بقلم:محمد أبو علان
على الرغم من التحفظ على بعض المواد القانونية الواردة في "الميثاق العربي لحقوق الإنسان" والتي تترك مدخل لتفسيرات متعددة تمكن السلطات الرسمية من استخدامها ذريعة مقننة لانتهاك حقوق الإنسان كما هو الحال في نص المادة الرابعة من الميثاق والتي تحدثت في جزء منها عن قدرة الدول الأطراف في اتخاذ تدابير وإجراءات في أضيق الحدود في بعض الظروف وفق تعبير الميثاق دون تحديد لماهية هذه الظروف.
لكن من يطالع ديباجة "الميثاق العربي لحقوق الإنسان" يرى أن فيه الكثير من النصوص والمواد القانونية التي وإن طبقت ستكون حالة حقوق الإنسان في العالم العربي أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، فهذا الميثاق من الناحية النظرية يحترم حقوق المواطن العربي وحريته وكرامته، وملتزم بتعاليم الدين الإسلامي في احترام هذا المواطن، ونص الميثاق في ديباجته كذلك على أنه جاء تكريساً لميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأحكام العهدين للأمم المتحدة بشأن الحقوق المدنية والسياسية، وجاءت المادة الثالثة في بنديها الأول والثاني ليتحدثا عن ضمان التمتع بالحريات والحقوق دون تميز بسبب العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة، كما نصت المادة (24) من الميثاق على حرية الحياة السياسية، وحرية تشكيل الجمعيات والمشاركة في الحياة العامة.
إلا أن التقرير الأسبوعي الأخير "للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" جاء ليؤكد أن مواد هذا الميثاق ما هي إلا حبر على ورق، وأن انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي باتت متأصلة في سياسات النظم الرسمية العربية، وأن الصحفيون والمدونين العرب يأتون في مرتبة متقدمة في عملية قمع الحريات، وسياسية تكميم الأفواه، والحد من حرية الرأي والتعبير خاصة في المواضيع التي تمس أصحاب السيادة والفخامة من القادة العرب ومن لف لفهم من الأقارب والمتنفذين في مواقع القرار، والأهم في هذا الأمر هو قيام بعض الصحف في العمل بشكل علني ودون احترام لحرية الرأي والتعبير بالتعميم على الكتاب والصحفيين فيها بعدم الكتابة في موضوع ما، والإشادة في مواضيع وقضايا محددة في كتاباتهم.
ففي دولة البحرين على سبيل المثال وزعت صحيفة البلاد على الكتاب فيها بعدم التعرض بالنقد "لمجلس التنمية الاقتصادية" والشركات التابعة له، بمعنى آخر عدم التعرض بالانتقاد للمشاريع التي يشرف عليها ملك البلاد وولي عهدة، وليس هذا فقط بل دعت البعض لكتابة المواضيع التي تشيد بهذه المشاريع مما يعني تحويل الصحفيين والكتاب لشهاد زور لصالح المؤسسة الرسمية، وفي هذا السياق أعلن "مركز البحرين لحقوق الإنسان" عن قلقه من التعرض لحرية الرأي والتعبير، وكان قبل هذه الخطوة لصحيفة البلاد، قد قامت نفس الصحيفة بإيقاف الصحفي "علي صالح" لتوجيهه النقد للمشروع الإصلاحي لملك البحرين.
وفي الوقت الذي يحي العالم فيه ذكرى "الإعلان العالمي لحقوق" أصدرت "اللجنة التونسية لحقوق الإنسان" بياناً عددت فيه الانتهاكات التي تتعرض لحرية الرأي والتعبير في تونس والتي تعددت ما بين اعتقال الصحفيين وضربهم وتحديد حركتهم واختطاف البعض منهم، كما تعتبر عملية منع بعض المواقع الإلكترونية، والقرصنة ضد المواقع الخاصة لبعض الصحفيين والمدونين جزء أصيل في السياسية الرسمية التونسية في محاربة حرية الرأي والتعبير.
وأشار تقرير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" إلى أن الوضع في السعودية ليس بأفضل من الوضع في العديد من الدول العربية، وفي هذا الإطار كانت السعودية قد منعت المدون "رائف بدوي" من السفر إلى بيروت لنشاطه في الدفاع عن حقوق الإنسان، ولانتقاده لممارسات الشرطة الدينية ضد المواطنين السعوديين، والجدير ذكره أن عدداً من المواطنين قد قضوا تحت التعذيب على أيدي هذه الشرطة الدينية.
وحرية التظاهر والتجمع السلمي هي أيضا من القضايا الممنوعة في بعض الدول العربية، ففي السودان ذكرت "شبكة صحفيون لحقوق الإنسان" أن أجهزة الأمن السودانية قد منعت تظاهرة لقوى المعارضة في الرابع عشر من ديسمبر الحالي، واستعلمت القوة المفرطة ضد المتظاهرين، واعتقلت (118) مواطن من المشاركين في التظاهرة، وللصحفيين أيضا كان نصيب من عمليات القمع على يد أجهزة الأمن السودانية، حيث اعتقل في هذه التظاهرة عدد من الصحفيين والصحفيات ونشطاء الرأي.
وفي اليمن الحال ليس بأفضل من السودان، فقد ذكر تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أن الحكومة اليمنية تتعامل بقسوة وشدة ضد الاحتجاجات التي يقوم بها ما بات يعرف "الحراك الجنوبي" مستخدمة القمع ضد المتظاهرين والأكاديميين وأصحاب الرأي، وفي إطار قمع الحكومة اليمنية لحرية الرأي والتعبير ذكرت الشبكة العربية أن الحكومة اليمنية تحاكم ثلاثة صحفيين بتهمة " صحفيين بتهمة ترويج إشاعات في المجتمع والادعاء بأن ذلك "يؤثر على استقرار السكينة العامة للمجتمع"، كما شملت انتهاكات الحكومة اليمنية محاكمة الناشط الحقوقي "ياسر عبد الوهاب الوزير" عضو "المنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات" بتهمة تشكيل عصابة مسلحة.
وفي سوريا لا زالت حالات الاعتقال دون محاكمات أو تهم مستمرة، ففي تاريخ 12/12/2009 تم اعتقال المحامي "مصطفى إسماعيل" دون أية أسباب معلنة، واشارت المؤسسات الحقوقية السورية إلى أن الأجهزة الأمنية السورية لا زالت تعتقل الصحفي السوري "معن عاقل" منذ تاريخ 22/11/2009 دون معرفة الأسباب الداعية لتوقيفه.
وفي المغرب أعرب "المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان" عن قلقه فيما يتعلق بواقع حقوق الإنسان، وواقع الحريات العامة التي ارتفعت وتيرة تراجعها خلال السنة الحالية في مختلف جوانب حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية واالثقافية.
وفي مصر نصيب لا بأس به من عمليات القمع ضد المدونين المصرين، فقد ذكر تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن أجهزة الأمن المصرية رفضت تنفيذ قرار محكمة جنايات أمن الدولة طوارىء إطلاق سراح المدون "هاني نظير عزيز".
سلسلة الممارسات التي ذكرتها "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" ليست وليدة أيام أو أسابيع ولا حتى شهور، بل هي ممارسات تتم منذ عقود من الزمن مما يستدعي من كل الناشطين في موضوع حقوق الإنسان سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد بتكثيف نشاطهم عبر توثيق هذه الانتهاكات ومتابعتها وفضحها، مقابل قيام هذه المؤسسات بالمزيد من حملات التوعية والتثقيف للمواطن بحقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية .... الخ.
- مدون فلسطيني مقيم في فلسطين المحتلة.
moh-abuallan@hotmail.com
التعليقات (0)