مواضيع اليوم

الظروف الاقليمية والدولية التي احاطت بمعركة الكرامة ( )

حسن الطوالبة

2012-05-18 07:58:58

0

 بداية لابد من السؤال الاتي : هل العرب محكوم عليهم بالهزيمة دائما ؟ . ام ان حالهم حال كل الامم عرفوا الهزيمة والنصر ؟ . وهل نصر الامم مرهون بمقومات قادتهم , ام بتاريخهم ومقومات النصر المادية ؟ .

للاجابة على هذه الاسئلة نقر :

1 . ان المنطقة العربية وخاصة المشرق العربي قد شهدت كل المواقع والاحداث التاريخية التي كونت التاريخ البشري الانساني .وعلى ارضها سارت مواكب الجيوش المنتصرة والجيوش المهزومة , وعليها تكالبت الدول والامبراطوريات بدعوى انها تفيض " لبنا وعسلا "  . فمنذ قرون قبل الميلاد شهدت هذه المنطقة صراع القوى الكبرى من الشرق ومن الغرب , صراعا استمر لسنوات طويلة  بين امبراطوريتي اليونان والرومان في الغرب , ودولتي الفرس والاتراك السلاحقة في الشرق . وصراعا بين الدولة العربية الاسلامية الجديدة وبين الرومان والفرس معا , وكانت الغلبة للعرب عليهما في معركتي القادسية واليرموك .

2 . ارتبط المد العربي الاسلامي منذ نشأة الدولة في عهد الرسول العربي الكريم محمد ( صلى الله عليه وسلم )  , ومن ثم في عهد الخلافة الاموية والعباسية , برموز قيادية متميزة في العطاء والابداع والايمان والشجاعة والعدالة , وقد ارتبطت الاحداث التاريخية بهم , سواء كانت تلك الاحداث عسكرية او علمية او اجتماعية . فالخلفاء الراشدون لهم بصماتهم المتميزة في هذه السمات الانف ذكرها . اما الخلافة الاموية فقد ارتبطت بعدد من الخلفاء مثل معاوية وعبد الملك بن مروان والوليد ابن عبد الملك , وعمر ابن عبد العزيز . اما الخلافة العباسية فقد شهدت رموزا قيادية تركت بصماتها على التاريخ العربي الاسلامي مثل ابو جعفر المنصور وهارون الرشيد , والمأمون .

وعندما انهارت الدولة العباسية كانت الغزوات الصليبية قد حققت بعض غاياتها واهدافها باحتلال المقدسات الاسلامية , ولكن عمليات تحريرها , كانت على يد قادة عظماء امثال صلاح الدين الايوبي , ونور الدين زنكي وابنه عماد الدين زنكي .

3 . بالمقابل كل الانهيارات والانكسارات التي ابتليت بها الامة العربية كانت في زمن زعماء ضعفاء رهنوا مصائر الامة بايدي قادة عسكريين اجانب  , وركنوا الى الهدؤ والدعة والركض وراء الملذات وجمع الاموال . ومن خلالهم تسلل الاجانب الى قلب الدول العربية قديما وحديثا . فالفرس والسلاجقة تسللوا في عهد زعماء ضعاف في زمن الخلافة العباسية . والصليبيون دخلوا الى المدن العربية بسبب خنوع الامراء انذاك واستسلامهم للغزاة , وسلمت القدس للصليبين في زمن زعماء خانعين اثروا السلامة لانفسهم وعائلاتهم واموالهم .

4 . القادة العظام يخرجون من بيئة حضارية مكتملة السمات الجغرافية والاقتصادية والثقافية والروحية والاجتماعية . فمثل هذه البيئات تنتج حتما عظماء في شتى المجالات .

5. التاريخ يعيد نفسه في المعاني والدروس والعبر , ففي العصر الحديث ارتبط تاريخنا بقادة مميزين امثال جمال عبد الناصر وصدام حسين وياسر عرفات , بدليل انهم ماتوا او قتلوا بمؤامرات معروفة للجميع . وتهاوت دول عربية وتسلل الاجانب اليها وتم غزوها من خلال زعماء وصوليين وعملاء  "علاقمة" ـ نسبة الى ابن العلقمي ـ , فتحوا ابواب بلادهم للاجنبي كما حصل في العراق , وما يحصل الان في اكثر من قطر عربي بدعوى الحراك الشعبي والثورة على التسلط والديكتاتورية .

6. تكالبت  القوى الكبرى قديما وحديثا على بلادنا العربية , لانها بلاد تدر لبنا وعسلا حقا . فمن حكمة الله تعالى ان بارك هذه الارض فانزل كل الانبياء والرسل فيها وفوق اديمها , واحتضنت الارض رفات الانبياء والرسل والعظماء , وهاهي مقابرهم ومقاماتهم تملؤ هذه الارض . وصارت المعابد والمساجد والكنائس والكنس محجا للزائرين من كل اتباع الديانات السماوية . واختزنت ارض العرب كل الثروات التي يحتاجها الانسان في الحياة البشرية والتقدم الحضارة ففيها النفط والحديد وباقي المعادن الاخرى , وفوق ارضها تجري اعظم الانهار التي تبعث الحياة الكريمة . والانسان العربي الذي كرمه الله بحمل رسالات السماء الى كل البشر هو الذي اشاد الحضارة الانسانية التي افاضت بالخير على الامم كلها .

