السياب مع الحب والأحباب أيام الشباب
الطلبة فقراء والطالبات من بنات الأغنياء
بقلم : حسن توفيق
المكان ما يزال كما كان أما ما تغير فهو الاسم وحده، فقد أصبح «كلية المعلمين» بدلاً من «دار المعلمين العليا» وفيما يتعلق بالزمان فهو عقد الأربعينيات من القرن العشرين الغارب، وفي جنبات وقاعات هذا المكان - دار المعلمين العليا شبان وشابات، في أعمار الزهور، هم طلبة وطالبات، ممن يتلقون العلم في تخصصات مختلفة، لكن الفوارق الاجتماعية كانت واضحة ما بين الطرفين، فالطلبة فقراء، أبناء فقراء، والطالبات من بنات الأغنياء، وهكذا فإن الطالب الشاب الذي يستطيع الحصول على قميص جديد يرتديه،كان يمكنه أن يحتفل بالمناسبة، أما الطالبة الشابة فإن ما ترتديه اليوم لا ينبغي أن ترتديه غداً، لأن كل يوم ينبغي أن يكون فيه جديد .
من طلبة دار المعلمين العليا في بغداد من أصبحوا مشاهير مرموقين، وما تزال أسماؤهم المعروفة تتردد، وما يزال الكتاب والأدباء يكتبون عنهم إلى الآن، وبالطبع فإن معظم هؤلاء عراقيون، لكن هناك آخرين قليلين ليسوا عراقيين، ومن هؤلاء الطلبة الذين أصبحوا مشاهير ومرموقين بدر شاكر السياب وبلند الحيدري وعبدالوهاب البياتي ومعهم طالب سوري هو سليمان العيسى، أما الطالبات فإن منهن شاعرتين مرموقتين، إحداهما رحلت عن عالمنا هي نازك الملائكة، والثانية هي لميعة عباس عمارة، متعها الله بالصحة والعافية
عبر اللقاءات اليومية بين طلبة وطالبات، كان لا بد أن تنشأ علاقات حب، لكنها في معظم الأحيان لا تنجح، لأن الطلبة فقراء، وعائلات الطالبات لا تزوج بناتهن إلا من الأغنياء بطبيعة الحال، وحدث ذات صباح أن كانت الفتاة التي يحبها بدر شاكر السياب قادمة على الطريق، لكنها لم تهتم بأن ترد على تحية من يحبها، فاكتأب قلبه واكفهرت ملامح وجهه، وصرخ بقلب ملتاع :
هذا هواي البكر عبر الطريق
يدنو فيزداد اللظي والغرام
ما بال صدري باشتياقي يضيق
وما لروحي تلتظي بالأُوام
يا نظرة الأنثى علام البرود
فِيمَ ازدراء العاشق الخائر
يا ثغرها الألاّق فيم الصدود
يا من روى أغنيةَ الشاعر
بيني وبين الحب قفر بعيد
من نعمة المال وجاه الأبِ
يا آهتي كُفِّي ومتْ يا نشيد
شتان بين الطين والكوكبِ
وذات صباح آخر، اقتربت إحدى الطالبات من زميلها بدر، وطلبت أن تستعير منه مخطوطة ديوانه الذي كان يعده للطبع، وهو ديوان «أزهار ذابلة» واستجاب الطالب الشاعر على الفور، وأخذ يتخيل كيف ستتعامل زميلات الطالبة مع الديوان خلال سهراتهن في القسم الداخلي الخاص بسكن الطالبات وهكذا أخذ الطالب الشاعر يحلم، ويتصور أن الديوان سيتنقل من يد فتاة حسناء إلى يد سواها، وأنه سيظل منعماً فوق نهودهن خلال القراءة، ومع استغراقه في التخيلات أخذ يحسد ديوانه المتنقل بين العذارى الحسناوات، أما هو شخصياً ورغم أنه صاحب الديوان فإنه سيـظل دائماً يتقـلب على جمر النار، ومع تقلب الشاعر على الجمر، اندمج في كتابة قـصيدة جديدة، يصور فيها حكاية احتضان الطالبات لـديوانه المخطوط المحظوظ، متمنياً لو أنه كان هو - وليس ديوانه - الذي يحظى بكل هذا الاهتمام من جانب الحسناوات الساهرات :
ديوانُ شعر ملؤه غزلُ
بين العذارى بات ينتقلُ
أنفاسي الحرَّى تهيم على
صفحاته والحب والأملُ
وستلتقي أنفاسهن بها
وتحوم في جنباته القبلُ
ديوان شعر ملؤه غزل
بين العذارى بات ينتقل
لما يعينَ النوح والشكوى
كلٌّ تقول مَنِ التي يهوَى
وسترتمي نظراتهن على الـ
صفحات بين سطوره نشوى
ولسوف ترتج النهود أسى
ويثيرها ما فيه من بلوى
ولربما قرأته فاتنتي
فمضت تقول : مَن التي يهوى
يا ليتني أصبحتُ ديواني
أختال من صدرٍ إلى ثانِ
قد بتُّ من حسدٍ أقول له
يا ليت من تهواك تهواني
ألك الكؤوس ولي ثمالتها
ولك الخلود وإنني فانٍ
ياليتني أصبحتُ ديواني
أختالُ من صدرٍ إلى ثانِ
التعليقات (0)