مواضيع اليوم

الطغيان: جبران تويني ليس فصلاً أخير

خلف علي الخلف

2009-04-17 15:28:49

0

الطغيان: جبران تويني ليس فصلاً أخير

 المتن

لن يكون اغتيال جبران تويني فصلاً اخيراً في رواية الطغيان التي تتلى شفاها في هذا الشرق منذ امد بعيد، والطغيان نص يتأسس على الامساك بالسلطة متلازمة مع القوة فلا طغيان لمن امسك بسلطة لم تلازمها "قوة" وعليه فالقوة هي الصانع لحركية نص الطغيان وهي التي تمد المؤلف (لرواية) الطغيان بخيوط السرد كي يبقى مسيطرا كليا على المشهد (الروائي) الحياتي للناس وفي رواية الطغيان الشخوص بلا مشيئة حرة إذ ان المؤلف لا يترك لهم فضاءا لحركة ذاتية فهو يمسك بادق تفاصيل حيواتهم داخل (النص = الحياة = البلاد) وإذ يختزل المؤلف في (رواية) الطغيان الشخوص الى مشيئته فإنه لا يكتفي بهذا بل انه يختزل المكان (البلاد) إليه فتصبح البلاد ليس مكاناً لتحرك الشخوص في هذه الرواية بل انه يصبح مسرحاً لحركته وهو يحرك هؤلاء الشخوص وكذلك فإن مؤلف " الطغيان" لا يحفل بالزمن داخل النص فهو يؤلف رواية بلا زمن رواية استاتيكية غير خاضعة لزمن خارجها أو خارجه فالزمن يصبح هنا زمناً داخلياً ليس للطغيان بل زمن متماهي مع زمنه الداخلي النابع منه ومن ابديته كمؤلف لنص لا يريد له ان ينتهي ويصبح هنا ليس فقط حاكماً مطلقاً لشخوص ومكان وزمان الرواية بل إنه يصبح مؤلفاً أعتباطياً غير آبه " بنقد " الطغيان الذي في لحظة من الزمن يندرج فيها (كرواية) ولا تعود هناك تفرقة بين نص هو مؤلفه وبينه هو وهكذا تصبح حياته نصاً طويلاً من الطغيان لذلك فان نهاية هذا النص لا تشكل نهاية لتلك الرواية فحسب بل تشكل نهاية حياته كمؤلف وهكذا سيكون على الطاغية (: كمؤلف) أن يخرس أي صوت " ناقد " لروايته سواء حتى لو كان النقد منصباً على نواحي فنية في العمل كأدارة الشخوص أو ادارة الحدث داخل النص او اقتراح تحويل الرواية عبر المؤلف ذاته من الطغيان الى الاستبداد ونص الاستبداد ينزاح قليلا الطغيان ففيه قد يترك المؤلف هامشاً لحركية الشخوص غير خاضعة كلية لمشيئته بل انها تحت رقابته وتحت خط وسقف يضعه هو وعليه لا يبدو مستغرباً تتالي الاغتيالات في لبنان (كوضعية تحت المجهر) لا صوات ارتفع " صوتها " لنقد رواية الطغيان ليس فقط من نواحٍ فنية بل إنها تجرأت وطالبت بنهاية النص والكف عن تلاوته المستمرة منذ عقود (كنص معاصر هنا) وإجبار الكل أن يكونوا شخوصا لا مشيئة لهم داخل النص وكذلك كمستمعين ومهللين لجودة النص وهؤلاء الذين يعرّون نص الطغيان عبر تفكيكه ونقده عبر منهجية صارمة تتوخى مدرسة " الحرية الفردية " في النقد وتستمد مشروعية نقدها هذا من انهار الصمت الساكنة التي يحاولون تحريكها وعليه ليس مستغرباً أن يكون جبران تويني احد اهداف الاسكات تالياً لسمير قصير وجورج حاوي وآخرين يبدو الان ان زمن إسكاتهم صار سحيقاً كمال مروة، حسين مروة، مهدي عامل... ففي نص الطغيان لا يعني موت المؤلف نهاية الرواية إذ هناك دائما طاغية آخر مستعداً لإكمال النص...
إذن هنا لا يغدوا مبرراً أن نتسائل لمَ جبران تويني أو لمَ سمير قصير أو لمَ.. فالطاغية كمؤلف يعرف تماماً مكامن الخطر على نصه ويعرف تماماً كيف يختار اهدافه ويعرف أيضاً اولئك الساعين الى جعل نظرية " موت المؤلف " تلحق بنص الطغيان وتحيل كتابة النص الى الحياة ذاتها ويصبح الناس هم الفاعلين في كتابة نصهم الذي لن يغدو عنوانه رواية الطغيان حينها..
ويغدو التساؤل من قتل جبران تويني ؟ سؤال عديم المشروعية حتى لو لم يكن مؤلف (الطغيان) هو من فعلها فحتى لو لو كانت الجهة التي قتلت جبران تويني وآخرين هي جهة على النقيض منه أو مناهضة له أو همها توريطه فإن هذا لا يعفي الطغيان من انه السبب الاساسي للقتل إذ لولا وجوده هو وروايته لما قام الاخر بهذا الفعل 
وبالتالي قد يبدو اجرائياً تبعاً لقراءة سياسية للحدث أن اي عاقل سيقول لا يمكن للنظام السوري ان يفعلها ويسرد اسباب نقضه ونقده لنسبة الحدث (الاغتيال) فلبنان تحت المجهر اولا وراس النظام مطلوب ثانيا ولان جبران تويني احد المناهضين للوصاية السورية وبقاياها فان اغتياله لن يدع فرصة للتفكير او للتساؤل من ؟ وستذهب التهمة مباشرة الى النظام السوري وعليه إن كان التحليل يخضع لاداوت سياسية إحترافية تتبنى أن السياسة بوصفها فعلاً مرتبطاً بالزمن والتحولات والاحداث سيقول أي عابر لا يمكن لاي مافيا اجرامية واقعة تحت الحساب وتحت مجهر العالم بوصفها قد ركبت مشاهد سابقة من رواية الطغيان ان تفعل هذا... لتضيف حدثاً صغيراً الى الرواية يعجل يموت المؤلف 
من ناحية اخرى يمكن لأي عابر في متابعة الاحداث السياسية المعاصرة أن يقول إن النظام السوري عبر تاريخه لم يكن يبدو عليه انه يشتغل على السياسة بمعناها الاحترافي الذي يرى خطوط وتشابكات العالم ويقرأ اللحظة الراهنة ويضيف لها ابعاد الزمان والمكان ويتخلى عن كونه مؤلفاً صارماً لروايته المستمرة في الطغيان وإذا كان تخلى في بعض اللحظات عن كونه مؤلف وتحول الى سارد في متن روايته في بعض المفاصل " التاريخية " (: حرب تحرير الكويت مثلاً).. فلم يكن ذلك إلا لتعزيز تفرده في كتابة نصه الداخلي (والداخلي تشمل لبنان هنا يومها) فقد كانت رهاناته دائما على قدرته على إمساك كل خيوط ومسارات النص في الساحات الاساسية التي تعنيه وكذلك كان كمؤلف يرتاد الخارج بالعناد والزمن... وإذا اخذت هكذا أمور بعين الحسبان فإنها لا تبرئ النظام السوري من هكذا حدث منسجما مع الرواية الاساسية للطغيان لكن الاتهام هنا أيضاً يبدو مخاطرة

عن التوقيت
هناك من يتسائل وليس بالضرورة أن يكون في صف النظام السوري ايمكن للنظام السوري او احدى الجهات المرتبطة به ان يفعلها خصوصا عشية تسليم تقرير ميليس الثاني وعشية انعقاد مجلس الامن لمناقشة هذا التقرير؟؟ يمكن القول ان التوقيت ربما خضع للشروط الفنية للعمل وليس السياسية. ففيما يخص الجهة المنفذة للعملية جبران كان في فرنسا والعملية خططت من قبل وتم تجهيز كل شيء بانتظار عودته المرصودة والمراقبة منتظرين امكانية التنفيذ وبكل حال سيقوم صباح عودته بالذهاب الى النهار وسيسلك طريقاً لم يغيره وهكذا كان التوقيت مناسباً تماما من الناحية الفنية... أما هل يجدر بالجهة المنفذة تأجيله مراعاة للظرف السياسي وكوجهة نظر خاصة يمكن القول ان الجهات التي تقوم بالقتل لا تفهم بالسياسة (كما مرت هنا) وعليه لا تأبه ولا يهمها الظرف السياسي كما ان تحديد التوقيت يكون من مهامها ووجدت ان هذا التوقيت مناسباً فنياً ونفذت

في التحريض كمناخ عام
لا احد ينفي او ينكر أن قوى الرابع عشر من اذار قادت وتقود حملة اعلامية مركزة ضد النظام السوري مسنودة من المجتمع الدولي (نعم ممثلا بمجلس الامن) لكن حملتها اقتصرت على الوجود السوري في لبنان كجزء من مسرح الرواية وفي ظل اي مقايسة سياسية يبدو لاي مراقب ان هذا حق لها وإنها تلعب على ظرف سياسي مواتي حتى اقصاه لتحقيق مكاسب نهائية على الارض وهي استقلال لبنان عن الوصاية السورية وخروجه بشكل نهائي كمكان تدور فوقه جزء من احداث الرواية (الطغيان) واستطاعت ليس انهاء وجوده وتواجده في لبنان جعله بحكم الماضي بل انها جعلت صوت حلفاءه في لبنان كمؤلفين مساعدين لشق الرواية الخاص بلبنان منخفضاً أو مكتوماً حتى.. وقد لعب الاعلام اللبناني دورا بارزاً في حشد جميع اطياف اللبنانيين وراء هذا التوجه مماحدى بوسائل اعلام حليفة تاريخية للنظام السوري (من منطلقات شتى) ان تنحو باتجاه الموضوعية وان تنأى بنفسها عن ان تحسب عليه أو أن يشار اليها كمؤلف مساعد (السفير مثالاً) ولم يعدم النظام السوري حتى هذه اللحظة من وسائل اعلام لبنانية متمسكة بوجهات نظر تتطابق او تتقاطع مع توجهاته المعلنة والمضمرة (المنار - nbn - الشرق - البيرق - صدى البلد.. الخ) وهي تعادل عددا وعدة وسائل الاعلام المناهضة له بالمطلق لكن النهار (من وسائل الاعلام المطبوعة) استطاعت ان تكرس نفسها عبر زمن مديد كصوت لحرية لبنان وكصوت ناقد أساسي ليس لشق الرواية الخاص بلبنان بل امتد تأثيرها الى كامل مكان الرواية ناقدة بوضوح لا يعتمد على لعبة التعمية النقدية في االمناهج النقدية الحديثة ممارسات النظام الامني اللبناني السوري وكان جبران تويني كراس لصحيفة النهار الصوت الاكثر حدة وعلواً ووضوحاً ولم يلجأ كوسيلة فنية لهدر مسؤولية الكلام الى التعميم على كل الانظمة العربية كمؤلفة لروايات مشابهة لرواية الطغيان على الارض السورية اللبنانية ومن هنا انتزع مكانته السياسية من هذا الصوت ومن هنا كانت مكانته تتأسس ليس بوصفه صحفيا جريئا وصاحب راي واضح بل أيضاً كممثلٍ للنهار (صوت الحرية) كرواية نقيضة لرواية الطغيان.
وهكذا لم يقدم جبران تويني الى ساحة العمل السياسي ممثلا لطائفة أو مليشيا بل انه احتل مكانته السياسي من صوته وصوت النهار الذي له دور كبير في صناعته ويمكن ان نفهم ايضاً ان اغتيال سمير قصير جاء في هذا المنحى (خنق النهار) ومن هنا يمكن فهم الحملة المضادة التي قادتها وسائل الاعلام السورية (ممارسة وظيفتها الاساسيةداخل الرواية) ضد النهار وجبران تويني (وآخرين (مما حدا بوزير الاعلام السوري ان يصف الكتاب السوريين الذين يكتبون في النهار بعملاء النهار وحفلت الصحف السورية الرسمية والخاصة (الاقتصادية) والمواقع القريبة من النظام (شام برس - سيريا نيوز) بسيل من الردح والشتائم المقرف كان لجبران تويني بالاسم منه نصيباً كبيراً إضافة لصحيفة النهار هذا الردح الذي لم تسلم منه صحيفة مثل السفير التي ظلت عبر تاريخيها أمينة لخط قومي ملتزمة به ولا رئيس تحريرها طلال سلمان...
وعليه سنتسائل ببلاهة خارج الرواية من الذي اغتال جبران تويني؟!

خلف علي الخلف  ايلاف

Khalaf88@hotmail.com

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات