لكل إنسان أصدقاء وأعداء وآخرون لا هم أعداء ولا أصدقاء وأكثر هؤلاء الآخرين لا يعرفونك أو يعرفونك ولا يهمهم أمرك وذلك تصنيف طبيعي وواضح ...ولكن بالنظر إلي الأعداء تجد أن الصدق يجمعهم في عدائهم لأن العداء لا يحمل إلا شعورا واحدا هو - علي الأقل - عدم الحب وذلك بالطبع يكون شعورا صادقا وإن كان في اتجاه سيء.....وأما الأصدقاء فهم إما صادقون وإما منافقون لأن الصداقة ليست لهدف واحد وفيها مشاعر تبدأ من الإخلاص وتنتهي عند النفاق وبينهما درجات كثيرة ...والعداء لا يشمله بحثنا لأنه لا يستحق البحث ....ولكن الصداقة هي ما يهمنا وهي ما نبحث عنه وهي ما تستحق أن يبذل فيها الجهد المخلص لتنمو ويعم الحب أطرافها وتترابط بها الأواصر ويبني عليها سلام ومصاهرة وتعاون وتبادل منفعة ....والجانب المضيء من الصداقة يتجلي في الحياة وبعد الموت لأن الصدق فيها يكون حقيقيا مخلصا لا هدف له إلا وجه الله وهي بدرجاتها من المساواة في أطرافها كالتي تكون بين إخوان من طبقة متساوية تقريبا سواء كانت طبقات دنيا أو متوسطة أو عليا من المجتمع إلي الصداقات التي تختلف علوا ودنوا من بعضها كالتي تكون بين الأغنياء والفقراء أو بين الحكام وبعض المحكومين... ونتدرج في التحليل إلي استبعاد كل الأنواع إلا ما انتهي به البحث وهو الصداقة بين الأعلي والأدني في المكانة أو في الثروة وهو ما يشمل أكثر نقائص مفهوم الصداقة....إن الصداقة الحقيقة هي التي تمتد عبر الحياة وبعد موت أحد طرفيها فيبقى الأثر حتي يصل إلي الذرية والجيل الذي بعدها وتتأكد عند التعامل الفعلي في المجالات المختلفة وتتجلي أكثر عند فقد الطرف الأعلي حياته أو فقد مكانته في حياته ومن أمثلة ذلك أصدقاء الرئيس والعاملين تحت إمرته أو المتعاملين معه في حياته تجدهم في حياته يشيدون بعظمته ويهنئونه عند كل مناسبة ويواسونه في مصائبه حتي إذا رحل ظهر الأصدقاء الحقيقيون فأحسنوا ذكره ودعوا له بالرحمة ولهجت ألسنتهم ببيان طيب أعماله واعترفوا بفضائله ونشروا محاسنه التي لا يعرف الناس عنها شيئا وكانوا يخفونها في حياته تجنبا للاتهام بالنفاق....... وأما المنافقون حقا والعياذ بالله... الذين صادقوه لغرض مكسب مادي أو جاه أو منصب أو خوفا من بطشه أو تجنبا لغضبه يكشفون ما في صدورهم إذا رأيت التواء الألسنة ونكوص المادحين وانقلابهم إلي ألسنة حادة تبحث عن خطاياه وسوءاته. رأيت كل هذا عندما رحل الرئيسين عبد الناصر والسادات (ولن أذكر غيرهما اتقاء للخلاف) ورأيته في محيط المجتمع الصغير الذي أعيش فيه وقديما قيل - وبحق - ثلاثة أمور لا يجترئ عليها إلا أهوج: صداقة السلطان, وائتمان النساء علي السر, وتجربة السم بتذوقه ...وأركز علي صداقة السلطان فأقول كما أن الفائدة عند السلطان عظيمة فإن بطشه أيضا شديد وصداقته عند الرضا تفيد كثيرا وصداقته عند انقلابه مدمرة.... وكم من صديق أكل وشرب عند السلطان فإذا مات السلطان أكل هذا الصديق أولاده وشرد زوجته ومسح ذكراه من الإعلام ومنع ذكر اسمه من التداول
التعليقات (0)