العبادة والابعاد المعاصرة
علي الكندي
صار امرا مالوفا ان تمضي حياة الرساليين وتتحول حياتهم الى محطة للتامل والدراسة والبحث والتنقيب لكن بعد ان تتحول عظامهم الى رميم وقبورهم الى رميم ، وتتحول نتاجاتهم وخطواتهم للتحليل وبيان الدقة والعمق والفاعلية لكن بعد فوات الاوان فيمدح الكاتب والعالم والفقيه والمرجع من الجميع ، حتى مخالفوه وحتى اعداؤه يمدحوه لانه يتحول الى عملة نادرة والكلام عنه يعد فضيلة من الفضائل بل لعلها فضيلة مشتركة بين المادح وبين الممدوح اذ يكسب قسطا وافرا من الاحترام والتقدير كونه كتب او حلل او ذكر ملاحظة .
لكنه في حياته يجهله اقرب الناس اليه ، وانقسموا حوله بين متردد وبين جاهل ومتجاهل وبين مرجف ومدسوس وبين وبين... حتى تضيع الجهود وتنتهي الى دماء على ابواب الجلادين او قنابل العابثين ، حتى تتحول الى امور وقتية لحظية نتيجة عدم وجود العدد الكافي المؤهل لاستيعاب الفكر والشخص الا في مستوى بسيط ومحدود ولقد راينا ذلك في الكثير من عمالقة الفكر والابداع من علماء الاسلام ومن المجاهدين وليس غريبا ان نقول ان واحدا من هؤلاء الصدرين الشهيدين الذين اقتبست منهم مواضع الشهرة فحسب والامور التي صلحت ان تكون امورا دعائية وعلى الاقل لم تكن قد استوعبت في وقتها من قبل المريدين على الرغم من قوة الحركة التي قام بها وخصوصا الشهيد الصدر الثاني قدس سره ، واحاول في هذه القراءة البسيطة ان اقدم قراءة بسيطةلعبادة ولعالم وفقيه اما العبادة فهي واحدة من اهم العبادات الاسلامية التي تحولت بفضل العمق والدقة في التطبيق وانتقاء الظروف والاوقات الى ممارسة عملاقة على يد القائم بها الا وهي صلاة الجمعة المقامة في العراق وخصوصا بعد احتلال العراق ....
النقطة الاولى : الاسلام عبادة ورسالة
ان المتفطن لايات القران الكريم وللسنة النبوية الطاهرة يلاحظ امرين مترابطين مهمين الامر الاول هو الجانب التربوي التنظيري والثاني هو الجانب العملي والتطبيقي ، ولو اخذنا مثالا على ذلك ما نحن بصدده وهو الصلاة فالصلاة بكيفياتها وشكلياتها تمثل عبادة مهمة في نظر كل مسلم بناء على الاهمية التي اولتها الشريعة لها حتى جعلتها في نظر المكلف على انها ميزان الاعمال وانها عمود الدين وانها قربان كل تقي ولقد صرح القران الحكيم عن علة من العلل التي جعلت الصلاة تحظى بهذا الاهتمام والعناية والتركيز كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر .لهذا فان الصلاة تمثل قربة الى الله تعالى من ناحية من حيث الامتثال والتوجه الحقيقي للباري عزوجل وبنفس الوقت فهي تمثل طريقة عملية صحيحة للتخلص من كل الرذائل والمنكرات كبيرة كانت او صغيرة فعلا كانت ام قولا فاحشة كانت ام منكرا اذن فلكل عبادة جانب عبادي قربي وجانب اخر هو جانب عملي بل جوانب عملية متعددة تنفذ فوائدها ومنافعها الى الشخص والى المجتمع فنحن نلاحظ ان بعض العبادات تؤتى بشكل فردي وبعضها يؤدى بشكل جماعي ليؤجدي كل منهما الغرض المنشود منه
النقطة الثانية : ان الابعاد العملية متعددة ومتغيرة
ان هذه الابعاد العملية التي تتوافر عليها التشريعات الالهية ولاسيما العبادات تتخذ اشكالا متعددة ومتغيرة تبعا للزمن وللظرف وللمكان وللظروف الاخرى وهذا يحتاج الى من يقوم بتشخيص الجوانب العملية المهمة والحقيقية في تحقيق تلك الجوانب ويتخذ الخطوات الصحيحة للوصول الى المطلوب وهو ما يمكن ان يطلق عليها المرجعية الفكرية او المرجعية الصالحة التي بامكانها ان تؤمن كل تلك المتطلبات ولا ينافسها اي احد يمكن ان يحشر نفسه في تحقيق تلك الجوانب المهمة في الشريعة
النقطة الثالثة : ان الابعاد العملية هي الاهم
ان من ينظر الى الثمار النفسية والاجتماعية التي تحققها تلك العبادات بجوانبها المتعددة يلاحظ امور مهمة وكثيرة تشده نحو الاعتقاد ان هذه هي الملاكات الاهم التي من اجلها شرعت تلك العبادات او تك الشرائع كما سنلاحظ في مثالنا المطروح ان شاء الله
النقطة الرابعة : خصائص صلاة الجمعة
تحمل صلاة الجمعة جملة من الخصائص والصفات العامة توفر لهما زخما من عوامل النجاح والتاثير على المستوى الروحي والاجتماعي الخارجي ونحتاج ان نقف هنا على بعض خصوصياتها
1- صلاة الجمعة من اهم الفرائض ذات الابعاد العملية
لقد جمعت فريضة صلاة الجمعة جملة من الخصائص تكاثرت وترسخت في هذه الشعيرة لتحقيق اكبر قدر ممكن من الجوانب العملية المتوخاة منها ونشير الى البعض منها
اولا : انها واجبة على جميع المكلفين الا ما استثني وبغض النظر عن كون الوجوب تخيبريا الا انه لا يمنع من كونها اهم وافضل من فريضة الظهر خاصة في المراحل التي تمثل فيها جانبا حيويا تثقيفيا ارشاديا وتعبويا مما لا تستطيع فريضة الظهر توفيره
ثانيا : انها تحظى بحضور اكبر عدد ممكن من المؤمنين لعدة اسباب
الامتثال للوجوب الشرعي والاخلاقي
كونها تؤدى جماعة لا تقل خمسة او سبعة احدهم الامام
كونها في يوم ليس فيه عمل
كونها تشمل بوجوبها مساحة كبيرة اذ انها تجب على من يكون بينه وبين محل اقامتها فرسخين اي حوالي احد عشر كيلو مترا
كونها تختصر اكثر التجمعات العبادية فبينها وبين جمعة الاخرى فرسخ اي اكثر من خمس كيلو مترات وهذا معناه انه لا توجد هنا لا صلاة جمعة ولا صلاة جمعة والكل سيلتحق بها
2- عبادة اخلاقية سياسية
كونها تحتوي على خطبتين توجيهيتين وهاتان الخطبتان تشتملان على اهم الجوانب التي يتعايش معهما الرفد المسلم سواء على المستوى الروحي او المستوى الاجتماعي والسياسي وتاخذ صلاة الجمعة اكثر من ساعة زمنية يعيش فيها المكلف خليطا مهما من التوجيهات والارشادات الروحية والسياسية والتنبيهات العملية التي تكفي لتوجيهه اسبوعا على الاقل كما هو مقرر ، بل انها قادرة على توجيهه امور عامة طويلة الامد لكن صلاة الجمعة لانها تقام في كل اسبوع فانها تستطيع ان تحافظ على الارتباط العام المؤمنين وحتى لمن لا يتسنى له الحضور اليها . لانها ستكون برنامجا عمليا للمؤمنين المتواثقين المترابطين بالجسد الواحد .
3- صلاة الجمعة والمنبر التثقيفي
لاشك ان صلاة الجمعة بقوتها الفقهية وحشودها الملتفة حول منبرها فانها تقدم الكثير من النتائج العلمية والعملية المهمة فمن خلال منبرها الذي ييقطف المهم من الامور الاجتماعية والفكريو والعقائدية ليعرضها نقدا وتحليلا وتوجيها في ساعة مقتضبة استطاع من خلال تلك الفترة ان ياخذ بمجامع الامور وان يثقف اكبر طبقة ايمانية ممكنة تلك الطبقة المرتبطة بصلاة الجمعة ولا يقف تثقيف منبر الجمعة على المرتبطين والمواظبين على الحضور فحسب وانما يمتد الى ابعد من هؤلاء الى كل طبقة مؤمنة واعية متابعة لما يحصل في هذا المنبر التثقيفي التوجيهي ولقد ادت صلاة الجمعة في تاريخها الطويل دورا كبيرا وبارزا في قلب منظومات فكرية ومشاريع استبدادية كان اخرها وأوضحها تأثيرا ما حصل في العراق ايام الشهيد الراحل محمد صادق الصدر قدس سره فبامكان المنبر في هذه الساعات القليلة ان يضع بناء متكاملا اخلاقيا ومعرفيا يشحذ فيه همم الحاضرين من المؤمنين
صلاة الجمعة والوحدة الاسلامية
تبدا صلاة الجمعة بفلسفاتها المتنامية المترابطة فيما بينها لتحقيق نتائج وثمار هي بالتالي دلالات واضحة على تمامية الرسالية المحمدية وكونها خاتمة الاديان والانظمة التي تصلح لبناء الانسان وتوحيد وترابط المجتمع وفي واحدة من شروطها انها لا تصح الا جماعة ولا تنعقد جماعتها الا بخمسة او سبعة ومن ملاحظة الامور الاخرى ان نلاحظ ان الاسلام يسعى من خلال صلاة الجمعة الى توحيد اكبر عدد ممكن من الجماهير والاهداف والغايات تبدا بين المؤمنين انفسهم ولا تنتهي حتى توحد اجيال كاملة متكاملة لعله في بلد بعمومه لا تخص محافظة او بلدة او قرية فقط وانما تجتمع جمعة واحدة لتمثل الجميع اذا ماتوقف على ذلك غاية ومصلحة اهم من المصالح الاجتماعية ولقد استطاع المصلحون من خلال صلاة الجمعة توحيد الكثير من الجهود والمواقف في مواطن واماكن عدة بين طوائف المذهب الواحد او بين طوائف المسلمين حيث اجتمع السنة والشيعة لاكثر من مرة وهم يؤدون صلاة الجمعة موحدين تحت راية واحدة هي راية الاسلام الحنيف اذن كم هي مهمة هذه الشعيرة قلب الموازين حينما تتوحد فيها المواقف والقلوب الصابرة الصادقة .
صلاة الجمعة منطلق الثورات
لقد اثبتت صلاة الجمعة في الفترة الاخيرة وخاصة على الساحة العربية انها محور من محاور النضال بل والانقلاب الجماهير العام الذي اودى بحياة الزعماء والطواغيت فيما لو تحركت صلاة الجمعة الحركة الصحيحة المرسومة لها وفقد خطوات صادقة مخلصة نحو التغيير الجذري ورفض الباطل والانحراف . وما الحركات التغييرية التي انبثقت من صلاة الجمعة في مصر والبحرين وغيرها ماهي الا شواهد صدق على هذا القول وحتى لو وجدنا هناك تطبيقا لم يؤت ثماره فهذا لا يعني عدم صلاحية صلاة الجمعة للتغيير وانما القضية تنبع من ظروف وعوامل مشتركة للنجاح ، ولا شك انها ستبقى كغيرها من التشريعات الالهية قادرة على التغيير متى ما تجمعت فيها عوامل التصحيح الصالحة
التعليقات (0)