العالم الإسلامي والدول الغربية هنا أم هناك ؟!
يظل العالم الإسلامي رقعة مترامية الأطراف واسعة المساحة متنوعة الدخل كثير الخيرات ،ويرجع ذلك إلى جغرافيته المميزة وتضاريسه المختلفة وما حباه الله تعالى من النعم الجمة والخيرات الوفيرة.
وكثرة دوله التي تقدر بحوالي اثنين وخمسين دولة والتي تتمركز على خمسة وثلاثين مليون كيلو متر مربع(1) ، وعدد سكانه البالغون أكثر من مليار ونصف المليار مسلم والاختلاف في التركيبة السكانية لهذا العالم ( إي العالم الإسلامي)، كل ذلك من المفترض أن يعطيه سرعة النمو في الجانب الاقتصادي والتقني ، وكذلك قوة التلاحم بين شعوبه لقربها الجغرافي النسبي من بعضها البعض فهل هذا حادث اليوم بالفعل؟!
هذا السؤال يجبنا عليه الشعوب الإسلامية التي ما انفك بعضها وهي تريد الهروب من العيش حتى داخل دولتها الواحدة، حتى أنني أسمع كثيرا وقد قال لي عندما سألته أحد الأصدقاء ((المبتعثين)) في دولة خارج نطاق العالم الإسلامي ، كيف العيش والوضع عندكم ، فقال إنك لا تشعر بالحياة إلا عندما تكون في مثل هذا البلد ولكن مع مناقشة قوله وماذا قصد ومن إي ناحية العيش في تلك البلاد أفضل ، وهل أن العيش في العالم الإسلامي برمته سيء إلى هذا المستوى وإلى هذه الدرجة ؟ وعلى فرضية ذلك فلماذا أصبح هذا الحال في هذا الوقت بالذات ، لماذا لم يكن قائما في عصر صدر الإسلام ، في عهد الرسالة المحمدية مثلا.
ولعل الجواب يأتي حاضرا وهو لتراجع المسلمين الآن وتقدمهم في السابق ، قال تعالى ( كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)(2)، والسؤال لماذا تقدم المسلمون سابقا وتأخروا حاليا.
وفي الحقيقة من رأى واقع المسلمين اليوم يستشف الإجابة منه ففي سابق عهدنا كنا متقدمين لأننا اتخذنا القدوة الحقيقية ،قدوة التي هي القرآن الكريم كدستور حقيقي لا مجرد مسمى وكذلك الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى ضوء ذلك تقدمنا في كل مجالات الحياة وأصبحنا زعماء العالم وخير شاهد الآية السابقة والاكتشافات والاختراعات التي قدمها المسلمون في تلك العصور من اكتشاف الدورة الدموية الصغرى ووضع الصفر وانتهاءً بتقدمهم في كثير من العلوم كالكيمياء والفلك والرياضيات وغيرها مما يعجز عنه مسلمين اليوم، لماذا؟
لأن المسلمين اليوم يعيشون العكس بالعكس فبعد أن كانوا متبوعين أصبحوا تابعين ولأننا أصبحنا بدل من أن نتخذ القدوة الحقيقية قدوة وهم محمد آل بيته ( عليهم السلام) أصبحنا وللأسف الشديد نتخذ غير المسلمين قدوة في كل شيء في ملبسنا وفي مأكلنا بل حتى في مبادئنا وأخلاقنا فصار المنظر منظرهم والمظهر مظهرهم حتى قال أحد علماء المسلمين دخلت بلاد الإسلام فوجدت مسلمين ولم أجد إسلام ودخلت بلاد غير المسلمين فوجدت مسلمين ولم أجد إسلام، بما يعني أن الوضع أنقلب رأس على عقب.
وهذا ينبأ عن تخلف المسلمين عمّا خط لهم المولى تبارك وتعالى وما سنه لهم الرسول الأعظم( صلى الله عليه وآله وسلم)ويرجع ذلك للأسباب المذكورة أعلاه لا كما يزعم البعض بأن السبب أو الخلل في التعاليم الإيمانية وإنما هو العكس تماما فإن الخلل في عدم التزامنا بها. فلو أننا تمسكنا بها لسبقنا كل الأمم في جميع الميادين فليس الغرب أفضل منا في شيء ، فلو تتبعنا ولو النزر اليسير من الحياة العامة في الغرب وفي الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها لرأينا كيف تطفح حياتهم بالخسائر والجرائم الأخلاقية وغيرها.
فعلى سبيل المثال هناك في الولايات المتحدة الأمريكية 282تلميذ يتعرضون للاعتداء الجنسي شهريا(3). وفي أوروبا هناك 1،16 مليون إجهاض (4).
ولم يتوقف الأمر عند هذا فحسب بل زاد الانتحار كذلك بشكل ملحوظ ففي عام 2002م بلغ عدد المنتحرين في أمريكا 31 ألف منتحرا وفي البلد نفسه بإحصائية أخرى أنه ينتحر شخص كل ربع ساعة(5).
وبسبب عدم التواصل الاجتماعي والترابط الأسري فيما بينهم ينتحر أربعة أشخاص يوميا في سويسرا(6).
فعلى هذا يتضح أن الغرب حتى وإن تقدموا ظاهرا على المستوى المادي ، فنحن ولا شك أننا نتقدم عليهم في المستوى الروحي والأخلاقي بل حتى نستطيع أن نتقدم عليهم في المستويات الأخرى ولكن بالشرط السابق وهو العمل على الالتزام بالنهج الإسلامي ولاسيما وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن بها تستقيم وتطبق بقية الوظائف الشرعية وهي غاية امتحان المؤمن في آخر الزمان ، يقول الرسول الخاتم ( صلى الله عليه وآله وسلم)( كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ، فيقل له : ويكون ذلك يا رسول الله ؟ فقال: نعم وشر من ذلك ، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ فقيل له: يارسول الله ويكون ذلك؟ قال: نعم وشر من ذلك ، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا ؟)(7)
ولا يتحقق ذلك وبالذات في آخر الزمان إلا بتغيير النفس ، قال الله تبارك وتعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)(8).
فلو تم ذلك لكانت الحياة في العالم الإسلامي لا تقارن أبدا بالعيش والحياة فيما عداه ولا نبالغ أطلاقا إذا قلنا في جميع مناحي الحياة ، فالله تبارك وتعالى نسأل أن يحمي ديار المسلمين ويعز الإسلام وأهله ويخذل النفاق وأهله أنه لما يشاء قدير.
(1)- تاريخ العالم الإسلامي ص53-54- د إسماعيل أحمد ياغي والشيخ محمود شاكر – مكتبة العبيكان – الرياض- 1427هـ -ط الخامسة.
(2) – سورة آل عمران آية : 110
(3)- صحيفة الحياة – العدد 16292- الاثنين 2 ذي القعدة 1428هـ
(4)- صحيفة الحياة – العدد 16471- الجمعة 4 جمادى أولى 1429هـ
(5) – صحيفة المدينة- العدد 15833- الثلاثاء 5 شعبان 1427هـ
(6) – صحيفة الحياة – العدد 16453- الاثنين 15 ربيع الآخر 1429هـ
(7)- وسائل الشيعة ج11ص396-397- الإمام الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي – دار إحياء التراث العربي- بيروت.
(8)- سورة الرعد آية : 11.
محمد المبارك- الاحساء
التعليقات (0)