شكل يوم الأول من آذار عام 1956 يوما مفصليا في تاريخ الأردن حيث شكل تحديا لبريطانيا العظمى آنذاك.كما انه يوم مشهود للراحل الحسين ( طيب الله ثراه ) .
من اجل الإحاطة بذاك اليوم , ومعرفة الظروف التي أحاطت به لا بد من التوقف عند العناوين الآتية :
1 . تأسيس الإمارة وزعامتها, وعلاقتها ببريطانيا.
2 . الأحزاب الأردنية
3.البرلمانات الأردنية
4. الكيان الصهيوني والأردن.
أولا: تأسيس الإمارة وزعمائها.
خضعت منطقة شرق الأردن للانتداب البريطاني بموجب اتفاقية ( سايكس ـ بيكو ) 1916 , وكان في الأردن قبل مجئ الأمير عبدا لله بن الحسين ثلاث حكومات هي عجلون والسلط والكرك ,فوحدها الأمير في حكومة واحدة برئاسة رشيد طليع عام 1921 . عمل الأمير من اجل نيل الاستقلال , ولكن بريطانيا ماطلت كثيرا ,واكتفت بإبرام معاهدة ثنائية في 20 شباط 1928 , قيدت الأمير بشروط كبيرة , الأمر الذي حذا بزعامات الأردن الوطنية أن تثور ضد تلك المعاهدة ,وتدعو لعقد اجتماع حضره أكثر من 100 شخص , عرف ذاك الاجتماع بالمؤتمر الوطني الأول عام 1928 , ومن اجل مواصلة قرارات المؤتمر الأول عقدت أربعة مؤتمرات أخرى في الأعوام 1929 , 1930 ,1932 , 1933 .
لا أريد الخوض في تفصيلات تلك المؤتمرات ولكني أتوقف عند بعض القرارات مثل : اعتبار وعد بلفور مخالفا لوعود بريطانيا للعرب , وتصرفا مضادا للشرائع الدينية والمدنية في العالم . واعتبار إمارة شرق الأردن دولة عربية مستقلة ذات سيادة بحدودها الطبيعية المعروفة .
استثمر الأمير تلك الضغوط الشعبية ففاوضت حكومته بريطانيا لتعديل تلك الاتفاقية الجائرة, فتم تعديلها مرتين تم منح الأمير بعض الصلاحيات البسيطة.
وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية ( 1939 ـ 1945 ) شارك الجيش الأردني الفقير بمعداته في أربعة معارك إلى جانب القوات البريطانية , وقد نال الجيش الأردني كتاب شكر من قائد قوات الحلفاء المنتصرة , كما شاركت سرية أردنية في استعراض القوات المنتصرة في طهران , فاستثمر الأمير ذلك فبدأ مفاوضة بريطانيا من اجل الاستقلال حتى تحصل عليه عام 1946 .
لم يمضي عام على الاستقلال حتى صدر قرار تقسيم فلسطين رقم ( 181 ) في 29 / 11 /1947 , وبعد ستة أشهر وقعت نكبة فلسطين في 15 / 5 / 1948 ,الأمر الذي قاد إلى وحدة الضفتين في 24 /4 /1950 عقب أربعة مؤتمرات لوجهاء فلسطين في عمان وأريحا ورام الله ونابلس . ولم يمضي عام حتى اغتيل الملك عبدا لله 20 /7 / 1951 في القدس , ونودي بابنه طلال خلفا له , غير أن مرضه دفع البرلمان إلى تسليم العرش إلى اكبر أبنائه حيث تسلم الملك حسين اكبر أبنائه الحكم في ظل وصايه عليه ,وهو الذي قاد عملية تعريب الجيش .
ثانيا : الأحزاب الأردنية .
شهد الأردن نشأة الأحزاب السياسية منذ وقت مبكر , فمنذ عام 1919 تأسس أول حزب هو حزب الاستقلال , وهو امتداد للجمعية العربية الفتاة التي أنشأها العرب أيام الحكم العثماني , ثم نشأ حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأول عام 1928, ونشأ إلى جانبها ثمانية أحزاب أخرى .
