كان بلال بن رباح أسود اللون فاحماً .. وكان عبداً رقيقاً .. حينما علمت قريش بإسلامه شرعوا في تعذيبه أشد العذاب .. فسعى أبوبكر الصديق في شرائه .. وحينما اشتراه .. أعتقه .. فقال الفاروق عمر بن الخطاب الذي كانت تهتز لذكره عروش الملوك .. قال عن أبي بكر و بلال ( سيدنا أعتق سيدنا) ..
وبقيت هذه العبارة يحفظها التاريخ بين عينيه لتكون بين أيدينا اليوم سيفاً نقطع به لسان المرجفين والمشككين والملحدين .. فبلال بن رباح ذلك العبد الرقيق الأسود ينعته صحابة رسول الله بسيدهم المعتوق الذي يتساوى مع سيدهم العاتق ..
وصار بلال مؤذناً للرسول.. وكان ذلك العبد الرقيق الأسود إماماً للمسلمين في الصلاة يصطف خلفه أسياد قريش الذين كانوا أسياده في الجاهلية ثم صاروا أخواناً له في الإسلام ..
وفي حضرة النبي صلى الله عليه وسلم زلف لسان الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري حين قال غاضباً لرجل أسود حينما كان يجادله ( يا ابن السوداء) ..
ما تركه النبي يتم عبارته حتى قال له ( طف الصاع طف الصاع .. ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح)) ..
هنا نزل "أبوذر" على الأرض واضعاً وجهه على التراب قائلاً للعبد ( قم فطأ بقدمك على خدي ) ملتمساً له القصاص من نفسه والمسامحة والعفو منه...
وذهب الإمام علي رضي الله عنه إلى السوق مع رقيقه فاشترى ثوبين أحدهما أغلى من الآخر فأعطى خادمه الثوب الأغلى وأبقى لنفسه الآخر فقال له الخادم " انت يامولاي أحق بالثوب الأغلى" فقال له أمير المؤمنين "كلا إنك أولى به مني لأنك شاب أما أنا فقد هرمت " ..
وكان الصحابي " فاحش الغني" عبدالرحمن بن عوف إذا مشى لا يميزه أحد عن عبيده وخدامه لتشابه ألبستهم وتماثل أزيائهم وعدم تقدمه عليهم في المسير ..
وقد خاطب النبي الشريف المسلمين محدثاً عن مواليهم ( أخوانكم حولكم جعلهم الله تحت أيديكم) فوصف النبي الموالي والعبيد والرقيق بأنهم أخوان للمسلمين بما تعني كلمة الأخوة من حقوق وواجبات في المعاملة ...
تلكم ثلاث لقطات عن حال الرقيق في الإسلام ..
إخاء ومساواة وحرية لم يحلم بها حتى أفلاطون في مدينته الفاضلة . ولم تبلغ مبلغها أمة من الأمم منذ فجر التاريخ وحتى اليوم .. نعم وحتى اليوم ..
وما كان الإسلام ليقنن الرق أو ليبقي عليه .. ولكن كان ليعالج هذه الظاهرة التي كانت متوحشة ومستوحشة في المجتمعات الإنسانية قاطبة وليس في قريش خاصة .. ولقد تعرض العلامة الأستاذ " محمد فريد وجدي " في كتابه "المدنية والإسلام " لموضوع الرق في الإسلام وأجاب شافياً" عن سؤال لطالما ردده المرجفون والمشككون والملاحدة كالببغاوات بلسان القدح والذم والهجاء لا بلسان المتسائل توصلاً إلى حقيقة أو نيلاً لمعرفة ..
لماذا لم يقرر الإسلام إبطال الرق ومحوه بأول آيات قرآنه ؟
وهل كان إبطال الرق أشد صعوبة من إبطال عبادة الأوثان ؟
أوليست هذه أصداء أسئلتهم على مدار القرون ؟!
هنا يجيب فريد وجدي بما معناه و(بتصرف بسيط منا ) بقوله أن الإسلام بحسبانه دينا عاماً جامعاً شاملاً قد جاء بأوامره ونواهيه ملتحماً بالبواعث والميول والطبيعة الإنسانية ومواطئاً للنواميس السائدة في الجماعة الآدمية رغم أنفها ليرتقي بالنوع الإنساني تدريجيا من حالة البهيمية التي كان فيها إلى ذروة المدنية التي سيلاقيها ..
فهذه النواميس أحس بها فلاسفة العمران مثل (أوجست كونت) و(هيجل) و( سبنسر) وغيرهم حيث رأوا أن النوع الإنساني يجب أن يمر في ترقيه بسلسلة منتظمة من الحلقات لا يمكن تخلفه عن المرور بها بوجه من الوجوه رغماً عن الفتن التي تعتريه والمظالم التي تنشب فيه..
فجميع حِكَمْ الفلاسفة لايمكن العمل بها ما لم تساير نواميس التدرج والتطور البشري حتى تتفاعل معها وتؤدي الغرض منها.. وهو ما حدث مع بعض ممالك أوربا حيث لم تشرق نواميس الحرية والمساواة على أفقها إلا بعد المرور بليال حالكة السواد وأعاصير وإرهاصات وتدرج وتطور حتى وصلت إلى شكلها الحالي...
بناء على هذه القواعد الأساسية الثابتة جاءت الديانة الإسلامية مراعية لسير تلك النواميس الطبيعية السائدة على الإنسان حيث لم يعتور هذه القواعد هرم أو سقم وبقيت ملائمة للجماعة الإنسانية في ترقيها ..
وهذا تفسير لعدم إبطال الإسلام في أول نشأته للرق وليس أقوى دليلاً لذلك من قول العلامة (لاروس) في دائرة معارفه:
( أن الحروب أفادت النوع البشري كثيراً حتى أن أسوأ نتيجة من نتائجها وهي الاسترقاق لم تخل من فائدة كبرى ومزية عظمى أفادت في ترقي العنصر البشري حيث بالاسترقاق تحررت المرأة من ذل أسرها لدى بعلها حيث كانت تتساوى مع البهائم فحمل عنها الرقيق عبء الواجبات التي كانت منوطة بها ورفعها درجات في عين الرجل ..
وبترقي المرأة تحسن شأن النوع البشري .. أما الآن فلم يبق وجه للاسترقاق حين جاءت الآلات الميكانيكية فأراحت الإنسان كثيراً عما كان عليه في الأزمنة السابقة) انتهى باختصار...
ولقد أقر الإسلام الرق بعد أن حصره في دائرة محيطها (الحكمة) و(العدالة) وأسبغ على الآسر والمأسور نعماً لايمكن بموجبها تفضيل أحدهما على الآخر بخلاف ما تتبعه الأمم الأخرى من بربرية في الاسترقاق يأنفها الإنسان ويستقبحها الحيوان ..
ثم لم يكف الإسلام حصره للرق في هذه الدائرة المحكمة من (العدالة) و(الحكمة) بل جعل للأرقاء حقوقاً ما كان يحلم بها أحرار الأمم الأخرى في أكثر الممالك حضارة وتهذيباً ..
وفي الواقع وبينما كان آباء أرقاء المسلمين وأخوانهم هائمين في الفيافي والقفار كان هؤلاء في الجماعة الإسلامية موضوع الاحترام والإجلال وشاغلين لأسمى المراكز الاجتماعية في الإدارة والحرب مثل بلال وسلمان وسالم وغيرهم ..
ولقد حض الإسلام على محاصرة ظاهرة الرق حتى القضاء عليها تدريجياً كما فعل مع الخمر وتكفينا هنا تلك الإشارة الصريحة من النبي صلى الله عليه وسلم في اتخاذ كل طريق ومسلك للإنهاء على ظاهرة الرق بقوله ( شر المال في آخر الزمان المماليك ) ..
ويكفينا ما أسلفنا من نماذج للعبيد الذي صاروا بالإسلام أسياداً وصاروا بنعمة الله أخوانا لا فرق بين أبيض ولا أسود ولا بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ..
وليس في الإسلام الفصل العنصري كما كان في جنوب أفريقيا... ولا التمييز العرقي كما كان في ألمانيا... ولا الدم الأزرق.... ولا غيره من المصطلحات التي تفشت في مجتمعات أصحاب الحضارة "العظمى" والقنابل النووية ومجرمي العالم الذين يستعبدونه ويسترقون شعوبه .. ويسرقون خيراته.. ويعيثون فيه فساداً.. وتدميراً .. واستعماراً .. وابتزازاً .. وإرهاباً ثم يجيئون بلسان أذنابهم وذيولهم ورعاديدهم ومرجفيهم ليتلمزوا على معالجة الإسلام للرق !!!!!..
والله إن السود في الإسلام لأشرف عند المسلمين من أشرف نطع أبيض على رأس أكبر امبراطورية من امبراطوريات العلوج .. أسيادكم .. التي والذين تعبدونها وتعبدونهم من دون الله .. تعالى الله عما تصفون علوا كبيرا وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ..
أما بعد : فعندنا المثل المصري "التكرار يعلم ال .... " ونهذبه نحن إلى " التكرار يعلم الشطار" .. وقد أوردنا هذا المال ونشرناه بتاريخ 26/1/2011 رداً على وقطعاً لألسنة الذين يتطاولون على الإسلام بسقم الأفهام ومرض النفوس وعياء العقول ..ولأننا لسنا في حاجة لأن نزيد حرفاً عما سبق أن قلناه منذ أكثر من عام .. فإننا نعيد نشره على الأدمغة التي أعياها سقم الكراهية وأعماها الحقد البغيض حتى لا ترى من حولها ولا تستشعر من أيامها سوى هاجسا واحداً يطاردها في منامها وفي معيشتها وتخشى أن يغشى عيونها حين تفتحها تخشى أن ترى .. نور الله ..والله متم نوره ..ولو كره الكافرون ..
التعليقات (0)