العدالة مطلب وشعار
لا تتحقق العدالة في ظل وجود نزعة إستبدادية تتغذى من ثدي الجهل الممتليء بالمخجلات الفكرية والإجتماعية والسياسية والثقافية , قبل الربيع العربي وبعده وحتى إنقضاء الكون ستبقى العدالة شعار يردده الكثير ولا يطبقه الإ قلة من الناس , فالعدالة مستويات ودرجات أدناها عدالة الشخص مع مخالفية فكرياً لا عبارات تخوين ولا إتهامات همجية و أعلاها العدالة السياسية والإجتماعية والإقتصادية وتلك لا تكون الإ في ظل نظام حكم ديموقراطي يأخذ في إعتباره مناهج الإدارة الحديثة ويبتعد عن التدخل والتطفل في عقائد الناس وحرياتهم الشخصية بأي حجة كانت فوظيفة الأنظمة الحاكمة تحقيق العدالة والتنظيم والإدارة والسعي لتنفيذ مطالب المجتمعات الحقوقية واضعة أمام اعينها شعار الوطن للجميع والدين لله . لا يمكن للعدالة أن تتحقق في ظل غلبة تيار أو فكر على آخر وفي ظل إقصاء يمارس ضد فئة من أفراد المجتمع , فالإقصاء الممنهج أو المتعمد هدفه خلق حالة من التشرذم والتفكك الإجتماعي وتلك صنيعه الأنظمة الإستبدادية التي تتغير شخوصها ولا تتغير ممارساتها ! فالإستبداد لا يرتبط بنظام معين بل كل من يفكك المجتمع إلى طوائف ويزرع بذور الشقاق بين أفراده ويقصي المخالف والمناهض السلمي ويحرم فئة من الحقوق الإجتماعية والثقافية والسياسية لاسباب دينية أو مذهبية أو جنسية "المرأة " يعد نظاماً إستبدادياً لان ممارساته ممارسة إستبدادية هدفها الأساسي الإستئثار بالسلطة وبمقدرات الشعب وضرب المجتمع بالمجتمع ؟ العدالة كلمة مطاطية يستخدمها المضللون كمخدر لتخدير العوام , فعوام الناس تنساق خلف ذلك الشعار وغيره من الشعارات رغبة فيما يحقق لهم طموحاتهم ويغير واقعهم غير مدركين لخبايا المضللين الذين ينتهكون عن قصد أبسط القيم متجاوزين ذلك الشعار بمراحل فكرية كبيرة , فالعدالة ليست شعار فحسب بل هي قيمة إنسانية كبيرة ولتحققها لابد أن يكون هناك عدة عوامل تسهم في ولادتها , وأهم عامل هو الوعي وموت الجهل فالجهل عدو الديموقراطية والتنمية والعدالة والتعايش والتعددية الاول , وموته بداية فعلية لنمو المجتمعات فكرياً , لتحقيق العدالة لابد أن يفهم المجتمع ككل الديموقراطية كفكر وكممارسة فأبسط قواعد الديموقراطية مشاركة الأقلية للأغلبية السياسية في الإدارة والحكم , وأبسط قواعدها أيضاً الإبتعاد عن عقائد الناس وتحقيق الإستقلالية للفرد فالأوطان للجميع والأديان للرب , فالأنظمة العادلة لا تستخدم الدين في فرض الهيمنة ولا تتدخل في العقائد ولا تختزل المذاهب في رأي واحد وتفرضة على الناس بالقوة ,بل تحمي العقائد وتقف على مسافة واحدة من جميع الآراء والمذاهب والأديان طالما بقيت في صف الوطنية وينظم العلاقة بين الأنظمة والمجتمعات دستور مدني واضح يفصل بين السلطات ويحمي الحقوق ويعزز المواطنة ويحمي الحريات. إذا تحققت الديموقراطية الصحيحة فإن التعددية الثقافية والفكرية سوف تتحقق وإذا تحققت التعددية الثقافية والفكرية فإن التعددية السياسية سوف تتحقق وتشكل منظومة إستقرار سياسي وإجتماعي طويل الأجل , فالعدالة مرتهن وجودها بالديموقراطية كممارسة وكفكر, فلا يمكن للعدالة أن تتحقق في ظل هيمنة فكرية وسلطة سياسية تقصي الآخر وتستفزة وتطلق عليه حلفائها السياسيون والفكريون ليلاً ونهاراً , ولا يمكن لها أن تتحقق "العدالة" في ظل الصراع الطائفي والمذهبي والفئوي الذي يٌدعم من قبل من يظن نفسه أن الأحق بالأوطان من غيره , فالمسائلة فكرية بحته ذات نزعة إستبدادية تتغذى من ثدي الجهل وتولد من رحم الفساد السياسي الذي هو جوهر المشكلة الأساسي . في التاريخ القديم كانت دولة الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدون من بعدة نموذج للعدالة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والسبب هو تحقيق التعايش بين مواطنيها وسيادة القانون على الجميع بلا إستثناء وعدم مناهضة أو مقاتلة المخالفين من المسالمين ووثيقة المدينة وصحيفة نجران ودستور مدينة القدس وصلح الحيرة الخ ذلك من المعاهدات والمواثيق شاهدة على العدالة والتكامل والمواطنة الصادقة والديموقراطية كفكر وممارسة , فلا تعصب ولا هيمنة ولا إستبداد فالمعرفة كانت طاغية على تلك المجتمعات البسيطة والسبب الطمأنينة التي يعيش في كنفها الجميع بغض النظر عن المله التي يٌدين بها الشخص ,كتب التاريخ حافظة لذلك النموذج على الرغم من تشكيك بعض المتطرفين وتمييع بعض المغالين الإ أن الشمس لا تحجب بغربال ولا يستطيع أحد تجاوز ذلك التاريخ الإنساني المشرف الذي شوهه المتطرفون بأفكار وممارسات همجية لا تمت إلى الإنسانية بأي صله ؟ حديثاً تاريخ البشرية ممتليء بالنماذج الديموقراطية المختلفة نماذج ليس للعرب أي وجود فيها على الرغم من محاولات التجميل والظهور , فكثير من البلدان الغربية لا تساءل الشخص عن إنتماءه الديني أو المذهبي أو المناطقي أو الفكري بل تساءله عن ولائه الوطني الذي يتجلى في البناء والعمل والمحافظة على الآمن أما بقية التساؤلات فهي ملك للشخص يجب على الدولة حمايته وتوفير الراحة والطمأنينة فالابداع لا يكون الإ في مثل تلك البيئات التي لا يغلب عليها الإ صوت المواطنة فقط ؟ المواطنة كلمة تستمد وجودها من العدالة التي تولد من رحم الديموقراطية والمعرفة ورفض الجهل , وحتى يصل العالم العربي لتلك الأمنية يتوجب على مجتمعاته البحث عن المعرفة ورفض الجهل والتبعية لأي كأن كان فالبداية الفعلية من الفرد الذي هو جزء من المجتمع الحالم بعدالة شاملة لن تتحقق في ظل شوائب فكرية مختلفة وقبل أن تبحث المجتمعات عن المعرفة عليها أن تضع من يردد شعار العدالة تحت مجهر النقد والتمحيص لترى هل من يطلقها يلتزم بأدنى درجاتها أم أنه يستخدمها كشعار ليصل إلى السلطة ويبدأ دورة الإستبداد من جديد ؟
التعليقات (0)