مواضيع اليوم

الطفولة الموءودة

د.هايل نصر

2012-03-11 10:44:03

0

تحية اطفال درعا. لروحك حمزة الخطيبولأرواح اطفال سوريا الشهداء المجد والخلود.
الضحية: الطفولة.
القضية:قتل عمد وتصفيات جسدية وتعذيب تندى له جبين الإنسانية وتشريد للآلاف خارج حدود الوطن. الحرمان من التعليم, الحرمان من النمو الطبيعي الجسدي والنفسي ومن الامان. قتل أحلام وآمال ومستقبل الأطفال عبر أجيال وأجيال.
المطالب: رفع الاذية بتغيير كل النظام. التحرر والحرية. بناء سوريا حرة ديمقراطية.
عمر القضية: 42 عاما ميلادية.
قبل عرض السطور الاخيرة من القضية, ولا نقول رفعها لأننا لا نرفع قضايا أمام محاكم التبعية, وليس لنا صفة. كما ان كل محاكم هذا العالم تردها بحجة انها غير ذات اختصاص لا من حيث الشكل ولا في الموضوع, وعليه تكفينا الاشارة للطفولة لبعض جوانب القضية بصفة فردية ومن دوافع انسانية. حتى لا تقام علينا قضية.
قبل الثورة بأربعة اعوام وقبل ان يقول اطفال درعا كفى, كان حال اطفال سوريا بعض ما اشار اليه مقالنا التالي "في الطفولة".مؤشرا أيضا جوانبها في المجتمع الدولي قديما وحديثا.
اليوم وبعد مرور عام بالتمام والكمال على الانتفاضة التي بدأها فعليا الاطفال في درعا,والتي حركت كل احرار سوريا لتصبح ثورة, عروس الثورات, زاد قهر الطفولة وتشويه معالمها, وملاحقة الاطفال وقتلهم من قبل نظام كان يدعي انه يربي ويعد اطفال الوطن لمستقبل مشرق, تربية وطنية وقومية,في ظاهرها, وفي حقيقتها تربية على "قيم" وثقافة الدكتاتورية والشمولية وعبادة الشخصية, من حب الزعيم الذي تهون في سبيله التضحية بالوطن وبأطفاله, وبكل مكوناته, من اجل مجد الزعيم وخلوده, واعلائه على الوطن بينه. يا للنازية والفاشية في نسختها العربية.
علمهم النظام بانه يعد نفسه ويعدهم لتحرير فلسطين, وانه وحده المقاوم. وحده الممانع فاتبعوه وتصدوا للمؤامرة الكونية نصف القرنية.
صحا الجميع ليروا, و يا لهول ما رأوا, الدبابات السورية المعدة ليس فقط للمقاومة والممانعة, وانما كذلك لتحرير الجولان كاملا غير منقوص, في المرحلة الاولى, تأتي فلسطين كل فبسطين, في المرحلة اللاحقة, الدبابات ذاتها بفرسانها, رافعة علم الوطن وصور محرره, تطارد ابناء هذا الوطن بمن فيه اطفاله ونسائه,تدمر اعشاش الطفولة ومساكن الاباء والاجداد, تنتهك كل الحرمات والمقدسات والقوانين والاعراف والتقاليد لبقاء سيد الوطن سيدا, اذ لا يصلح هذا الوطن بغير هذا السيد.
لم يعرف اطفال سوريا يوما معنى الطفولة. منذ الحضانة الاولى تحتضنهم طلائع البعث والاسد, يرددون بالدم والروح نفديك يحافظ ثم بعده يابشار. رددها الكهول حين كانوا اطفالا, ويرددها ابناؤهم وأحفادهم حرفيا ودون اعياء.
هل تجيز اية تربيةفي عالمنا هذا ان يُطلب من اطفال بعمر الورد ترديد ,جماعيا, كل صباح, كلمات مثل الدم والتضحية بالروح وترديد اناشيد العبودية. والاوهام العبثية البعثية؟.ان يدرسوا التاريخ السوري مُجيرا لصالح الاسد , وكأنّ الوطن ولُد بعد ولادة الاسد؟. هل يجوز تنشئة الاطفال على التزوير والتجهيل والاذلال؟...
جهدت المنظمات الدولية لتنظيم الطفولة, بمبادرات غربية وتوقيعات بينها عربية, وصاغت بيانات واعلانات وعقدت اتفاقيات ومواثيق, و لم يكن في حسابها اطفال فلسطين, و لاأطفال سوريا الذين يقتلون اليوم (والقتل واحد) ويُنكل بهم, ويبررزعماء الغرب لا نفسهم,والمنظمات الدولية, وكل المنادين بحقوق الانسان وبشكل خاص حقوق الطفل , ما يرونه بأم العين وينقله لهم موثوقون منه, فلا يرون الا ما يريدون رؤيته, ويتعامون, وكأنّ على عيونهم غشاوة, وفي التوثيق عدم أمانة, متذرعين بانهم أصدروا بيانات وذكروا بالعهود والمواثيق, وبان ليس لهم اكثر من الاحتجاج, احتجاج من مات ضميره فلم يجد الا كلاما خشبيا لا يصلح حتى لتشييعه تشييعا كريما. العار, أيها السادة, هو العار شرقيا بربريا أكان ام غربيا ديمقراطيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونعيد القارئ الى المقال المذكور المكتوب قبل ثورة اطفال درعا ليذكر بالطفولة. مع علمنا المسبق بان ليس هذا وقت المقالات والكتابات. القول اليوم هو ما يقوله الثوار على الارض. والكتابة ما تكتب بدمائهم وآلامهم. والتاريخ ما يصنعونه ببطولاتهم.
" زارني,صيفا, أخ مقيم في إحدى دول أمريكا اللاتينية. اصطحبته لتعريفه بأهم معالم المدينة التي أقيم فيها. وكنت على يقين بأنه سيعرب لي عن إعجابه بها, تاريخها, حاضرها, نمط البناء فيها,نهرالكارون الذي يخترقها, الجسور المقامة عليه, حدائقها , ورودهاوألوانها, وهي المسماة la ville roseأو عن مصانع طائرات الكونكورد, التي تركت مكانها لطائرات ايرباص العملاقة 380 A. أوأشياءأخرى تكون قد لفتت انتباهه.
ولكن ملاحظته الأولى جاءت من حيث لمأكنأتوقع أو أفكر.ـ كأنها مدينة بلا أطفال !!!؟. لم أر طفلا واحدا إلى الآن في الشوارع. عندنا لا تعرف كيف تشق طريقك بينهم. كنت, لو أصر, ولإثبات وجودهم, سأصطحبه إلى بعض أماكن تواجدهم في الحدائق العامة, أو المسابح, أو مراكز الترفيه المخصصة لهم, والمكتبات البلدية, والخاصة, وأماكن قضاء العطل الصيفية..ولكنه وفر جهدا حين بدا كأنه صدق تأكيدي بوجودهم, وهو من لا يعرف عني مبالغة قط.
ــ تذكرت أخي هذا عندما زرت, صيفا سوريا , بعد اكثر من ثلاثين سنة اغتراب. أجيال المستقبل في الشوارع. بائعو علكة بأنواعها المختلفة, واوا رق "يانصيب". ماسحو أحذية, ماسحو زجاج السيارات, قديمها وحديثها, قطع للشوارع من كل الجهات, رغم كلصفارات شرطة المرور المختلطة بالضجيج والتزمير (التطويط) ــأما إشارات المرور الضوئية ,إن اشتعلت, فهي ليست إلا كشاهد على التحديث المرفوض ــ.أصوات يافعة لا تصمت طيلة النهار منادية على بضاعتها. تسول مقنع, أو معلن.. ملاحقة أبناء البلد و الغرباء لاستدار العطف, أو لبيع, أو ..تنافس بينهم يصل إلى حد الاقتتال. طردوكلام بذيء من الكبار لدفعهم بعيدا.أما في الطرق الخلفية , وأماكن العمل واستغلال الطفولة, هناك أطفال لا ينادون على أية بضاعة.فالكثير منهم ينتجها, واغلبهم لا يُبقى لهم العمل الشاق المقدرة ليس فقط على المناداة, في عالم أصم, وإنما كذلك على التعبير عن الألم والشقاء.
