تأتى الشابة أمينة التونسية ثانية اثنتين تعريةً لجسديهما , وقد سبقتها فى ذلك علياء المهدى المصرية , وقد جاء هذا التعرى حتجاجا على ما تمخض عنه الربيع العربى من شتاء شديد القسوة أخذ يعصف بالحريات الأساسية للبشر , ويضطهد شرائح معينة من المجتمع , وفى مقدمة من تعرضن للإضطهاد هى المرأة , التى انصب الاضطهاد على أنوثتها ,ورأى فيها البعض أنها مجرد مصدر للفتنة والغواية , واعتبر شعرها عورة وصوتها عورة , و بالغ البعض فجعل وجهها عورة , وقد اتضح ذلك فى انتشار ظاهرة النقاب بصورة ملفتة . , وبالطبع فقد وُوجه تصرف الفتاتين باستكار بالغ من قوى الإسلام السياسى فى كل من مصر وتونس , ومطالبات بأقصى أنواع العقاب بدءا من إسقاط الجنسية وانتهاء بإقامة الحد على كل منهما . ومع أننى أرى أن تعرية الجسد ليست هى السلاح الأنجع والأنسب لمقاومة تيار الإسلام السياسى , ومنهجه الاستبدادى الإقصائى , إلا أننى ضد التهجم على هاتين الفتاتين واتهامهما بالترويج للرذيلة والانحلال . لان فى ذلك ممارسة ً أخرى للقمع والتضليل , ذلك أن آخر ما تهدف إليه أى من الفتاتين هو الإثارة الجنسية , وإنما الهدف هو إثارة الرأى العام وخاصة بنات جنسهن ضد من يحاولون اعتبار المرأة العربية مجرد جسد يثير الغرائز , وحصرها فى وظيفة الجنس والتناسل , إن مجتمعا ينظر إلى المرأة هذه النظرة المتدنية هو مجتع منافق متخلف يجب فضحه وتعريته , وهو ما قامت به كل من أمينة وعلياء . إن من ينظر إلى صورة أى من الفتاتين وهى عارية لا بد أن يدرك للوهلة الأولى أنها صرخة احتجاج وليست تعرية إثارة , إن الملامح المرسومة على وجه أى منهما ليست ملامح الأنثى التى تريد استخدام جسدها للإثارة ولكنها ملامح الفتاة الغاضبة التى لم تجد ما تعبر به عن غضبها إلا استخدام جسدها , وجعله صوتا تصرخ به فى وجه تجار الدين , وسوطا تجلد به ثقافة التخلف , إن أيًا من هاتين الفتاتين اللتين قامتا بتعرية جسديهما هى أعف نفسا , وأشرف غاية من كثير من أدعياء الفضيلة إنهما فى مقدمة زحف حرائر العرب لإخراج المرأة العربية من حجرات الحريم , وتربية جيل عربى جديد يحترم العقل والفكر ,ويتخلص من حصر اهتمامه وهواجسه فى نصفه السفلى , كى يبنى أمته على أسس حضارية جديدة, لا تعتبر فيها النساء مجرد أدوات للمتعة الجنسية , ذلك أن المرأة المستعبدة لا يمكن ان تربى أحرارا أو تسهم فى بناء وطن حر قادر على أن ينافس الأوطان الأخرى فى حلبة الصراع من أجل التقدم والريادة
التعليقات (0)