لقد برز دور واضح لشيوخ العشائر في انشأ الأحزاب , وما يؤخذ عليها أنها أحزاب نخبوية عضويتها للأعيان وشيوخ العشائر , كما أنها أحزاب آنية , وأحزاب برنامجية ليس لها أية إيديولوجية محددة وواضحة , وكانت أحزاب بسيطة غير منظمة , ولكن كان هدفها الأول هو الاستقلال والتحرر والإصلاح .
أما الأحزاب في عهد المملكة فقد صار لها أهداف وإيديولوجيات,
ويمكن تقسيمها إلى أربعة تيارات :
1 . التيار الأول : هو التيار الاممي اللاديني , يمثله الحزب الشيوعي بشقيه الماركسي والماوي ,وسبب انتشاره انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية مع دول الحلفاء على دول المحور ( 1939 ـ 1945 ) , وبدء الحرب الباردة بينه وبين الولايات المتحدة , ودفاعه عن الفقراء والعمال , وتبنيه المنهج الاشتراكي في مقابل المنهج الرأسمالي .
لقد وجدت تلك الأفكار قبولا من العرب الذين كانوا في مرحلة التحرر والاستقلال, ويتوقون للعدالة الاجتماعية.
2 . التيار الثاني : التيار الاممي الديني , ويمثله الإخوان المسلمين ,
الذي نشأ في مصر عام 1927 على يد حسن البناء , ويؤمن بإقامة دولة إسلامية تضم العرب وغيرهم من المسلمين , وطرح شعار .الإسلام هو الحل .وقد لاقى هذا الطرح رواجا من قبل العرب المسلمين البسطاء .
3 . التيار الثالث : هو التيار القومي , ويمثله حزب البعث الذي نشأ في سوريا عام 1947 , ودعا إلى الوحدة العربية والتحرر والعدالة الاجتماعية ( الاشتراكية ) . ووجد هذا الحزب رواجا لدى الذين ينادونا بالوحدة العربية, كما تلاقى البعث مع الحزب الشيوعي في مسألة الاشتراكية, فأطلق عليهما التيار اليساري.
4 . التيار الرابع : هو التيار الوطني , ويضم الأحزاب ذات الشعارات المحلية مثل الإصلاح في أنظمة الحكم وفي الاقتصاد والتعليم والحياة الاجتماعية .
ثالثا: المجالس النيابية.
بدأت الحياة النيابية عام 1929, وكان اسمها ( المجالس التشريعية ) , وقد تم انتخاب ( 5 ) مجالس تشريعية حتى عام 1947 . لقد كانت مهمة المجلس الأول, كما خططت لذلك الحكومة آنذاك, الموافقة على المعاهدة ( الأردنية ـ البريطانية ) لعام 1928 الأنف ذكرها.
بدأت الحياة البرلمانية بعد الاستقلال وبالذات عام 1947 وقد تم انتخاب 9 مجالس نيابية حتى عام 1976 ,وفي ذاك العام تم تعطيل المجلس النيابي ,فتم تعين 3 مجالس استشارية حتى عام 1984 .
أعيدت الحياة النيابية عام 1984 وتم انتخاب 8 مجالس نيابية حتى عام 2011 . وبذلك يكون عدد المجالس التشريعية والاستشارية والنيابية منذ 1929 ـ 2011 ( 25 ) مجلسا , وبدأ عدد أعضاء المجلس ( 20 ) عضوا ثم أصبح 40 , 60 , 80 , 106 , 120 .
بدأت الحياة البرلمانية بعد الاستقلال أي في الأول من شباط عام 1947 , حيث نص دستور عام 1947 على تأليف مجلس امة من مجلسي الأعيان والنواب , ومدة المجلس أربع سنوات , ويكون عدد الأعيان نصف عدد النواب .
ويعد مجلس النواب الذي انتخب في 25 / 10 / 1956 من المجالس التي يشار إليها بالبنان , حيث شهد الرأي العام بنزاهة تلك الانتخابات , ولا سميا أنها تمت على أساس التكتلات الحزبية , وقد فاز الحزب الوطني الاشتراكي ب ( 11 ) مقعدا , وقد كلف الملك الحسين سليمان النابلسي زعيم الحزب الوطني بتأليف الوزارة , رغم انه لم يفز في تلك الانتخابات النيابية .
تكمن أهمية هذا المجلس في انه والحكومة المنبثقة عنه, الغى المعاهدة ( الأردنية ـ البريطانية ) لعام 1948. وبإلغائها تم انفتاح الأردن على الدول العربية وخاصة مصر وسورية والسعودية,
حيث وعدت تلك الدول تعويض الأردن المنحة المالية التي كانت بريطانيا تقدمها للأردن.
رابعا :الاعتداءات الإسرائيلية على الأردن .
ظن العرب أن توقيع بعض الدول العربية على اتفاقية الهدنة مع سلطات الكيان الصهيوني , ستكون بداية لفترة هدوء على الحدود بينها وبينه , ولكن هذا الظن لم يكن إلا حلما , لان الكيان الصهيوني يرغب في استمرار التوتر على خطوط الهدنة .
لقد اعتدت القوات الصهيونية على المواطنين العرب في القرى المحاذية بهدف إرهابهم وإجبارهم على الهرب من أراضيهم وقراهم
فقد شنت هجمات على قرى : دير أيوب , وشرفا ت في ضواحي القدس ,وبيت جالا , وقفين , ورنتيس , وقبية وكان الهجوم على قبية واسعا ومؤثرا حيث تم نسف ( 42 ) من بيوتها وقتل ( 66 ) من أبنائها .
لقد كان الزعيم ( اشتون ) البريطاني قد تلقى نبأ الهجوم على قبية
ولكنه لم يتخذ ما يلزم لمواجهة القوات الصهيونية . وبعد التحقيق تبين تقصير الزعيم اشتون , وعلى الفور أمر الملك الحسين عزله من الجيش , وكان هذا أول أمر يصدر في الأردن بحق ضابط بريطاني . وتكررت الاعتداءات الصهيونية على القرى العربية
وعلى المخافر الأردنية الأمامية , وكانت قوات الحرس الوطني تتصدى لها بما تملك من أسلحة قليلة , كما كانت الطائرات المعادية دائمة التحليق فوق الأجواء الأردنية . ورغم وضوح الاعتداءات الصهيونية على الأردن إلا أن بريطانيا التي يفترض أنها حليفة للأردن أعلنت انحيازها إلى جانب العدو .وخلال المدة ما بين 1949 ـ 1957 قتل 111 وجرح 72 من العسكريين الأردنيين ,
كما قتل 504 , وجرح 275 من المدنيين .
على اثر حادث قبية طلبت الحكومة الأردنية من بريطانيا أن تتقدم لمساعدتها حسب نصوص المعاهدة بين البلدين , لكن وزير خارجيتها ( إيدن ) تنصل من التزامات بلاده إزاء الأردن , وفي الوقت نفسه صرح رئيسه تشرشل مؤيدا الكيان الصهيوني . وبدلا من التزام بريطانيا بالمعاهدة وعدت الأردن بمنحه 8 ملايين دينار
للقوات الأردنية .اثر هذه المواقف ساد العلاقات بين البلدين شئ من البرود , فاتجه الملك الحسين إلى الدول العربية لتامين المنحة التي
تقدمها بريطانيا , فلم يحصل الأردن إلا على القليل .
في تلك الأثناء عقدت تركيا والعراق اتفاقها المعروف ( حلف بغداد ) ودعت الأردن للانضمام إليه , ولكن الجو المحيط بالأردن , وكذلك الرفض الشعبي للحلف حال دون توقيع الأردن عليه , رغم ما كانت الحكومة تعتقده من منافع ومكاسب من ذاك الحلف .
وقد قام الرئيس التركي ( جلال بايار ) بزيارة إلى الأردن في 2 / 11 / 1955 0 بهدف إقناع الملك الحسين دخول الحلف , ولكن الزيارة وفكرتها قوبلت بالرفض من الشعب الأردني , الأمر الذي حذا بالملك الاستجابة إلى رأي الشعب .
ما قبل التعريب :
اختمرت فكرة تعريب الجيش في ذهن الحسين , نظرا لمواقف بريطانيا السلبية من مطالب الأردن الخاصة برفد الجيش بالأسلحة والمعدات التي تمكنه من مواجهة العدو الصهيوني .
في صباح يوم 9 /4 / 1955 دعا الملك إلى اجتماع عسكري حضره رئيس الوزراء وعدد من الوزراء ورئيس الأركان واحد ضباط الاستخبارات البريطانيين. في ذاك الاجتماع حدد الملك مطالب الأردن بالنقاط الآتية:
1 . يجب أن تتوفر في الجيش الجدارة والكفاءة الكبيرة , كما يجب أن يكون مستوى الضباط عاليا , ومن نقاط الضعف عندنا أن أكثر الضباط وصلوا إلى مراكزهم بحكم الاقدمية دون مراعاة للكفاءة والجدارة . واجبنا أن نرفع مستوى الضباط وفق برنامج معد حتى نملا جميع المراكز في جيشنا بشباب قادرين على العمل المنتج من أبناء البلد.
2 . يضطلع جهاز القيادة في الجيش بأمور ليست من اختصاصه, فقيادة الجيش مثلا لا اختصاص لها بسلاح الطيران, وهذا يقال عن الشرطة والدرك ودائرة المباحث.
3 . يجب أن تقوم الخطة العامة على الدفاع عن كل شبر من أرضنا, ويجب أن لا يكون هناك تراجع, والخطة العسكرية يجب أن تعنى بالهجوم المعاكس أيضا.
4 . تنفق أموال الجيش أحيانا فيما هو غير ضروري كبناء العمارات الأنيقة والنوادي وابتياع المواد اللازمة من بريطانيا بثمن يزيد على ثمنها في الأسواق المحلية.
5 .الذخائر الاحتياطية غير كافية.
6 . إننا في أمس الحاجة إلى سلاح الطيران يصد عنا العاديات ويحمي خطوط مواصلاتنا ويقصف مواقع الأعداء.
7 . يجب أن تشكل كتيبة فدائيين , وان نقوي قلم الاستخبارات العسكرية , وان ننشئ جهازا للدفاع المدني .
8. كان الملك يطمح ان يتولى الضباط الاردنيين مواقع مهمة في قيادة الجيش . بحيث يتم ترفيع الاكفاء منهم ليحتلوا هذه المواقع .
إن هذه المطالب التي قدمها الحسين تعبر عن عدم رضاه على القيادة البريطانية , وعدم تشجيعها الضباط الأردنيين على تولي قيادات مهمة في وحدات الجيش .
في يوم الخميس الموافق الأول من آذار 1956 عزم الملك أن ينهي خدمات رئيس الأركان ( كلوب باشا ) , فطلب إلى رئيس الوزراء أن يعقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء , لبحث الرغبة الملكية , فاستجاب هو والوزراء لرغبة الملك فاتخذ القرار الأتي :
بناء على الرغبة الملكية قرر مجلس الوزراء الأتي :
1 . إنهاء خدمة الفريق كلوب من منصب رئاسة أركان الجيش العربي الأردني .
2 . ترفيع الزعيم راضي عناب لرتبة أمير لواء وتعينه لمنصب رئاسة أركان حرب الجيش العربي الأردني .
3 .إنهاء خدمة القائم مقام ( باترك كوجهل ) مدير الاستخبارات .
4 . إنهاء خدمة الزعيم ( هانون ) مدير العمليات العسكرية .
وعلى الفور استدعى رئيس الوزراء كلوب وابلغه قرار إنهاء خدماته وطلب إليه مغادرة عمان صباح اليوم التالي, ثم استدعى اللواء راضي عناب وابلغه إسناد رئاسة أركان حرب الجيش له .
في اليوم التالي ألقى الحسين عبر الإذاعة كلمة قال فيها : " أحييكم أينما كنتم , وحيثما وجدتم , ضباطا وحرسا وجنودا . وبعد : فقد رأينا نفعا لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا , أن نجري بعضا من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش , فنفذناها متكلين على الله العلي القدير , ومتوخين مصلحة امتنا وإعلاء كلمتها , وإنني أمل فيكم ـ كما هو عهدي بكم ـ النظام والطاعة .
وقد جاء في اسباب القرار على لسان الحسين " ان الراي العام كان يجهل ان قضية عزل الجنرال كلوب من منصبه كانت قضية اردنية , لانه كان يعمل لحساب حومتي " .
وهكذا اكتمل حلم الملك الحسين بتعريب الجيش وتسلم شباب الأردن قيادته , ويعد الجيش العربي أنموذجا في الوطنية والإخلاص والاستعداد للدفاع عن الوطن , فالمجد للجيش العربي , والرحمة للحسين , والعزة لابنه الملك المجدد عبدا لله الثاني .
التعليقات (0)