المدّ الثوري الذي تتوسّع رقعته بسرعة مذهلة لتكتسح أرجاء العالم العربي اليوم،لا يدع مجالا للاعتقاد بأنه يمثّل حالة أو حالات معزولة لا تعني إلاّ بعض الأقطار العربية. كما أنّ التفسيرات التي تَرُومُ فهم ما يحدث تُجانب الصّواب إن هي تنزّلت في غير إطار التدليل على الإرادة الشعبية الجامحة للشعوب العربية لغاية الانعتاق من القيود التي تكبّلها وتحول دون امتلاكها لأسباب البناء الحضاري قوّةً ورقيّا وكرامةً إنسانيّة.ولئن كانت الثورة ضدّ الحكم الفاسد شرطا أساسيا وضروريا لولوج أفق الحرية الرحب،فإنها تبقى محفوفة بمخاطر الانتكاسة إن لم يكن لديها مشروعها المتكامل لِمَا بعد الإطاحة بالاستبداد،ذلك أنّ لهذا الأخير قوى شرٍّ صلبة ومتعدّدة الأوجه وذات آليات ناجعة تقْدر على مقاومة قوى الخير المعوِّلة،فقط،على يقظة الضمير المجتمعي الأخلاقي دون تَمَثُّلٍ لقواعد إجرائية حذرة وآليات تنفيذ متطوّرة لجوهر ذات الضمير...
الديمقراطية هي الحلّ
من المفيد التذكير بأنّ العالم المتقدّم،على اختلاف هوياته الثقافية(اللغوية والدينية والعنصرية والطائفية)،استطاع أن يُخلّص شعوبه من فساد الحكم واستبداده بمؤسستيه الدينية والعلمانية باهتدائه إلى تطبيق منظومة متكاملة يختزلها مفهوم "الديمقراطية".
أما العالم العربي،فلا يُمكن تجاهل الوقع المؤثّر في وجدان شعوبه لمَقُولة "الإسلام هو الحلّ"،غير أنّ المشكلة ليست في الإسلام في حدّ ذاته بقدر ما تكمن في الضبابية التي تكتنف منظومة الحلّ العملية التي يروم دعاتها اعتمادها في تدبّر الشأن الحياتي العام للمواطن العربي من حيث هو إنسان أكان مسلما سنّيا أو شيعيا أو من أهل الكتاب أو ملحدا...يجب الإقرار أنّ تخلّف المسلمين لقرون خلت حتّم عليهم أن يقتاتوا من موائد الحضارة المتفوّقة عليهم حتى وإن استمرّوا في النهل من تراثهم الحضاري المجيد،عمليّةُ النّهل هذه كانت أقرب ما تكون إلى استنزافٍ لهذا التراث وتشويهٍ لنصاعته واعتداء على جوهر القيم التي تحكمه نتيجةَ القصور على الإثراء والتطوير بالمفهوم الحضاري،لذلك تحوّلت عملية الاستفادة من الإرث الإسلامي إلى ما يُشبه "الرضاعة من الأثداء الميّتة"،أثداءٌ-لئن كانت وظيفتها أن تدُرَّ حليبا- كانت عاجزة عن ذلك لغياب القدرة على بثّ الحياة فيها،أي البقاء في حالة "أهل الكهف" وعدم القدرة على مواكبة التطوّرات التي فرضها الزمن والإبداع الإنساني...لا يمكنُ للمدارس الفقهية المتزمّتة والمنغلقة التي أفرزها التخلّف العربي أن تُنتج مشروعَ نهضة عربية،وليس كفرا،بل هو الإسلام عينه الأخذ بأسباب القوّة والرّقيّ حتى إن ابتدعها فكرُ إنسانٍ كافر...
يقول الفيلسوف والمفكّر الإسلامي "أبو يعرب المرزوقي" في مقدمة كتابه:أزمة الحضارة العربية المتردّدة(1) :"شرع العرب والمسلمون في عملية النهوض الحضاري منذ ما ينيف على القرنين.لكنّ تخلّفهم..لا يزال من المسائل التي لا يختلف عليها اثنان.ولا تزال الأزمة التي تعاني منها الأمة أزمة حرجة..وحتى لو سلّمنا بأنّ الآثار السطحية لهذه الأزمة يُؤجّجها التدخل الأجنبي عامة والتدخل الأمريكي والإسرائيلي على وجه الخصوص،فإنّ جوهر الإشكال يبقى صادرا عن علل ذاتية للحضارة العربية الإسلامية نفسها.وأهم هذه العلل الموروث الثقافي الذي يبدو فقدانه للحيوية الذاتية متصاعدا يوما بعد يوم،ذلك أنّ تصاعده يُهدّد مفعّلات التطور الاجتماعي وحيوية الإبداع الحضاري فضلا عن عجزه البيّن عن غياب القدرة على إبداع القفزة النظرية الكافية لتحليل علل عطالته رغم كثرة المشروعات والإستراتيجيات المزعومة."
التحدّي الأكبر المطروح على الثورات العربية المباركة،اليوم،وهي تؤكّد قدرتها البديعة على الإطاحة بالاستبداد،هو كيف تُنتِج أدواتها التي تَحُول دون فساد الحكم وتضمن للمواطن حياة الحرية والكرامة ومناخ التحفيز على الإنتاج...والحقيقة أنّ القضية ليست عقائدية دينية أو إيديولوجية،وعليه فلا مُبرّر للتّعلّل بخطر تهديد الإرث العربي الإسلامي الذي هو،أصلا،بحاجة إلى التجديد والتطوير،بل إنّ هذا الإرث تتاحُ له فرصة تاريخية نادرة لحقنه بالحيوية وتمكينه من تجديد العهد مع المجد الغابر متى استجاب الغيورون عليه لرهانات واستحقاقات اللحظة الراهنة...الخطر هو أن تنقاد موجة الثورة العربية إلى التنظير لتعويض الاستبداد الذي أطاحت به باستبداد يلبس الإرث الإسلامي بثوبه الرّثّ...إن كانت للثورات بيئتها وظروفها وخصوصيّاتها،فهي لتحقيق أهدافها ليس لها،اليوم،من نموذج ثبتت نجاعته غير خيارِ الديمقراطية كأداةٍ فعّالة للحيلولة دون الاستبداد أو التقليص من مخاطره... الغريب أنّ نُخَبا فكرية وسياسية عربية كثيرة لا تستنكف من الاستهلاك النّهم لما أنتجه ويُنتجه التقدّم الغربي في شتى مجالات الشأن الحياتي،لكنها ما تزال تقف معارضة أو مشكّكة أو متردّدة إزاء اعتناق الخيار الديمقراطي في تصريف الشأن العام العربي بدعوى أنها "بضاعة" مستوردة ودخيلة على الثقافة العربية قد تكون مسمومة أو مغشوشة أو "حبوب هلْوَسَة"...يبدو،مثلا،غير مفهوم القبول باستيراد عتاد عسكري غربي للذود عن حرمة الوطن العربي وفي ذات الوقت رفض التعاطي مع منظومة ديمقراطية غربية للحيلولة دون السلطة الفردية المطلقة والحكم الفاسد الجائر ولتأمين آلياتٍ تضمن حرية الإنسان العربي وصيانة كرامته...الديمقراطية ليست قيما أخلاقية أو دينية ينحاز إليها مُؤمن أو مُلحد،بل هي طرح لمنظومة تقنية وعملية تضمن للفرد المنخرط في مجموعةٍ أوفر الحظوظ المؤمّنة لحقوقه وواجباته دون أن يكون عرضة للقمع والحيف وسلب إرادته الحرة...
لئن كان الحذر من الآخر مبرّرا فإنّ رفضه حماقة
قد يكون الحذر مبرَّرا واليقظة مطلوبة إزاء عالم متقدِّم يستعمل ما لديه من وسائل تفوّق من أجل تكريس هيمنته على العالم المستضعَف،لكنّ ذات الصّنيع لا يعني البتّة من المستضعَف ألاّ يجتهد ويثابر ليستفيد من أسباب تفوّق المهيمِن.ذلك أنّ حركة التاريخ،وفقا لسُنَنِها،ليست إلا نتاجا لفرص متاحة لتَلاقُح الحضارات وأفول المتهالكة منها أو اندثارها وصعود أخرى وتوهّجها وإشعاعها...
ليس المطلوب أن نستنزف الجهد احتجاجا على العالم الغربي لأنه يجتهد بكلّ الوسائل من أجل المحافظة على تفوّقه وتكريس هيمنته،بل علينا أن نضع في مقاربةِ نهضتنا ذات المُعطى كما هو لا كما نريد بما يسمح بالانصراف،أساسا،إلى الانشغال ببناء الذات العربية القادرة على التفوّق بمعزل عن إرادة الآخر...ما وجاهةُ أن نحتجّ،مثلا،على أميركا بتعلّة أنها تضع مصلحة شعبها فوق كلّ اعتبار؟..هل نتصوّر أنّه عليها أن تنشغل بضعفنا وتخلّفنا وتُقرّر المساهمة في نهضتنا دون أن تعتقد أنها تستجيب بذلك لتعزيز أسباب مناعتها وقوّتها؟...ماذا ننتظر من عالم مهيمن غير سعيه لتكريس هيمنته أم تُرى أننا نتخيله روحَ الله ترفرف على الأرض بأجنحة ملائكية لتنشر العدل في الكون وتنتصر لخمولنا الذهني وركودنا الحضاري؟..أليس من الأجدر أن نبحث في حضارة الغرب المهيمنة على الفرص المتاحة المنسجمة وأهداف بذرة ثورتنا العربية المعطاءة التي هي،أساسا،من أجل تأكيد جدارتنا بكسب أسباب القوة والرقي.
أغلب الظنّ أنه ثمّة في مشهد التحوّلات العالمية المتسارعة فرص جدية متاحة للشعوب العربية اليوم،وهي تنتفض،من أجل الثأر لكرامتها المهدورة وهواننا المزمن...إنّ الانتفاضة التي شهدتها أوروبا الشرقية أواخر القرن الماضي أفضت إلى تحوّل ديمقراطي عام 1990 في رومانيا وبلغاريا ويوغسلافيا...ولئن أقررنا بأنّ أوروبا الشرقية تختلف في بيئتها وخصوصياتها والظروف التي حفّت بها اختلافا بيّنا عن العالم العربي،فضلا عن اعتبارها،من منظور غربي،امتدادا له وعمقه الاستراتيجي الذي وجب احتواؤه أو إدماجه ،فإنّ ذلك،لا يمنع من القياس عليه بالقول أنّ انخراط الشعوب العربية في تحوّل ديمقراطي قد يكون الحلّ الأفضل لعلاقة جديدة أكثر توازنا بين الغرب والعرب تتخلَّص من عبء ثقيل ومُكْلف للطرفين ليس أقلّه الواقع الحالي المتردّي الذي عليه هذه العلاقة التي يحكمها التطرف والتشدد والتوتّر من الطرفين كما أفصحت عليه أحداث 11 سبتمبر 2001 التي هددت أميركا جدّيا في عقر دارها،وكما لا تزال تؤكّده الأوضاع المأساويّة في العراق وأفغانستان وغيرهما في دول عربية وإسلامية...ثبت أنّ تعويل الغرب بزعامة أميركا على أنظمة عربية فاسدة قمعية لتكريس هيمنتها وتفوّقها لم يعد ممكنا،لا راهنا ولا مستقبلا،لبلوغ أهدافها الإستراتيجية،بل إنّ ذات الوصفة عمّقت الشرخ بالأحقاد والضغائن وشحنته بسموم التحريض الإيديولوجي العنيف العنصري والديني...لا غرو،إذن،أن يكون البحث للخروج من مستنقع العنف والكراهية والتطرف عن طريق التشجيع على الإصلاح في العالم العربي والتخلّص من رموز سلطته القمعية المتعفّنة الهرمة التي أضحت شاهدَ إدانة لغرب يدعمها...ما من شكّ في أنّ عقلية الاستعلاء الغربي ونزعته إلى الهيمنة لا يُمكن أن تحوز صكّ التوبة والغفران بمجرّد نواياها المعلنة في الانحياز لثورات الشعوب العربية واستفاقتها،لكنّ ذات النوايا الطيبة بما يَسنُدها من فعل ودعم لا يجب الاعتراض عليها أو رفضها انحيازا لنظرية المؤامرة أو لغربٍ نُشيْطنُه فلا نراه يُضمر لنا إلا الشرّ...وإلا كيف نُفسّر،مثلا،تنديدَ بعضنا بالتدخّل الأجنبيّ الذي يسعى لحماية الليبيين من حرب إبادةٍ يشُنُّها عليهم نظام حكمهم الدّموي؟..هل أنّ القمع المحلي للشعوب مشرّع إذا ساعدت على مقاومته أطراف أجنبية؟..هل نرفض نجدةَ شعب أعزلَ من الإبادة بدعوى أنّ المستنجَد به أجنبي يعمل على تأمين مصالحه؟..ما قيمةُ الوطن وثرواته إن لم يؤمِّنْ كرامة شعبه،بل إن تحوَّلَ إلى محرقة لذات الشعب؟..
الثورة ليست صمام أمان ضدّ الديكتاتورية
زوّدتنا دروس التاريخ البليغة بمواعظ نتجت عن تجارب صراع الإنسان ضدّ الاستبداد،منها أنّ ثورات الشعوب قادرة على الإطاحة بالديكتاتورية وبأعتى رموز طغيانها وفسادها،لكنّها لا تُنتج بالضرورة نتاجا يكون صمّامَ أمانٍ ضدّ الديكتاتورية وإعادة إنتاج أدواتها.الثورة رفض لسائدٍ فاسد تقدر على الإطاحة به رموزَ قمع ونهبٍ وعِلَلاً ظاهرة منفّرة،وهي إذ تشحن الشعوب الثائرة بالأمل في التغيير المنشود قد تفاجئها ثورة مضادّة تخدع ذات الأمل وتنقلب عليه بعد أن تستدرجه إلى فخاخها المضللة..."في ألمانيا وإيطاليا،في الموجة المضادة الأولى،اعتلت السلطة حركات غير ديمقراطية تحظى بتأييد شعبي كبير وأقامت دكتاتوريات فاشية.ثم انقضّت الغزوات النازية على الديمقراطية وأجهزت عليها في عدد من الدول الغربية الأخرى،وفي إسبانيا،في الموجة المضادة الأولى وفي لبنان في الثانية انتهت الديمقراطية بحرب أهلية."(2)...وحتى إن ادًّعى دَاعُونَ باسم الحداثة أو التنوير أو القيم الأخلاقية والدينية أنهم حرّاس الثورة،عن حسن نيّة أو سوء قصد،فليس ثمّة ما يسند ادّعاءهم في ظلّ غياب قواعدَ مُتّفق على أن تؤمّن للشعب السيادة،لا معنى لنوايا طيّبة لا تُفضي إلى ممارسة الشعب لسيادته ولا وجاهة لشريعة لا تجعل من المواطن خليفة الله في الأرض يشارك في تدبّر شأن الحياة العامة بحرية ودون خوف من قمع ولا تكفير يستوجب عقاب الدنيا.ولئن سلّمنا بأنّ الثورات العربية المتأججة راهنا والقادمة لاحقا هي ثورات متزامنة مع صحوة إسلامية،فإنّ هذه الأخيرة ما تزال ملتبسة بمفاهيم غير نقية قد تُغري بالانزلاق إلى التحيّز للحكم الشمولي الذي يُصادر الحرية الفردية،ذلك أنّ الأمة الإسلامية (والقول لأبي يعرب المرزوقي):"لم تتمكن من تحقيق الدلالة العميقة للمجتمع المدني كما يحدّده الإسلام تحديدا استخرجه ابن خلدون في فلسفته التاريخية التي تنبني على التطابق التام بين السنن الكونية والمعاني الدينية الإسلامية..لكنّ الفقهاء في أيامنا يحاولون أن يكونوا ساسة من دون وعي سليم بالقضايا المعرفية والخلقية التي تقتضيها ثورة الإسلام النظرية من حيث هي تأسيس للتشريع الإلهي الذي لا يحميه غير المجتمع المدني الرمزي الذي مداره المصالح الخلقية والحقوق الشخصية..."(3)
ثمّة جدل جدّيّ قائم بين مواءمة الموروث الإسلامي لنمط الحكم الديمقراطي من عدمه،وهو جدل غالبا ما يخلط بين الإسلام ونظام الحكم في الدول الإسلامية من منظور يخلص إلى أنّ الأنظمة في ذات الدول حافظت على نزعة شمولية إلى اليوم دون الأخذ بعين الاعتبار لعصور انحطاط الأمة وتخلّفها بما جعلها قاصرة على الاجتهاد في فهم مقاصد الشريعة والانخراط في الفعل الحضاري كما تفرضه السنن الكونية،ولذلك نرى،مثلا،صامويل هانتنجتون يحسم في هذه المسألة بالقول: "..إلا أن الإسلام يرفض أيضا التمييز بين المجتمع الديني والمجتمع السياسي .من ثمّ فالمشاركة السياسية مرتبطة بالانتماء الديني.والإسلام في دولة مسلمة ينص على ضرورة أن يكون من يتولّى الحكم مسلما تقيا وأن تكون الشريعة هي القانون وأن يكون للعلماء صوت حاسم في مراجعة السياسات الحكومية وتعديلها. ونظرا لأنّ شرعية الحكومة وسياساتها تنبع من العقيدة الدينية والممارسة الدينية إذن فهي تختلف تماما مع متطلبات السياسة الديمقراطية."(4)
ليس التّفوّق جنونَ عظمة
أحببنا أم كرهنا نحن بحاجة إلى تفوُّق الغرب ومدعوون إلى التعامل معه من موقع الذي لا يُنكر عليه حقَّه في الدّفاع عن مصالحه المشروعة بقدر الحرص على الاستفادة منه وحذق فنون الاعتبار بتجاربه وتوظيفها لخدمة مصالحنا...قد تتعارض المصالح إلاّ أنّ فنّ إدارة أزمات تناقضها يُبقي على إمكانية إيجاد الحلول الوسطى أو حلولِ أخفِّ الأضرار التي لا تمَسُّ الجوهر ولا تنحرف بالمسار عن بلوغ غايته...ثمّة،دوما،مجال للمناورة تكتيكا لا يُفسد للودّ قضيّة...يهمّنا اليوم بالخصوص أن نُحصّن الثورة العربية من أيّ إيديولوجيا متطرّفة تُرهبنا أو تُرهب الآخر،وعلى عاتقنا تقع مسؤولية الإغراء بالانحياز لها داخل الوطن العربي وخارجه متى أقنعنا بأنها لا تقوم على الإقصاء ولا على التحريض على كراهية الآخر...ليس عيبا أن نُعلِن رغبتنا في امتلاك أسباب القوّة والتّقدّم،لكنّ العيبَ في استفزاز المتفوِّق علينا بأننا أجدر بالتّفوّق عليه ادّعاءً لا يُزكّيه الواقع... ليس التفوّقُ جنونَ عظمة ولا منًّا ولا ضربةَ حظٍّ ولا سماءً تُمطر وحْيًا وإلهاما،إنما التفوّق إرادة انخراط مضنية في مشروع واضح المعالم يستوجب البذل والمثابرة والصّبر والتّواضع.
إنّ الثورات العربية التي تُشعل قبَسَها اليوم إرادةُ شعوبٍ أعلنت قطيعتها مع أسباب هوانها لا يجب أن تُحرَم من فرصتها الثمينة في تغيير مجرى التاريخ لصالحها،وهي بزخمها تؤشّر بوضوح على أنها قَدْحٌ للفكر المبدع الخلاق المتأصّل في جذور الأمة العربية من أجل صياغة مشروع حضاري ينتقي من إرثه كما من الإرث الإنساني ما يقوى به على تعبيد معالم طريقه الواعدة لذات الصياغة الحضارية التي تتبنّى الديمقراطية كأهمّ مقوّم من مقوّماتها.
-----------------------------
(1)المرزوقي أبويعرب-ص 7 من كتاب أزمة الحضارة العربية المترددة (الدار العربية للعلوم ناشرون-مركز الجزيرة للدراسات)-الطبعة الأولى 2009.
(2)هانتنجتون صامويل-ص380 من كتاب الموجة الثالثة،التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين-ترجمة د. عبدالوهاب علوب-الطبعة الأولى 1993.
(3) نفس المصدر(1)-ص 68.
(4)نفس المصدر (2)-ص 397و398.
التعليقات (0)