ــ كما تذكرت قصة بائعة الكبريت ــ التي لم تعد إلا قصة, منذ عصر كبار الأدباء الذين جندوا مواهبهم وأقلامهم للحديث عن البؤس و الشقاء بشكل عام, وبؤس الطفولة بشكل خاص ــ وتساءلت لو بُعث الكاتب حيا في هذا الزمن فعن أي نوع من البيع سيكتب.
كتابنا, المرخص لهم بالكتابة, تشغلهم مواضيع أخرى لا يدخل الأطفال فيها ولا الطفولة, وهل للبالغ الحديث بجدية عن "القاصر". وأين هو من مواضيع التنظير, والتحليل السياسي, والدعوات القومية والأممية, والعالمية, وحديث التآمر المتربص بنا لينزل بمستوى حياتنا ومعيشتنا, ورفاهيتنا, وكرامتنا, ويسلب خيراتنا, وما يبيعهأطفالنا !!!. كلام من عقود مجته العقول والقلوب والأذان, ولم يتعب بعد المبشرون به.
كيف لأولئك المنظرين, المناضلين, أصحابالدعوات ــالمقرونة بالدعاء بطول العمر والتوفيق والحماية الإلهية للقيادات الملهمة, محررة الإنسان من كل ظلم وقهر وعوز ــ للوحدة والحرية والاشتراكية,أو للحرية والاشتراكية والوحدة ,أو لبناء الأوطان, والدولة المحيطيةالخليجية بشكل خاص, كيف لهم أن يفسروا أو يوفقوا بيندعواتهم ــ غير القابلة للجدلــ ودعائهم, غير المبتذل,و بين, على سبيل المثال لا الحصر :
ــ رؤيتهم اليوميةللطوابير من الشباب اليافع ــ المتسرب من الطفولة قسراــ الواقفة منذ ساعات الفجر الأولىأمامأبواب السفارات الأجنبية, للحصول على تأشيرات دخول إلى الغرب, وهجر الوطن السعيد بما فيه وبمن فيه؟
ـ رؤيتهم, وعلمهم علم اليقين, لما يسمى قوارب الموت,وعدم مقدرتهم, رغم بلاغة الخطابة, على إقناع راكبيها, أكداسا, ــ المتجهة بغالبيتهم إلى العالم الآخر, وبمن تبقى منهم حياإلى عالم الغرب, والمجهول ــ بالبقاء في المرابع والحمى والديار, التي ينظمون في حبها الأناشيد الحماسية والأشعار؟.
ـ استمرارهم في كتابة ما يكتبون دون أي تفكيربأن في أصل التشرد وهجر الأهل والأحباب مثل تلك الكتابات, والممارسات, والتنظير والتبرير, وبيع الكرامة والضمير؟ .
ــ وتذكرت أيضا ما كنت أراه مع العالم اجمع, وعلى مدى شهور وشهور, بعض ما استطاعت نقله المحطات الفضائية العالمية ــ وبشكل خاص العربية المتحمسة جدا للقضية والمستفيدة جدا من تداعياتها ـ من صور ومشاهد لبطولات وانتفاضات متتالية, لأطفال الحجارة في فلسطين ــ قبل أن يحرف بعض الكبار مسار توجه حجارتهم ــ مقاومة أسطورية, أبطالها أطفال, تحدوا جبروت السلاح ووحشية المدججين به.أطفالانحنى أمامهم كل كبار العالم إكباراوإعجابا. واستصغر الغرب , والفرنسيون منهم بشكل خاص, بطولة الطفل غافروشGavrocheواستشهاده على متاريس الثوار المتصدية للقمع, في بؤساء فكتورهيجو.
ــ ولكن تذكرت أن أخي قد نسي أن يسألني إذا ما كان حال الأطفال في الغرب دائما على ما ذكرته له.وإذاما بلغت الطفولة شواطئ الأمان.
بالنيابة عنه طرحت السؤال على نفسي محاولا الإجابة بنفسي, وباختصار,لأنه كبعض الكبار, يمل و لا تعنيهكثيرا "قضايا"الصغار.
خلال القرون الماضية لم تكن الطفولة في الغرب تعني ما تعنيه اليوم.وكلمة طفل enfantأصلها لاتيني " infans " تعني الذي لا يتكلم. وكان للأب في عهد الرومان على أبنائه حق الحياة والموت.تجيز له القوانينقبول الطفل عند ولادته أو رفضه. وفي هذه الحالة الأخيرة يمكن إبعاده أو قتله, وهو ما كان الحال عليه في إسبارطة في اليونان, وخاصة في حالة الطفل الضعيف, أو من يُعتبر غير مفيد للحاضرة cité . وكانت السلطة الأبوية سلطة مطلقة ترسخها القوانين.
في القرون الوسطى, في فرنسا, بقي القانون الروماني سائدا, ولكن مخففا ببعض التقاليد والأعراف,فلا وجود للطفولة,ولا لأي مفهوم لها, يدخل الطفل سن البلوغ مباشرة ,ومنذ سنواته الأولى, ويمارس كل أنواع النشاطات والعمل, وكل ما يقوم به الكبار, ابتداء من عامه الثامنأو قبله, في حالة مقدرته على ذلك,أو حاجة أهله لعمله.
وعرفت نهايات القرن 17 المنع الأوللقتلالأطفال حديثي الولادة بسبب فقر الآباء,أو بسبب الولادات غير الشرعية. ولكان المنع لم يطل "حق" الآباء في طردهم والتنكر لهم . فازدادت أعداد المشردين منهم لتصل الآلاف, يجوبون كل أنحاء البلاد طولا وعرضا, تسكعا, وتسولا, و لصوصية, للحصول على قوت يومهم. وكانت سنوات الجفاف و انتشار الأوبئة تعمم تلك الظواهر وتزيد المآسي, وتنزل بأثمان بيعالأطفال لمن يستطيع إعاشتهم.
عام 1683 انشأ St. Vincent de Pautأول مؤسسة لاستقبال وإنقاذ الأطفال اللقطاء. وبدأ رجال الكنيسة وبعض المهتمين بنشر الفضائل يدعونإلى التمييز بين عالمالأطفال وعالم البالغين. والى توفير بعض الحماية لهم, وتعويدهم على الانضباط, دون أن يدعوا مع ذلك إلى منحهم بعض الامتيازات الخاصة, عدا توفير احتياجاتهم الضرورية لبقائهم على قيد الحياة.
في القرن 18 أخذ الطفل يجد له مكانة اكبر في حضن الأسرة. كما أخد يؤم المدارس . وتكفلت الدولة ببعض المهام التربوية, لتحل بعض الشيء محلالأسرة. و دخل الطفل دائرةشبهالمواطن. كما ارتبط مفهوم التربية بمفهوم النظام, والصحة, والنظافة.
وقد نبه روسو إلى أهمية الناحية النفسية عند الطفل, والقوة الكامنة في مرحلة الطفولة, علما بأنه هو نفسه قد ترك أولاده الخمسة دون أي ندم. وبدأ يترسخ لدىالأسرةمفهوم واجب ممارسة تربية أخلاقية وروحية على الطفل.
ورغم بعض التطور في المعاملة والرعاية الأولية,بقيت نسبة الوفيات بين الأطفال في سن مبكرة مرتفعة جدا, تصل إلى 360 في الألف. ولم تنقطع عادةهجر الأطفالوتشريدهم , وبيعهم.
ولكنهذا التطور الطفيف,في مفهوم الطفولة في النظام القديم ( النظام القديم Ancien Régimeهو النظام الذي كان سائدا قبل الثورة الفرنسية) لميرافقه أي تغيير في الوضع القانوني للأطفال, فبقوا دون حماية, أو حقوق خاصة بهم.وبقيت السلطة الأبوية على حالها دون أي تعديل, مطلقةومركزة بقوة في يد الأب, الذي يلعب دور المروضالمتعسف, والطاغية.
ولعل سؤالPhilippes Arièrs في نهاية القرن 18 يلخص ما كان عليه الطفل في تلك القرون, وما يؤمل أن يكون عليه مستقبلا:"كيف كان الطفل بالأمس؟ لا شيء. كيف سيصبح في الغد؟كل شيء".
الأصولالأولىالتأسيسية لحقوق الأطفال, والحديث عن الغرب, تجد نفسها في الثورة الفرنسية لعام 1789.فقد اعتبرت الثورة أنالطفل منذ ولادته يتبعالأسرة بصلة الدم, كما أنه تابع للوطن بأكمله "العائلة الكبيرة". حتى أن دانتون ( 1759ـ 1794) اعتبر, بمناسبة الحديث عن تربية الأطفال وتعليمهم,أن " الأطفال يتبعون الجمهورية قبل تبعيتهم لأسرهم".وأعلنت الحرية, والمساواةأمام القانون, والمساواة في التعليم و التربية للجميع. وألغت حقوق الولد البكر. كما ألغت كذلك حقالأب في التأديب ـالترويض. وقد وصفCambacérès , واضع مشروع القانون المدني آنذاك, والمساهم في صياغة قانون نابليون لعام 1804 , حقوق الإباء على أبنائهم على أنها حقوق " حماية ورعاية". وواجباتهم تجاههم واجبات "تنشئة وتغذية".
وأنشأت محاكم الأسرة tribunaux de famille لتنظر في المنازعات بين الأزواج, وبينهم وبين أطفالهم. والشؤون الأسرية الخاضعة لاختصاصها.
وجاء القانون المدني لعام 1804 ,ما يعرف بقانون نابليون, ليوسع المكتسبات المتعلقة بحقوق الأطفال. ولكن ليعزز, في المقابل, السلطة الأبوية عليهم. فاعتبر الأبكأنه "القاضي الطبيعي" . والسلطةالأبوية هي رعايةالأسرة, مثلما الحكومة هي رعاية المجتمع. وعادللأب من جديدحقحبس أطفاله القاصرين والتضييق عليهم. وهكذا وضع الأطفال والنساء تحت السلطة القاسية لرب الأسرة.ولكن القانون الجزائي لعام 1810 اوجد رقابة قضائية قلصت بعض الشيء السلطة الأبوية القوية والمطلقة.وأخذت التشريعات المتعلقة بالتعليم توفر حماية حقيقية للطفولة.
مئة عام بعد الثورة جاء قانون 24 حويليه/ تموز لعام 1889 لينص على ضرورة حماية الأطفال من سوء المعاملة المادية والمعنوية. وإمكانية إلغاء السلطة الأبوية في حالة إدانة الأب بجنحة أو جناية ارتكبت ضد احد أبنائه. كما جرم قانون 18 افريل/ نيسان1898 العنف وكل أعمال القسوة المرتكبة ضد الأطفال وعاقب عليها.
و بدأت تتراجع عمالة الأطفال ــ حددت سن العمل ب 13 عاما ــ وتتسع في الوقت نفسه مجالات التعليم الذي أصبحإلزاميا, حتى سن الثالثة عشر, فالمكتسبات الجديدة الخاصة بالطفولة لم تعد مجرد صحوة ضمير, متأخرة, شملتهاالقواعدالأخلاقية, والتبشيرية, بمنطق الوعظوالإرشاد , وإنما دخلت الدائرة القانونية, ليصبح الطفل موضوع حماية القانون .
وبداينظر إليه على انه ليس مجرد قيمة تابعة أو مضافة, أو يد عاملة قادمة, أو مشروع مواطن, وإنما على انه قيمة بحد ذاتهامتولدة من كونه طفل. لا شك أن مفاهيم عديدة ساهمت في ذلك, يُذكر منها الديمقراطية المعززة لحقوق الأفراد, ومبادئ المساواة, والحرية, ورفض الظلم والتسلط, وعدم التمييز بين البشر على أساس الجنس أو العرق أو اللون. وكذلك لاكتشاف واتساع المعارف العلمية المتحصل عليها من الدراسات النفسية, والطبية, والتربوية, وكل ما يتعلق بالعلوم الإنسانية و عالم الطفولة...
ومع الحروب القارية , الأوربية, والحروب الاستعمارية, تم تبني سياسات منها زيادة النسل لتغذية الحروب بالمقاتلين.وبعد الحرب العالمية الأولى, ولتعويض الخسائر الفادحة في الأرواح, والإعدادللحروب القادمة, والمحافظة على التفوق, كان لا بد من التشجيع على زيادة عدد السكان, بقدر ما يستطاع. فخصصت مساعدات اجتماعية للأسروللأطفال,ومساعدات للأمهات, وحماية صحية, كما فتحت مراكز للولادات غير الشرعية للحماية والمساعدة. و توسعت سياسة تبنيالأطفال وتنظيمها قانونيا.
وبعد الحرب العالمية الثانية منح حق التصويت للمرأة لدورها المتزايد في الحياة الاجتماعية والسياسية, وفي الإنجاب. وتعززتبإنشاء مؤسسة الضمان الاجتماعي حماية الحضانة والطفولة .وساعد ذلكفي نشر التربية والتعليم. كما نص دستور 1946 في مقدمته, وللمرة الأولى, على المساواة بين الرجال والنساء في شتى المجالات, وعلى مفهوم الطفل صاحب الحقوق, وفي مقدمتها حق الحماية " وحق الطفل, والبالغ, في الوصول إلى التعليم, والتكوين المهني, والثقافة". وحفظ للام وطفلها " الحماية الصحية, والأمن المادي, الغذائي, والعطل,والإجازات, والترفيه". وارتبط حقالمرأة بحق الطفل في كل هذه الحالات.
وعلى المستوى القضائي, وتماشيا مع قانون عام 1898المتعلقبحماية الجانحين من الأطفال, وقانون عام 1912 المنشئ لمحاكم الأحداثtribunaux pour enfants ,تعززت مبادئ أساسية لحماية الطفولة منها:أولوية التربية على الزجر, و جعل العقوبة تربوية, و تخصيص محاكملقضايا الأحداث.والبحث عنالأعذار المخففة للإحداث.
وعلى المستوى العالمي صدرفي 24 سبتمبر 1924 إعلان جنيف لحقوق الطفل " على الإنسانية جمعاء واجب توفير كل ماهو أفضل للطفل". وعلى الجميع الالتزام بتوفير حماية خاصة لهوأفضل الشروط لنموه.
وفي خطوة بهذا الاتجاه, أمر وزير التعليم العام الفرنسي في العام المذكور السيد نشرو, تعليق تعريف حقوق الطفل المعلنة في اتفاقية جنيف في كل المدارس الفرنسية " تأمين الغذاء للطفل الجائع. معالجة الطفل المريض. تشجيع الطفل المقصر. إعادة الطفل الضال واحتضانه. رعاية اليتيم والاعتراف باللقيط.الأولويةبالإغاثة للطفل. تربيته على الشعور بضرورة وضع كل مواهبه في خدمة إخوانهورفاقه".
تبنت الأمم المتحدة عام 1946 تصريح جنيف لعام 1924 ,قبل أن تعتمد التصريح الذي أصدرته هي نفسها عام 1959 , الفاقد لكل قيمة إلزامية مادية, أو حتى معنوية. ودعت كلالأفراد والمنظمات والتجمعات لاحترامها, مكرسةمبدأ عدم التمييز. وحق الطفلبالحماية الخاصة.وحقه باسم وجنسية, والضمان الاجتماعي, وحقه بان يتربى في حضنأسرة, مع مساعدات خاصة, حقه في التعليم, و حمايته ضد كل أنواع الاستغلال, و في تربيته ضمن روح التسامح والانفتاح على الآخرين.
الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل 20 تشرين الثاني. نوفمبر 1989.
دخلت حيز التنفيذ عام 1990 ووقعتها 184 دولة ولم توقعها الولايات المتحدة لأنها تمنع إعدامالإحداث.
وليس هنا مجال الدخول فيعرض وشرح نصوص هذه الاتفاقية,وإنما تكفي فقط الإشارةإلىأنها تتضمن,بعد الديباجة, 42 مادة.إضافة للمواد الإجرائية في الجزء الثاني والثالث.
من الحقوق التي تضمنتها, ولضيق المجال, نؤشر عشرة منها : حقه في الأمن الغذائي والسكن المناسب (المادة 27). حقه في الحماية الصحية (المادة 24).حقوق الأطفالالمعاقين (المادة 23). الحق في التعليم (المادة 28). الحق في الترفيه التربوي (المادة 31). الحق في الثقافة (المادة 29). حق الأولوية في الإغاثة (38 المادة). حقه في الحماية من الاستغلال في العمل (المادة 32). حقه في الحماية من كل أنواع سوء المعاملة (المادة 19). الحق في حرية الرأي, و التعبير, والتفكير, والانضمام للجمعيات (المادة 13 و 15).
والسؤالبعد هذا هو هل وصل الطفل إلى بر الأمان, وانتهى بوجود الاتفاقيات والتعهدات كل ما عاناه ويعانيه, ويمكن أن يعانيه مستقبلا, فيما يتعلق بحقوقه المادية والمعنوية ؟. لا شك أن الجواب يختلف باختلاف بلد المجيب عليه. ولكن من المهم أن نسمعه من دولة ديمقراطية عريقة مثل ألمانيا,تهتم بأطفالها وبالطفولة اهتمايختلف, شكلا ومضمونا وهدفا, عن اهتمام النظام النازي بهم.
فقد نشرت جريدة لوموند الفرنسية في 9 ديسمبر / كانون ثاني 2007 الخبر التالي: موت العديد من الأطفال في ألمانيا بسبب سوء المعاملة من مصالح الخدمات الاجتماعية الألمانية. فقد تم الأسبوع الماضي اكتشاف ثلاثة جثث لأطفال رضع في بلاون. و خمسة جثث لأطفال ذكور, مدفونة في بيت في Schleswig-Holestein . وفي السابع من الشهر نفسه تم اكتشاف جثتي رضيعين, احدهما في برلين,والآخرفي Thuringe, في ظروف غامضة. في نوفمبر 2007توفيت في سشيلونك الطفلة صوفي, في الخامسة من عمرها,نتيجةلسوء المعاملة, واتهموالداها بتركها تموت جوعا وعطشا. ثم أشارت الجريدة المذكورة إلىأن 80 إلى 100 من الأطفال يقعون ضحايا العنفالأسري المميت. وتبين الإحصائيات, حسب لوموند, أن هذه الجرائم أكثر تواترا في الجزء الشرقي منألمانيا منه في جزئها الغربي . وأن سوء المعاملة في تصاعد في البلاد بأكملها, فبعد أن بلغ, عام 1995, 1900 حالة , وصل عام 2006إلى 3000 حالة. مما دعا المستشارة الألمانية للتصريح بانألمانيا بحاجة إلى " ثقافة متبصرة". (لوموند, المرجع السابق).
أما في عالمنا العربي, فلا إحصائيات, ولا صحافةوإعلام, ولا حتى جمعيات متخصصة, ينتظر منها جوابا. فالأمور تتجاوزها من حيث الإمكانيات, والاهتمامات, ومصادر المعلومات, فالسرية مطلقة, وتذكر بدول الأطواق الحديدية.
وأخيرا, سنكتفي بالإشارةللمادتين 13 و 15 من الاتفاقية المذكورة , المتعلقتين بحرية الرأي, و التفكير, والتعبير, والانضمام للجمعيات, لأنهما في رأينا, تقعان في أساس كل الحقوق الأخرى, وعلى احترامهما تُبني الشخصية المستقلة للطفل, وتغرس فيه الثقة بالنفس, والإحساس بالكرامة, وتطلق إرادته الحرة بعيدا عن كل وصاية, وتلقين, وخوف.فالإنسان ليس ليُطعم ويُكسى ويطيع الطاعم الكاسي.
وكماأن السلطة الأسرية لم تعد تعني ملكية الأبناء, ولا حق إخضاعهم للتعسفوالمزاجية, و الطاعة العمياء, فان السلطة السياسية عليهم لا يجب أن تكون سلطة, قمع و إخضاع, وتخويف, ولا تلقين, أو وصايةعلى قاصرين. فليس من هذا يُولد الإنسان/ المواطن, وليس على هذا تبنى المواطنية.
ونترك لأطفالنا العرب الذين يرون, بأم العين, آباءهم ــ الذين كانوا أطفالا بدورهم ــ ممنوعون من التفكير, والتعبير, والبحث الحر, والتصرف بحياتهم الخاصة, ومن كل حقوق الإنسان و المواطن, تصديق أو عدم تصديق ما في نصوص هذه الاتفاقية , أو التساؤل إذا ما كانوا مشمولين بأحكامها كغيرهم من أطفال العالم.
ستبقى, دون أي وهم, حقوق الطفل كلاما استهلاكيا, حتى ولو أطرته اتفاقيات عالمية, وحمته منظمات والتزامات, وحقوق دولية, وراقبته مؤسسات حقوقية و إنسانية, إذا لم تدخل الديمقراطية بمفاهيمها التربوية وقيمها الحقيقية, كيان الأسرة, وإذا لم تشمل الدولةلتكون القاعدة التي تقوم عليها, وعليها تُبنى مؤسساتها , وتصبح السيادة للقانون وحده. وفي انتظار ذلك ستبقى الشوارع مآل الطفولة, و المهاجر أحلاما بأوطان بديلة.
ومع ذلك,فسعادةالأطفال في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج,بقراءة هذهالاتفاقية ــالتي تبشر بحقوق لم يعرف سابقوهم,في أي مكان من العالم, وعبر التاريخ لها مثيلا ــ ستكونكسعادة الكبار بقراءة مواثيق حقوق الإنسان والمواطن بنسخها غير الأصلية, وتفسيراتها القرون أوسطية".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لن يتكرر اضطهاد الأطفال بأيدي الطغاة, ولن تبقى الطفولة السورية خارج الحماية المحلية والدولية, ولن تُطرح ماسيهم إن طُرحت لإثارة الشفقة الكاذبة في الاجهزة الاعلامية, ومن دجالي السياسة العربية والدولية . هذا ما أقسم عليه ثوار سوريا . وان لم يكن هذا من الثورة وفي الثورة, فابحثوا عندها عن اسم اخر لها. اطفالنا هم من الوطن مسيرته المستقبلية.
د.هايل نصر

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات