العجز البيولوجي كمرض
سياسي
بقلم. ناصر دمج
يندرج هذا المرض تحت باب الأمراض الكارثية،التي تصيب النظم السياسية،أو الأحزاب السياسية،والحركات الثورية،وهو مرض يصيب أيضا الكائنات الحية كافة،سواء كانت إنسان أو حيوان،مجتمعين ومنفردين،ولعل مدخلي في وصف هذه العلة،هو بالتساؤل التالي :-
لماذا تأكل القطة أبنائها ؟ وبماذا تشعر أثناء الأكل؟ ان إحساس الكائن الحي،حيوان كان أم إنسان،بالعجزعن القيام بوظيفته البيولوجية الفطرية، تجاه نفسه وتجاه الاخرين بمن فيهم أبناؤه أو رعيته أو القطيع الذي ينتمي إليه،تدفعه الى القيام بخطوات في منتهى الغرابة،وهي حالة ناتجة عن استفحال مستويين من العجز الذاتي وهما :-
الاول: الإحساس بالعجز عن حماية نفسه وأبناؤه من المخاطر الخارجيه.
الثاني: الإحساس بالعجز عن توفير الغذاء والمأوى لنفسه ولأبنائه .
ان رد الفعل الاول والمباشر، من قبل هذا الكائن هو التفكير في الخلاص من أسباب هذه الحالة، وهي هنا تتمثل بالكائن الحي نفسه،كونه هو سبب المشكلة، فلو انه غير موجود لما كان هناك مشكلة،ولو مات لانتهت المشكلة أيضا،من هنا تنشأ،جديلة الخلاص بالانتحار،أوالاستمرار المذل في حياة مهينة بالنسبة للإنسان،ومرهقة وشاقة للحيوان،وأحيانا أخرى يلجأ كل من الإنسان والحيوان الى قتل أبناءهم ،لتجنيبهم مخاطر الاستمرار في الحياة،أوالتخلي عنهم وتركهم لمصيرهم،وفي عرفنا المحلي سمعنا عن أساطير تحاكي هذه الفرضيات،كالقطط التي تأكل أبنائها في حالة الجوع،وهي في الحقيقة تأكلهم بسبب عجزها عن إطعامهم ورعايتهم،وليس لأنها تشعر بالجوع وفقا للخطأ الشائع،ولربما هذا شكل من أشكال التضحية بالآخر لحمايته،وذلك بإبعاده عن المخاطر،لإحساسها المسبق بأنها غير قادرة على حمايته من مخاطر وجودية أخرى، كاحتمال افتراسه من قبل حيوانات اقوي.
إما بماذا تشعر هذه القطة،وهي تأكل أحد أبنائها،مما لا شك فيه بالمرارة والحزن العميقين،ولربما الندم،الى ذلك يمكننا بناء فرضيات عميقة لهذه المسلك،لا الاكتفاء بتناول المستوى السطحي له،وترك دوافعه البيولوجية جانبا،وهو شكل من إشكال الدفاع عن الذات،بعد ان يتأكد هذا الكائن من إطباق عجزه على إرادته،وإقعاده عن القيام بأي دوره تجاه الأبناء،وابسطه الدفاع عنهم وإطعامهم ،وفي الجانب الإنساني المتعلق بمسلكية بني البشر المشابه،ثمة أساطير إنسانية عديدة، تحاكي مثل هذه الوقائع، كأسطورة قلعة متسادا اليهودية،التي تحصن فيها أكثر من ألف يهودي،بعد محاصرة الرومان لهم في العام 70م ،وعندما تمكن الرومان من اقتحام القلعة عليهم،تبين لهم أن المحاصرين أقدموا على الانتحار الجماعي،لتوقف إمكانياتهم عند حد معين من الصمود،وكذا هي ثقافة الميكايدو اليابانية،التي تؤثر الانتحار على الأسر لجنودها،ان العجز هو حقيقة بيولوجية وإنسانية راسخة،تصيب الإنسان والحيوان على حد سواء،بعد ان يستقر في مكوناتهما النفسية والفكرية،ويقعدهما عن التصدي للمخاطر الخارجية، وذلك منوط أيضا بقدراتهماالجسديه والبنيوية،فرأينا من غرائب هذا الصراع،كيف تتغلب الجواميس على الأسود،أثناء الدفاع عن صغارها،ورأينا الخنازير تفتك باللبؤات،دفاعا عن قطيعها،بعد اتخاذها قرار انتحاري بالنجاة .
ولعل هذا الأمر يستقيم استخدامه،على القوى والحركات الثورية والأحزاب السياسية، والدول،أن إحساس بعض الدول بالعجزعن الاحتفاظ، بجزء من الوطن أو كل الوطن يأخذها الى هذه المناطق من التفكير،المفتوح على شتى الاحتمالات،وأمامنا هنا العديد من النماذج التي تساعدنا في سبر غور هذه الظاهرة .
1- استجابة إمبراطور روسيا الكسندر الثاني،لطلب الولايات المتحدة الأمريكية،شراء مقاطعة ( ألاسكا- Alaska )،وكان لدى هذا الإمبراطور،قناعة بأن الإمبراطورية الروسية،ليست بحاجة لهذه المقاطعة،وخزينتها بحاجة للمال،فقرر بيعها،وأمرَ السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، لويس بيدلال بمناقشة الأمر مع وزير الخارجية الامريكي،ويليام سيوارد،وكان ذلك في بداية آذار1867،وانتهت جولة المحادثات بين الطرفين في الرابعة صباحاً،من يوم 30/آذار/1867، بالاتفاق على مبلغ 7,200,000 دولار(بمعدل حوالي 1.9 سنتاً للفدان الواحد) مع أنّ المبلغ يبدو ضئيلاً نسبيّاً بالنسبة لإيرادات الولايات المتحدة الأمريكية،لكنّه كان مبلغاً كبيراً بالنسبة للقيمة المالية في ذلك الوقت،علما ان ألاسكا تبعد عن أقليم تشكوكوتا الروسي ميل بحري واحد، وتبعد عن الولايات المتحدة أكثر من 500 ميل، وأصبحت الولاية الأمريكية الثامنة والأربعون .
2- استسلام النمسا لإرادة هتلر في العام 1938،وبولندا في العام 1939،وبلجيكيا وهولندا في العام 1940، أمام زحفه، وبدون أي قتال يذكر.
3- استسلام الخليفة الفاطمي ( أفتخار الدولة ) للصليبين، الذين حاصروا القدس،لمدة 40 يوما،خلالها تحصن افتخار الدولة وأعوانه في محراب داود،ولبثوا فيه ثلاث أيام،بعد ذلك،تراسل سرا مع الصليبين، للاتفاق معهم على تسليم المدينة،ودفع لهم مبلغا من المال مقابل،السماح له بالنجاة،وكان ذلك في 1571099،وهرب منها هو ومن معه ليلا .
4- تبني اليونان لمقترح ألماني،قدمه يوزيف شلارمان احد مسئولي الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا،أثناء زيارة الرئيس اليوناني جورج بابنديريو لألمانيا في مستهل آذار 2010م، لطلب مساعدتها في التغلب على الأزمة الاقتصادية،ومفاده بأن تقوم حكومة اليونان، ببيع جزء من جزرها غير المأهولة، لمواجهة خطر الإفلاس،علما ان اليونان تمتلك أكثر من 3054 جزيرة،87 منها فقط مأهولة،وبواقع مليوني دولار للجزيرة .
عليه يمكن التأكد من ان العجز،هو حالة غريزية منبعها الخوف،وهو بمثابة الأب الشرعي للعجز،الذي يصيب الأفراد والجماعات مجتمعين ومنفردين،وقد يتحول هذا الأمر،الى إشكالية جماعية مجتمعية مستعصية،عندها يفقد الجميع القدرة في رؤية الخطوط الفاصلة بين الصواب والخطأ،والفضيلة والرذيلة،أو تبدل المفاهيم لديهم،واعادة إنتاجها،وفقا لتصورات رواد هذه العلة،وان وصولها الى الدرجة الكارثية القصوى يبدأ عندما يتحول الخوف الداخلي الى قناعات بالتراجع ألانكفائي المذل،بدل الخلاص الانتحاري المشرف،والذي ينطوي على بطولة ما، ليس ابرز تجلياتها عدم تمكن العدو من النيل منك حيا ،وعندما يصل المرض الى هذا المستوى،وينعكس على شكل رؤى لممارسة الحياة،وعقيدة سياسية يتم التبشير لها من قبل معتنقيها،فانه يكون قد وصل الى درجة اللاعودة في خطورته،عندها يكون المرض قد أصاب طبقة النبلاء الحاكمة،وممن يمسكون برأس السلطات،ويقررون مصير البلاد،أن وصول المرض الى هذه الطبقة،سيجد انعكاسه بالضرورة على رعيتهم،ليصبح لاحقا جزء من ثقافة هذه الرعية،المتمحورة حول النجاة بالبدن ان أمكن،والاستسلام للأخر لتجنب غضبه وثورته .
وهذه المعضلة ستكون حاضنة نمو وازدهار العجز الذاتي،وهو الموطن الأصلي للفساد بكل إشكاله ومسمياته،وأولها الابتعاد عن أسس الحكم الصالح،وإحقاق الحق بين الناس،لأن تجسيد هذه القيم على أصولها،هو بالضرورة احد تجليات الخروج من العجز الذاتي،وهذا الأمر هنا غير ممكن، بسبب غياب الدوافع الذاتية الجادة في مساعي الخلاص والانعتاق،لذا من المرجح ان يستمر هذا المجتمع،أو الحركات،أو الأحزاب السياسية المصابة بهذا المرض الوجودي،ان تمضي في مسيرة ضمورها وتلاشيها،وتمنح الاخرين حق استعبادها والتضحية بها .
هنا اتسائل هل أصاب هذا المرض بعض القوى السياسية الفلسطينية، ان المستخلص من قراءة بعض التصرفات التي تقوم بها بعض هذه القوى،يقودنا الى مثل هذا اليقين،وبأن هذا المرض قد استفحل في بنيانها،ان الانكفاء الذي تمارسه فتح منذ انفضاض مؤتمرها الاخير4/آب/2009م،نحو الداخل الفلسطيني واكتفائها بساحة الوطن المحتل كساحة رئيسة للعمل التنظيمي،والتضحية بباقي الساحات من اجل هذه الغاية، يعبر عن تجلى حالة العجز في بنيانها،التنظيمي والسياسي،وهو تعبير عن وصول الحركة الفلسطينية العريقة،لحالة مزمنة من القصور والعجز الذاتيين،أصبحت معهما غير قادرة على، إدارة الساحات الخارجية، تحت مبررات عديدة كالحد من الانفاق ومركزة العمل في الضفة المحتلة،والاكتفاء بالضفة الغربية كمجال حيوي لأجندة العمل الفتحاوي،وهو على أية حال،تصرف انكفائي لا يستقيم مع ماضي فتح، ولو مع دورها الافتراضي المأمول مستقبلا،وقد دل على وجود وازدهار هذا المتغير في الداخل الفتحاوي،تصرفين هامين، اتخذا على شكل قرارات تنظيمية،من قبل قيادة فتح،وهما :-
1- قرار الحركة بتصفية مكتب التعبئة والتنظيم في تونس،بدون إشعار كوادر فتح بشكل مسبق،من العاملين في تلك المكاتب بهذه القرارات،الأمر الذي أثار حالة من الاستياء و السخط بينهم،وإنهاء عضويتهم في الحركة،مع غياب إطار يجمعهم بعد إغلاق المكاتب،وانتقال مسئولهم أبو ماهر غنيم الى رام الله،دون ترتيب أوضاعهم،وإنهاء الحالة التنظيمية في تونس .
كما تم إغلاق المكتب المالي للحركة في تونس العاصمة،وإحالة موظفيه الى التقاعد،وبدون تحديد أي مهام جديدة للذين لم يشملهم التقاعد،وقد فشل كوادر الساحة التونسية،بإقناع مفوض التعبئة والتنظيم للحركة أبو ماهرغنيم،بعدم إغلاق المكتب،أما الحكومة التونسية،فقد قررت أمام هذا التطور،الطلب من هؤلاء الموظفين،مغادرة تونس،والعودة الى ديارهم، وخاصة بعد مغادرة قادتهم لأراضيها .
2- إحالة المئات من أعضاء وكوادر فتح في ليبيا وتونس والجزائر والأردن،الى التقاعد،وتخفيض رواتب عدة الآف آخرين،في ساحات أخرى، منها ساحة الوطن المحتل.
(استنتاج).
من غير الواضح، لدى أعضاء فتح،الى أين سيقود هذا الوضع،الأخذ في الغموض إمامهم،لأنه يأتي كتصرف معاكس، لما أوصت به الأطر والهيئات الحركية،وأهمها قرارات المؤتمر الحركي السادس بهذا الخصوص،الأمر الذي يطرح مجموعة مترابطة من الأسئلة،حول مصير تلك القرارات،لماذا؟ لأن قرارت المؤتمر الفتحاوي الأخير في بيت لحم، لم يكن من بينها ما يشيرالى تصفية الوجود الفتحاوي في تونس،أو غيرها من الساحات،إذا الى ماذا استند قرار قيادة فتح المنتخبة من قبل نفس المؤتمر، في تصفية مكاتب التعبئة والتنظيم،وعند العودة الى مقررات المؤتمر السادس بهذا الشأن فإننا سنجد،توصيات وقرارات مخالفة لما تم الإقدام عليه، بشكل كامل،حيث أكد المؤتمرعلى أهمية وحدة الحركة التنظيمية والسياسية،واعادة بنائها وتفعيلها وتوحيدها،تحت باب (إعادة بناء الحركة وتفعيلها وتوحيدها) وأكد على التمسك بقرارت الشرعية الدولية تحت بند( أساليب النضال وإشكاله) وتحت بند ( العمل على تطوير منظمة التحرير) كما أكد على دور فتح في المقاومة،باستخدام كل السبل والطرق،بما فيها الكفاح المسلح، تحت بند( مهام المرحلة القادمة) واعتمد البرنامج السياسي على قرارات الشرعية الدولية، كمنطلق لأي حل قائلا " التفاوض يكون على أساس الشرعية الدولية وقراراتها الرئيسية: 181، 194، 242، 383، وفي إطار المبادرة العربية للسلام، طالما كان هذا الاستمرار يحقق أهدافنا الإستراتيجية والمرحلية " ومن خلال رصد الوقائع المشكلة للمنهج المتبع بعد المؤتمر، سنجد بأن هناك ابتعاد كلي ومطلق،عن هذه المحاور،حيث سنقف أمام معضلة جديدة من معضلات الحالة الفلسطينية،وهي تمرد القيادة الفلسطينية العليا،على إستراتيجية الحد الأدنى الممانعة،وانتهاج أخرى غير واضحة المعالم،وغير مفصح عنها مسبقا،ولعل دليلنا الى هذه الحقيقة، هو مقارنة الإجراءات العملية والفعلية لقيادة فتح على الأرض،مع نصوص البرنامج السياسي الفتحاوي المعتمد،في آب 2009م،وتحليها للوصول الى استنتاجات مفهومة في هذا المضمار.
أولا- إعادة بناء الحركة،وتفعيلها وتوحيدها .
افرد البرنامج السياسي لحركة فتح،في دورته السادسة،مساحة هامة ومطولة لهذا المحور،حيث جاء في باب (المهام الأساسية لإعادة بناء الحركة وتفعيلها وتوحيدها ) ما يلي :-
(النص)
1 – العمل على استعادة الدعم الجماهيري للحركة بالعودة إلى المبادرة والفعل واستعادة الخط النضالي لتحقيق السلام العادل، والتأكيد على استمرار حركتنا كحركة تحرر وطني، لا تتخلى عن مقاومة الاحتلال، والحفاظ على النقاء الثوري الذي ميز الحركة عند انطلاقها، والحرص على أخلاقيات أبناء الحركة وسلوكهم في التعامل داخل الحركة ومع الجماهير، وبتأكيد قيم الالتزام والمحاسبة، والعدالة، وتكريس الالتزام بعقلية المؤسسة الواحدة، وبتجديد "قانون المحبة" في التعامل بين أبناء الحركة للحفاظ على وحدتها.
2 – إعادة البناء الحركي، بإعادة التنسيب وفق النظام الأساسي، وإنهاء ظاهرة الكادر غير المؤطر تنظيمياً وإيجاد صيغ أكثر فاعلية لتأطير العسكريين، وتوسيع قاعدة المشاركة في اتخاذ القرار من خلال منح صلاحيات أوسع للمجلس الثوري، واستكمال بناء المفوضيات والمؤسسات الحركية في الوطن وفي الخارج وممارسة الحوار الديمقراطي الإيجابي داخل الأطر، وانتظام عقد المؤتمرات الحركية، وتطوير أشكال تنظيمية تحفظ السرية وبالأخص في المناطق التي تتطلبها.
3 – استمرار الالتزام بالتربية النضالية والاستعداد الدائم للانخراط في مقاومة الاحتلال، والتضحية، والاستمرار في تعبئة كوادر الحركة وجماهيرها بتراث الكفاح المسلح الفلسطيني.
4 – تحقيق وحدة الحركة بين الداخل والخارج وبين الضفة والقطاع وبين شباب الحركة وشيوخها.
5 – الحرص على استقلال الحركة في إطار منظمة التحرير والسلطة.
6 – تنمية مالية الحركة بالاعتماد على الذات وعلى الجماهير الفلسطينية في الشتات وفي الداخل وإعادة بناء النظام المالي في الحركة بما يضمن الشفافية ويتيح للحركة فرصة الاطلاع والرقابة والمحاسبة من خلال تطوير المفوضية المالية وتوحيد مراكز الصرف والتمويل والتقدم بتقارير مالية دورية أمام المجلس الثوري والمؤتمر العام.
7 – تجديد شباب الحركة، والتعاون بين الأجيال، والعمل على جسر الهوة ومد جسور العلاقة بين الكوادر الشابة، وبين الأجيال التي أسست الحركة.
8 – إعادة هيكلة وتفعيل الشبيبة الفتحاوية .
9 – تنمية دور المرأة .
10 – القضاء على الظواهر السلبية وفي طليعتها مراكز القوى والشللية والعشائرية، بفصل الأجهزة الأمنية عن التنظيم المدني، وبرفض أي تمويل خارجي للكوادر أو الأجهزة والمؤسسات الحركية دون رقابة مركزية، وبالحفاظ على الشرعية والتراتبية التنظيمية والانضباط الحركي، وبتصعيد المحاسبة وبتفعيل وتحديث آليات عمل الرقابة الحركية والمحكمة الحركية.
11 – إعادة النظر في الخطاب الإعلامي للحركة وتسليم مسؤوليته لمتخصصين قادرين على خلق المواصفات المطلوبة لنجاحه من وضوح وصدق وتكامل وإقناع .
12 – تكريس التوجه نحو تقديم الحركة للخدمات المجتمعية، وبخاصة في مجال الصحة والتعليم والثقافة والتراث، وتعزيز حضور الحركة ومشاركتها القيادية في المنظمات الشعبية.
13 – تكريم قدامى المناضلين ورواد حركة "فتح"، وتوثيق تجاربهم ومسيرتهم للاستفادة منها في توثيق مسيرة حركة "فتح" عبر نصف قرن من الريادة والنضال.
( استنتاج).
لم تدل أيا من مسلكيات القيادة الفتحاوية اللاحقة لمؤتمر بيت لحم، بالتزامها بايا من الأهداف المحددة،تحت بند إعادة بناء الحركة وتفعيلها وتوحيدها،وخاصة بعد قرار الحركة بتصفية مكتب التعبئة والتنظيم،في تونس،بدون إشعار كوادر فتح هناك بهذا القرار،الأمر الذي أثار حالة من الاستياء و السخط بينهم،بسبب إغلاق مكاتب الحركة من قبل اللجنة المركزية، وإنهاء عضويتهم في الحركة،بدون تكريمهم أو حتى الاتصال بهم،وتركهم لمصيرهم وبلا إي إطار يجمعهم،وانتقال مسئولهم أبو ماهر غنيم الى رام الله، كما تمت الإشارة دون ترتيب أوضاعهم التنظيمية، والإصرار من قبل قيادة فتح في الضفة الغربية،على عدم وجود إقليما لها في تونس،كما وتم إغلاق المكتب المالي للحركة ايضا،وإحالة موظفيه أيضا الى التقاعد،بالإضافة الى إحالة مئات الكوادر،في ليبيا وتونس والجزائر،الى التقاعد،وتخفيض رواتب عدة الآف آخرين في ساحات أخرى،منها ساحة الوطن المحتل.
ثانيا. اعتماد قرارات الشرعية الدولية .
أفردت فتح لهذا المحور بندا خاصا في برنامجها السياسي،تحت باب (مهام تفعيل العمل العربي والإصرار على استقلال القرار الوطني الفلسطيني) وجاء فيه.
( النص) .
العمل على توفير أكبر قدر من الدعم العربي، بالعمل المكثف مع الدول العربية ثنائياً، وعلى الأخص مع دول الجوار مصر والأردن وسورية ولبنان والسعودية، ومع الجامعة العربية [....]، وتعزيز الالتزام العربي برفض التطبيع مع إسرائيل قبل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي التزاماً بمبادرة السلام العربية، والترحيل والتمييز العنصري، وهو حق تكفله الشرائع والقوانين الدولية. انطلق نضالنا الثوري بالكفاح المسلح في وجه الاغتصاب المسلح لأرضنا، ولكنه لم يقتصر عليه أبداً، وتنوعت أدواته وأساليبه لتشمل الكفاح السلمي كما مارسته الانتفاضة، والمظاهرات والاعتصام والعصيان المدني والمواجهات ضد عصابات المستوطنين، والنضال السياسي والإعلامي والقانوني والدبلوماسي، والمفاوضات مع سلطة الاحتلال، وعليه فإن حق الشعب الفلسطيني في ممارسة الكفاح المسلح ضد الاحتلال المسلح لأرضه يبقى حقاً ثابتاً أكدته الشرائع والقانون الدولي. إن اختيار أسلوب الكفاح في الزمان والمكان يعتمد على القدرات الذاتية والجماهيرية، وعلى الأوضاع الداخلية والخارجية، وحساب معادلات القوى وضرورات الحفاظ على الحركة، وعلى قدرة الشعب على الثورة والصمود، والاستمرار في الكفاح. وفي باب العمل على تطوير أداء منظمة التحرير الفلسطينية في المفاوضات وصيانة حقوقنا أكد البرنامج السياسي لفتح في مضمار القانون الدولي وقواعد الشرعية الدولية على " التفاوض يكون على أساس الشرعية الدولية وقراراتها الرئيسية: 181، 194، 242، 383، وفي إطار المبادرة العربية للسلام، طالما كان هذا الاستمرار يحقق أهدافنا الإستراتيجية المرحلية .
( استنتاج).
من خلال تتبع الأداء الدبلوماسي الفلسطيني،في المحافل الدولية سنلاحظ ثلاث ملاحظات في منتهى الأهمية وهي على النحو التالي:-
1- معارضة ممثل فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور طلب المجموعة العربية،ومجموعة دول عدم الانحياز، وقف الحرب على غزة، ورفع فوري للحصار،وذلك في كانون أول/2009م.
2- تقدم ممثل فلسطين في مجلس حقوق الإنسان،في جنيف، بطلب من رئاسة مجلس حقوق الإنسان، تأجيل عرض تقرير بعثة جولدستون،عن الحرب على غزة،على الدول الأعضاء للتصويت عليه،وذلك في نهاية أيلول 2009م .
3- تقدم ممثل فلسطين في مجلس حقوق الإنسان،في جنيف، بالطلب من رئاسة المجلس تأجيل عرض تقرير المقرر الخاص من قبل هيئة الأمم المتحدة،ريتشارد فولك، أمام المجلس للتصويت عليه، وذلك في بداية آذار 2010م .
السؤال الرئيس الذي يقفز الى مقدمة رأس كل عاقل،هو عن أي شرعية دولية تتحدث قيادة فتح،وهي تحرق الأوراق تلوالأوراق،المؤيدة للحق الفلسطيني،وكيف ستتحقق المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، في ظل هذا التماهي المطلق، مع الدبلوماسية الإسرائيلية، في المحافل الدولية،وقد تحول ممثلوا السلطة الفلسطينية الى ممثلين لإسرائيل،ومدافعين عنها أمام كل من يحاول المساس بها " إذا أصبح الموقف الفلسطيني عمليا ضد الإستراتيجية الفلسطينية المعلنة،على الأقل،منذ الجلسة الطارئة للجمعية العامة أواسط يناير 2009، حيث تشير ملفات الجمعية العامة وما رافق ذلك من مواقف رسمية موثقة،أن موقف ممثل فلسطين تماثل تماما مع موقف ممثل إسرائيل من مشروع قرار اقترحه رئيس الجمعية العامة في حينه،وقد وصفت الصحافة الغربية (وبعض العربية) إسرائيل في حينه بأنها الدولة الوحيدة التي تتمتع بممثلين دائمين في الجمعية العامة واحد إسرائيلي،والآخر فلسطيني،كان مشروع القرار المرفوض فلسطينيا ومصريا وغير المسند من قبل الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة،والمقدم من قبل الأكوادور والمسند من أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية، كان يدعو إلى تبني قرار يدين إسرائيل على حربها على غزة، وتحميلها كامل المسؤولية، وبإلزامها بوقف الحرب وبالانسحاب الفوري من غزة، وبفك الحصار بلا قيد أو شرط، وبتشكيل محكمة دولية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب، كما وكان يدعو إلى تبني حملة المجتمع المدني الداعية إلى مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. ذلك القرار الذي كان يحظى بإجماع مجموعة عدم الانحياز وعدد من دول أوروبا، وأمريكا اللاتينية، والذي كان سيحظى بتأييد الأغلبية الساحقة لأعضاء الجمعية العامة، وصف على لسان ممثل فلسطين د. رياض منصور،بأنه متطرف جدا في حينه، تم إرسال مذكرة إلى مكتب الرئيس من قبل عدد من المؤسسات الحقوقية والأطر الفلسطينية،تناشده فيها بالوقوف على حقيقة ما يجري في أروقة الهيئة الأممية " (نضال العزة، أستاذ قانون دولي في جامعة القدس أبو ديس. وكالة معا الاخباريه- 6/3/2010م )، ولسوء حظ من يقفون وراء كل عملية تأجيل، فأن هذا التأجيل يقدم للتقارير المراد تاجيلها خدمة جلية،حيث تدور حالة من النقاش العالمي حول كل تقرير من التقرير،بدلا من نقاشها داخل قاعات مغلقة،فيما لوتم التمرير الروتيني لها،ولعل هذا الامر هو انعكاس لقوة حق الضحية،فتجد هذا الكم الهائل من التأيد،عدا عن تأيد التقريرنفسه لحقها،لذا أرى بأنه آن الاوان لهذه القيادة، ان تراجع ما تقوم به من تصرفات في المحافل الدولية وغيرها،بما يتناسب مع دورها المفترض،تجاه قضايا وهموم شعبها .
ثالثا . الحق في المقاومة .
افرد البرنامج السياسي لحركة فتح جزءا هاما، لهذا المحور، تحت باب( مهام المرحلة القادمة) وجاء فيه
(النص).
" تتمسك حركة "فتح" بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، بكافة الوسائل المشروعة بما فيها حقه في ممارسة الكفاح المسلح الذي يكفله القانون الدولي، طالما استمر الاحتلال، والاستيطان، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الثابتة ".
(استنتاج).
رفض الرئيس الفلسطيني مرارا وتكرارا وأمام كل محفل،أي شكل من أشكال الكفاح الشعبي الفلسطيني، ضد الاحتلال الاسرائيلي، بما فيه الانتفاضة الشعبية اللاعنفية،علما ان العديد من قادة فتح،أعلنوا وبشكل عملي عن دعمهم وتأيدهم للكفاح ضد المحتل،باستخدام كل السبل، بما فيها الكفاح المسلح،أي ان رئيس فتح يحظر وبشكل حازم أي عمل عنيف ضد المحتل، بينما البرنامج السياسي يؤكد على إحياء مثل هذا الخيار،وجزء من قادة فتح، ممن يؤيدون مثل هذه النصوص المدرجة في أدبيات فتح،هم ملتزمون بالبرنامج السياسي،والإستراتيجية النظرية للمقاومة، بينما الرئيس وفريق أخر ذو مكانة مرموقة في فتح، يقاومون الإشارة النظرية في وسائل الإعلام لمثل هذه الخيارات، ويشنون حملة من اللوم والتقريع الداخلي،ضد كل من يحاول الإشارة بايجابية لهذا الخيار من قادة الحركة، وهم غير ملتزمون بما تقره الحركة من قرارات .
تعقيب على الاستنتاجات.
أدى هذا الوضع الاستثنائي القائم، بين النصوص والقرارات النظرية المعلنة،والمسلكيات السياسية الفعلية على الأرض،للمستوى السياسي الحاكم في فتح،الى نشوء،معضلة كبرى من الغموض تحيط ببرنامج فتح السياسي، وحقيقة اهدافة المصرح بها، وتجلى التعبير عن وجود هذه المعضلة لدى فتح،أثناء تعقيب قادتها على مشاركة د. سلام فياض،رئيس الوزراء الفلسطيني في مؤتمرهرتسيليا في دورته العاشرة،في كانون ثاني 2010م،ولعل التباين في مواقف قيادات فتح من تلك المشاركة،أشارالى أنهم يتحدثون من منابع سياسيه متباينة في تحديد مواقفهم من الأشياء المحيطة بفتح .
وملاحقة هذه التباينات من قبل أي مراقب للوضع الفلسطيني،ستقوده الى اكتشاف منابع هذا الخلل،الغائرة في صميم الماضي الفتحاوي،ليكتشف طبقات سميكة من هذه الاختلافات،وأخرى رقيقة توفر ظروف مواتيه لمثل هذه الهزات في الداخل الفتحاوي،بين الفينة والأخرى،لكن أهمية التوقف عند الاختلاف الفتحاوي هذه المرة،والمتمحور حول مشاركة،رئيس الوزراء الفلسطيني في مؤتمر هرتسليا،تشير الى انه لن يكون هناك اتفاق فتحاوي فتحاوي،حول أية مسالة قادمة .
كاتب ومحلل سياسي
n-damj@maktoob.com
التعليقات (0)