7 . من السياق الاتف ذكره يتبين لنا ان الامة العربية لم تعش مسيرتها في خط مستقيم , بل كان خطا متعرجا في الزمان والمكان , فعاشت في مد وجزر , هبوط وارتفاع . وكانت تنهض دائما بعد كل نكسة من بين الرماد , تنهض بفعل مؤثرات روحية او بفعل رمز قيادي يستنهض الههم في ابناء الشعب , فيتغلبون على ضعفهم وركودهم واستكانتهم .

سبات طويل :

منذ ان سقطت الدولة العباسية لم تعش الامة العربية في حالة تهوض دائمة . بل عاشت في مد وجزر , الى ان خضعت الى الحكم العثماني طيلة 400 سنه . وفي تلك المدة تخلف العرب , وتفشت الامية والفقر والجهل , بسبب التهميش الذي مارسه الحكم العثماني للعرب , حتى انهم حرموا في اواخر الحكم العثماني من حق التكلم بلغتهم في المدارس او كتابة عقود زواجهم باللغة العربية ايضا . وما ان كاد العرب ينالون استقلالهم بعد الثورة العربية الكبرى حتى جاء الاستعمار الغربي البريطاني والفرنسي , الذي زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي , ليشكل خنجرا في هذا القلب , يحول دوت سريان الدم الى كل اجزاء الجسم .

وبسبب هذه الاوضاع سهل على العصابات الصهيونية ان تتمكن من الارض العربية واقامة المستوطنات فوقها بمعونة القوات البريطانية التي كانت تحتل فلسطين  , ومن ثم التغلب على الجيوش العربية في حرب عام 1948 , رغم ان الجيوش العربية كان عددها سبعة جيوش , ولكنها كانت متفرقة لا تأخذ اوامرها من قائد واحد .

ورغم هذا السبات نهض العرب من تحت الرماد , فقامت ثورات كبيرة في فلسطين وفي مصر والعراق وسوريا , وطردت الاستعمار المباشر من هذه البلدان , واستدركت القوى الاستعمارية مختطر هذه الثورات ,  فأثرت الانسحاب من باقي البلدان العربية مقابل وضع رموز قيادية تابعة لها , تنفذ رغباتها واهدافها , وفي مقدمة هذه الاهداف منع قيام الوحدة العربية او التضامن العربي في حده الادنى . فغذت النعرات المذهبية والطائفية والدينية , وما نشهده اليوم هو ثمار تلك السياسة الاستعمارية القديمة .

هزيمة حزيران :

جاءت هزيمة حرب حزيران نتيجة هذه الاوضاع العربية المتردية , حيث الانقسام القطري , والتخلف الاقتصادي في معظم الاقطار العربية , اضف الى ذلك الانانيات التي يتسم بها الزعماء العرب .

الهزيمة كانت مدوية حيث حطت من الروح المعنوية لدى الانسان العربي , وهزت ثقته بالقيادات العربية . الامر الذي دفعه الى الانتماء الى الفصائل الفدائية التي برزت كرد على الهزيمة الرسمية . العمل الفدائي شكل بارقة امل لابناء الامة , واندفع الشباب العرب نحو العمل الفدائي بهدف تحرير فلسطين .

لقد اعاد العمل الفدائي بعد الهزيمة الى الذهن الصهيوني الثورات الفلسطينية في عقدي ثلاثينات واربعينات القرن الماضي , فعقدت العزم على ضرب العمل الفدائي في الاردن قبل ان يقوى ويتجذر في الحياة العربية . فاقدمت الحكومة الصهيونية على خوض معركة الكرامة في الحادي والعشرين من اذار من عام 1968 .

الاهداف الصهيونية :

1 . اولى الاهداف الصهيونية طرد فصائل الفدائيين من مواقعهم على ضفة نهر الاردن الشرقية .

2 . لتحقيق الهدف الاول لابد من احتلال المرتفعات الشرقية في محافظة البلقاء في الاردن , لضمان امن كيانهم الاستيطاني ,وابعاد خطر الفدائيين عنه .

3 . تدمير قوات الفدائيين العرب في مواقعهم , في غور الاردن .

4 . تحطيم المعنويات الاردنية بعد النهوض الذي حدث بفعل الوجود الجديد للعمل الفدائي .

5 . ارغام الاردن على قبول  السلام المفروض من قبل الكيان الصهيوني .

اعتقادات صهيونية :

1. استهانة الصهاينة بالجيش الاردني , وبالجيوش العربية , بعد تجربتي عامي 1948 و 1967 .

2. اعتقادهم ان الروح المعنوية عند العرب في ادنى مستوياتها بعد هزيمة حزيران .

3.  اعتقادهم أن الجيش الاردني لم يستعد تدريبه وتسليحه .

4.  اعتقادهم ان الاردن لم يتمكن من اعادة سلاح الجو .

5.  الخلافات بين الفصائل الفلسطينية سهلت مهمة القوات الصهيونية في خوض معركة سهلة في غور الاردن .

 

دور الفصائل الفدائية :

 

من خلال الرصد المسبق ادركت الفصائل ان العدو سوف يشن هجوما عسكريا عليها , فاتخذت استعداداتها المسبقة كالاتي :

1 . توزيع عدد من المقاتلين في قرية الكرامة وعلى اطرافها للدفاع عنها .

2. زرع كمائن على امتداد الطريق المتوقع ان يسلكها العدو اثناء هجومه .

3 . سحب العناصر المتبقية الى المرتفعات لمقاتلة العدو اذا تمكن من الوصول اليها .

 

دور القوات الاردنية :

 

قاد القوات الاردنية في الميدان كل من ـ

الملك الحسين ابن طلال

الفريق عامر خماش

اللواء مشهور جازي حديثه

كان للاستخبارات الاردنية دور كبير في كشف نوايا العدو قبل العدوان , فاخذت القوات الاردنية استعدادها مسبقا .وكانت المدفعية الاردنية جاهزة للرد على قطعات العدو المهاجمة , وتدميرها قبل وصولها الى اهدافها . كما كان للدروع دور كبير في الدفاع ومن ثم الهجوم المعاكس ومتابعة فلول العدو المنسحبة دون تنظيم . وسجل اللواء ال60 والكتيبة الخامسة دورا كبيرا في افشال خطة العدو .

 

قوات العدو :

 

تشكلت قوات العدو المهاجمة من :

4 الوية .. لواءان مدرعان ( اللواء السابع واللواء ال60 ) . ولواءان مشاة ( لواء مظليين 35 , ولواء مشاة 80 ) , اضافة الى 5 كتائب مدفعية عيار 155 ملم و 105 ملم .وكذلك وحدات هندسه واربعة اسراب جوية و35 طائرة سمتية لنقل المظليين , وبهذا قدرت قوات العدو ب 15 الف جندي .

نفذت قوات العدو هجومها من ثلاثة محاور :

ـ محور من جسر الامير محمد باتجاه مثلث المصري ـ طريق العارضة .

ـ محور من جسر الملك حسين باتجاه الشونة الجنوبية والى وادي شعيب ومنه الى السلط .

ـ محور من جسر الملك عبدالله ( سويمه ) الى غور الرامه ـ ناعور , ومنه الى عمان .

ـ ومحور رابع للتمويه اتجه الى غور الصافي ثم الى الكرك .

امتدت المعركة من الساعة الخامسة والنصف صباحا وحتى الثامنة مساء .وكان هدف المعركة العسكري احتلال جبال السلط لتصبح بمثابة جنوب لبنان او الجولان , اي منطقة خالية من كل قوة للعرب , سواء كانت نظامية او فدائية .

فشل الهجوم بفعل كثافة نيران المدفعية الاردنية , وسرعة حركة الدبابات الاردنية التي قامت بالهجوم المعاكس وكبدت العدو خسائر كبيرة في الارواح والمعدات , وكانت خسائره كالاتي :

ـ  250 قتيل و 450 جريح .

ـ 88 ألية منها 27 دبابة ,و 18 ناقله و24 سيارة مسلحة و18 سيارة شحن وطائرة واحدة .

اما خسائر الاردن فكانت 86 شهيد و 108 جرحى , و13 دبابة و 39 ألية .

 

ردود الفعل :

 

ـ قالت صحيفة نيوزويك الامريكية " قاوم الجيش الاردني المعتدين بضراوة وتصميم , ونتائجها جعلت الملك حسين بطل العالم العربي .

ـ قال حاييم بارليف رئيس الاركان الصهيوني " معركة الكرامة كانت فريدة لم يتعود عليها الاسرائيليون , فقد اعتادوا ان يروا جيشنا يخرج منتصرا "

ـ اهارون بيلد قال " شاهدت قصفا شديدا لم ارى مثله , فقد اصيبت دباباتي ودمرت منها اثنتين .

ـ بارليف ايضا قال " اسرائيل فقدت ثلاثة اضعاف ما فقدته في حرب حزيران .

لقد حقق النصر العربي في معركة الكرامة نتائج مذهلة في رفع معنويات الانسان العربي بعد تلك الهزيمة المنكرة في حزيران 1967 . واحدثت شرخا في صفوف القوات الصهيونية , التي اعتادت على قطف النصر على الجيوش العربية بسهولة . الامر الذي اجبر قيادة الجيش الصهيوني على تشكيل لجنة لدراسة الهزيمة التي مني بها في معركة الكرامة . ( نص المحاضرة التي القيتها بالمناسبة في منتدى سحم الثقافي )

 

 

     




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !