية بتهديد الأمن الروحي والإجتماعي للمغاربة. وهو اتهام لا يستند إلى أي واقع ميداني ملموس، فالمطالب الأمازيغية تعبر عن التشبث بالإرث الهوياتي لهذا البلد دون أن يعني ذلك موقفا سلبيا من المغرب المتعدد بمكوناته العرقية المختلفة. أما إقحام العروبة إلى جانب الإسلام وجعل الأمازيغية في موقف عدائي معهما، فهو كلام مكرر يضع العروبة كمرادف للإسلام. ومن تم فهو يعتبر العداء للعروبة عداء للدين الإسلامي. والحال أن الأمازيغية لا تعادي أيا منهما. فهي الوعاء الذي يضم مكونات الشخصية المغربية. وأطروحة الحركة الأمازيغية تقوم على اعتبار المغاربة كلهم أمازيغيين استنادا إلى منطق التاريخ والجغرافيا بغض النظر عن التعدد اللساني، فاللغة لا تعبر عن الهوية، بقدر ما تعد وسيلة للتواصل. والعربية بهذا المعنى تحضر في تكوين الشخصية المغربية لكنها لا تعبر عن هويته التاريخية. وهي في ارتباطها بالدين لغة رسالة الإسلام، وليست ركنا من أركان الإسلام.
      إن الخطر الحقيقي الذي يهدد ثوابت الهوية المغربية لا يتمثل في الحركة الأمازيغية، التي لا تطالب بأكثر من إحقاق الحقوق الثقافية والهوياتية للمغاربة، بل يتمثل في مثل هذا الخطاب الذي يوظف الدين توظيفا " طائفيا وعرقيا" في الوقت الذي ينبغي فيه أن يتقدم المغرب خطوات حثيثة نحو الترجمة  العملية للمقتضيات الدستورية. وبما أن المعني بهذه التصريحات التي تسيئ إلى الأمازيغية هو شخص محسوب على حزب العدالة والتنمية، فإن دلالات هذا الخطاب المشوش و المغلوط من شأنها أن تؤثر سلبا على مسار المصالحة مع هويتنا التاريخية. أما إذا كان كلام السيد الريسوني مستقلا ويعبر عن وجهة نظر خاصة، فينبغي على قيادة "البي جي دي" أن تؤكد العكس من خلال تنفيذ التزاماتها والمضي قدما في تحريك ملف الأمازيغية الراكد.
       محمد مغوتي. 19 – 03 - 2013.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !