مواضيع اليوم

الظلم لا يُنسى ـ قصة قصيرة

يوسف رشيد

2010-06-07 16:05:52

0

 

1 ـ
لا أذكر تماما متى عرفتكِ ، وكيف ؟ ..
لكني أذكر أني حلمت فيكِ أيام حروب الردة ، عندما انتفض الأشهب معلنا بداية رحلة الانتحار عبر شقوق الجدران وثقوبها .. وفي سراديب أمراء البر والبحر .. وحتمتُ أنْ يطولكِ فارسي قبل هروب الشمس إلى مخدعها ، لترتميَ في أحضان عاشق يجهل فنون العشق الحديث ، وقبل أن تُسفحَ مياهُ البحار في جوفِ حوتٍ يحمل همومي ، وكلَّ أسفاري ..

2 ـ
قمر .. خِلتُ أن وجهكِ مُضاء ، إلا أني وجدته مضيئا في ساحات الظلم والقسوة ، يكشف عن سرِّ مسحوق بقدم الجهل وعنجهيته ..

3 ـ
حلمتُ فيكِ أحجية غير عسيرة الحل ، وتراءت لي براءةٌ خِلتُها زيفًا .. وتعانقت الكريات في دمي ، فانبثقت من شفاه الطفلة أغنية أحيَتْ ما تعفن من جذور اليأس في حِلكة القبور ..
فلقد أيقظتِ جروحَ الألم والندم ، دون أن تطفئي في صدري شموعَ ذكرياتي ، ووضعتِ إصبعا تتلمسين مواطنَ القروح ، فغابت الإصبعُ ، فيدُكِ ، فذراعُكِ ، فجسمُكِ كله .. لكنّا لم ننصهر ..

4 ـ
كان قمري يعبث في شعر رأسي باحثا عن مسلكٍ يتسلل فيه إليّ .. وحينما احتضَنَ القنديلُ ظِله ، وتسارعتْ أمواجُ الريح لا تعبأ بمخلفاتها ، طرقتُ أبوابَ الصدر في أماسي شتاءٍ دافئ ، فلم تتحرك السواكن ، رغم وجود الباعث ..

5 ـ
في متاهات زرقة بحر العيون ، تاه مركبي بعدما ضلّ الرُّبانُ طريقه ، وعاش فترة في دوران بحري قاس ، كان خلالها يجوب أطرافَ المركب ، ويتطاولُ على أصابع قدميه ليرى أبعد مسافة ، علّه يستطلعُ سبيلا للنجاة ..
وحينما صار الهمسُ منجاة من عذاب الذات ، وتشاجرتُ مع الموتِ والعينين في خِدرهما ، استُبيحَت شؤونُ الحب ضمن أزقة السماء ، وتبخّرت الغيوم آنذاك ، وظلت الراية مرفرفة في مكانها تهيمُ في شواطئ ثنايا القلب ، وعاد الوطنُ قبلة على جبين طفلةٍ شرعيةٍ لمّا تتعرّف أباها ..

6 ـ
قمر .. أتساءل عجِبا : كيف يقتتلُ الحبيبان بعد خروجهما من كبوة الألم ؟؟!!
أتساءل : منْ علّمَ السكارى آهاتِ الألم وهمَّ الغياب ؟؟!!

7 ـ
أيتها المبحرةُ في همومي ، قد لا أكونُ أكثرَ منكِ همًّا ..
لكني أبعدُ منكِ عمقا .. فلا بدَّ أن يطولَ إبحارُكِ .. فهل أنتِ مستعدة ؟؟..

8 ـ
وتغيب ذكرياتُ الطفولة خجلى مما ترى .. وتهتز الرؤى بفعل أشجار خياليةٍ هزّتْها أنفاسُ طفل دِيسَ على صدره بحذاءٍ أسطوري ، ونزفت الحربة من دمه على عينيه ، فأغمضتا ..

9 ـ
اعتراض : لا تملّ سيدي القمر .. ما عدنا صغارًا ولا ضعفاء ..
قمر : عدتُ أتساءل : متى أنجو ؟؟

10 ـ
وأقتاتُ بقايا زوّادتي ، وللمرة السادسة تجرّعتُ ثمالة الكأس ، ثم نهضتُ غيرَ آبه ، أحملُ الأرض ، وأبحث في كل أقطابها .. ولمّا أجد شيئا .. وسنونُ العمر تجرفني إلى هاوية معلومة القرار ، حتمية النهاية .. فأتشبّثُ بعيدان القمح اليابسة ، وبجدائل طفلة ، قالوا : إنها لقيطة .. فأجدُ لقدميّ مكانا ، وأتلفتُ حولي ، فلا أرى سواكَ قمري .. وأظلُّ أشعر أننا غريبان حتى عن بعضنا ، حتى عن الشمس التي منها ضوءُكِ ودفئي ..

11 ـ
وتأكل الغربةُ جسديْنا .. ولأول مرة ، لا نلبث أن ننصهرَ في جوفها ..

12 ـ
ويتسامى الحبُّ ، فترتحلُ العيونُ مخترقة دوائرَ الصمت المتحجر ، وتتأطر المسافاتُ ، فنرى الجانبيْن ، والبداية ، ورأسَ تمثال إلهٍ إغريقي ..


12/12/1975

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !