الطريق الى صهيون مفروش بالنوايا الحسنة
عزيزي عضعاض تحية طيبة.. استمرارا لنقاشنا السابق حول موضوع (الطريق الى بيت المقدس يمر من هنا) ولاننا لا نحب ان نرهق القارئ ونظرا لاهمية الاسئلة المطروحة من معاليكم فقد نقلنا (المعركة) ها هنا بعد إذن حضرتكم طبعا ...
بالنسبة لسؤالك الاول فقد أجبت بنفسك : ان انعدام الثقة بيننا وبين الفلسطينيين وتسلل هواجس الشك والريبة من الطرفين معززا ومحمولا بافكار نمطية ومعلبة من الجانبين ايضا لا تخلو طبعا من ارهاصات تاريخية ودينية. سأشرح لك الموقف بطرح مثال : عندما احتل العرب الاندلس هل كانت قوة او منطق في الدنيا يقنعهم بالتخلي عن الاندلس وتركها لاهلها ؟! طبعا لا. ليس لانها ارض الميعاد بل اجتمعت الاسباب المعروفة، قوة سلطة توسع فتوحات جهاد نشر الاسلام توزيع غنائم اكتشاف بلاد جديدة وغيره وغيره. حارب المسلمون لاستعادة القدس لذات الاسباب تقريبا وهكذا.. فما بالك عندما نتحدث عن مكانة ارض اسرائيل بالنسبة للشعب اليهودي. لا أخفيك بان عودتنا الى وطننا القديم كانت محفوفة بالمخاطر من جهة ومفعمة بالامل والهوس والحلم الكبير واعادة الحق الى اصحابه الخ. اذن الى جانب انعدام الثقة بيننا وبين العرب الذين نظروا الينا باعتبارنا غزاة وغرباء محتلين، كنا نحن محمولين على أجنحة النسور لا نفكر الا بالتحرير واستعادة كامل التراب وبناء امجادنا الغابرة. ولا تنسى اننا قاومنا بريطانيا في اواخر عهد الانتداب فقد نفذ صبرنا من استمرار الوجود البريطاني وكنا نتوق الى الاستقلال والسيادة في وطن الاجداد. لم نفكر لا في حروب متواصلة كما حصل ولا في قضية لاجئين ولا بشيء من هذا. كنا مدفوعين بالحماسة يسرح بصرنا بعيدا في الافق نصلي ونهلل للقاء الاجداد والانبياء والملوك العظام في أورشليم وحبرون وبيت لحم وبيت ايل وبئر السبع والجليل وجبل نيبو شرقي نهر الاردن موطأ سيدنا ونبينا وامامنا موسى .. وغيره وغيره..
بعد عام 1920 تلقينا اول صفعة من الانجليز حين قالوا لنا عليكم ان تنسوا موضوع شرق الاردن أي ارض اسرائيل الشرقية لاننا وعدنا العرب وقد وهبناها لهم وقضي الامر.. وفي عام 48 انحسر وجودنا في جزء من ارض اسرائيل الغربية وهي البقعة الواقعة غربي النهر بين البحر والنهر، فيما بسط الجيش الهاشمي سيطرته على أورشليم وعلى جزء كبير من غربي النهر أطلقوا عليه اسم الضفة الغربية. حتى تلك اللحظة لم يظهر الفلسطينيون على مسرح التاريخ كشعب موحد ومنظم، كان الشمال الفلسطيني يربأ بنفسه عن وحدة مع الضفة الغربية ويستنكف ويتعفف من بناء دولة مع بدو النقب ويفضل الانضمام الى سوريا... وقد باشروا فعلا بالانضمام وانتخب منهم اعضاء في البرلمان السوري. حصل ذلك بالتوازي مع شروع الهاشميين في بناء مملكة شرقي الاردن (المملكة الاردنية الهاشمية لاحقا) وضم مناطق غربي النهر تم تعريفها تحت مسمى لم يكن معروفا من ذي قبل "الضفة الغربية".. نذكر هذا للتاريخ ولا نستبطن أي عداوة للهاشميين بل – صدقا – نكن لجلالة الملك عبد الله الثاني الهاشمي الكريم كل احترام، له ولكل الهاشميين الاكارم..
هذه المقدمة انما هي تذكرة وتوطئة لا بد منها نكررها كما تلاحظ على الدوام حتى تعيها أذنك ، ولا ألومك بل أعذرك لقلة درايتك بنشأة كل هذه الكيانات التي تشكل اليوم دول المنطقة.. انت مدفوع بحماسة دينية هذا شأنك وانت حر بذلك لكن على القارئ ان يدرك تسلسل هذه الاحداث فحين تسمع من قادة اسرائيليين يقولون لا يوجد شعب فلسطيني او على الاقل لم يكن في تلكم الايام فليس المقصود نفي الشعب الفسطيني ولا يعني ذلك انه هبط من السماء فالشعب الفلسطيني موجود على ارضه من قديم الزمان ولا يحتاج منا الى شهادة. بل المقصود ان سكان البلاد لم يتشكلوا وقتها باعتبارهم شعبا واحدا تحت مسمى واحدا هو الشعب الفلسطيني بل كانت الضفة الغربية اردنية والجليل يلف لف سوريا ويعتبر نفسه سوريا والنقب تسكنه عشائر بدو لم تسمع عن الشعب فلسطيني ! اما الداخل الفلسطيني فبدأ يتشكل عنده وعي فلسطيني بالتوازي مع تشكل القومية الاسرائيلية ولا نجاوز الصواب لو قلنا بانه تأثر كثيرا بالقومية اليهودية.. انظر الى وثيقة الاستقلال الفلسطينية التي صاغها محمود درويش واقرأ وثيقة الاستقلال الاسرائيلية التي كتبت قبل ذلك بعقود واحكم بنفسك.. دافيد بن غوريون احد كبار قادة الحركة الصهيونية واول رئيس وزراء اسرائيلي التقى مفكرين فلسطينيين وعرب جميعهم قدّموا أنفسهم بصفتهم عربا منهم طبعا مثقفين ينتمون الى التيار القومي العربي هؤلاء هم الذين قالوا ل بن غوريون لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني بل نحن عربا وغالبا كانوا يتحدثون باسم سوريا العربية.. كل هذا لا ينفي وجود شعب في ارض اسرائيل فلسطين راسخ في ارضه كما تقدم ذكره..
ما أريد قوله إننا وقتها كنا نتفاوض ونتحاور ونلتقي مع عرب.. اذهب الى يوتيوب وشاهد المفكر العربي الفلسطيني عزمي بشاره يقول لا يوجد شعب فلسطيني بمعنى هؤلاء عرب تتوزع انتماءاتهم بين الشعوب العربية وليسوا شعبا واحدا متجانسا.. لكن سبق وقلنا عاليه لسنا أوصياء على الشعوب وقد تقرر اليوم وجود شعب فلسطيني وانتهى الامر باقرار عرب ارض اسرائيل انهم ابناء شعب واحد تجمعهم هوية واحدة وثقافة ولغة وعادات وتقاليد واحدة اما نحن فليس امامنا الا ان نحترم خيارهم وحقهم في تقرير مصيرهم. هم وما يتسمون هذا حق خالص لهم. وعندما نقرأ أدبياتهم ونتابع كتاباتهم نلمس فعلا حسا وطنيا ومشاعر انتماء وهوية وتراث ومرويات شفوية الخ.. نعم يحدونا الفضول للتعرف على شركاء الوطن الذين قُدّر لنا ان نلتقي معهم من جديد على هذه الارض..
وأصل الى قولك : كل عداوة قد ترجى مودتها الا عدو عاداك في الدين (وفي رواية أخرى: من حسد).. عزيزي سعودي مثل هذه الاقوال لا تقال لنا ونحن الذين نتبع حكمة (أتدري من هو الفارس الحق؟ هو ذاك الذي يقلب العداوة مودة).. غير قابلة للاحصاء هي العداوات الدينية التي واجهناها عبر تاريخنا الطويل في المشرق القديم دائما كانت هذه القاعدة ماثلة نصب أعيننا.. اما مسلماتك الدينية المطلقة فهذا امر تجاوزته شعوب المنطقة.. فسواء كان ابراهيم يهوديا او عبرانيا او مسلما فهذا شأن ديني لا علاقة له بهوية جمعية وان كان المسلمون اليوم يجنحون الى انشاء قومية وهوية اسلامية فذاك امر آخر.. ان قولك هذا يلغي كل الموروث الفلسطيني الثقافي والهوياتي ويختزله بالعامل الديني ويستشف منه بسط وصاية دينية أبوية لا مبرر لها على الدول والشعوب تحت مسميات ومسلمات ومعتقدات دينية عقدية لا يجب ان تشكل عاملا ذي اعتبار في حسم طبيعة الشراكة بين الفلسطيني والاسرائيلي.. هل قمت باستفتاء الفلسطينيين قبل ان تقرر باسمهم بانهم يريدونها اسلامية سلفية وهابية .. انما هذا يا سيدي العزيز شأن فلسطيني خالص فان ارادوها دولة فلسطين ستان فليكن لكن دعنا اولا نحسم موضوع التاريخ والجغرافيا والحدود ثم نترك لك ولمن اراد من اخوانك الفلسطينيين مسألة تعريف الدولة الفلسطينية..
بخصوص اسئلتك الخاتمة.. اولا تصحيح لا بد منه أعتقد انه سقط سهوا ويتعلق بقولك : ايـن كنتم عندما حرر عمر بن الخطاب فلسطين من ايدي الصليبين؟ لان عمر بن الخطاب ارسل جيوشا لغزو (فتح) العراق وبلاد الشام زمن الروم والفرس، ولعلك تقصد صلاح الدين الايوبي الذي صارع الصليبيين على بيت المقدس.. ونحن نتحدث هنا بصفة حيادية فلا ندري ان كان صلاح الدين قد حرر بيت المقدس من الصليبيين ام احتل بيت المقدس.. في كل الاحوال نحن لا ننفك نعيد ونكرر يوميا بان الوجود اليهودي في ارض اسرائيل تعرض لعدة نكبات ونكسات وشهد نكوصا بعد الثورات على الروم.. وعندما احتل المسلمون بيت المقدس كان الوجود اليهودي في ارض اسرائيل قد عرف هزات ومحن ونكبات لم تقتصر على الجانب الديني بل الوجودي.. لكن ارض اسرائيل ظلت في وجداننا سواء من تشتت منا زمن الروم او من بقي في ارضه.. ثمة حكمة تقول السارق من اللص سارق ايضا.. بمعنى ان المسلمين يجب ان يتوقفوا عن اجترار مقولة فتح بيت المقدس زمن الروم او تحرير بيت المقدس من الصليبيين فكلهم سراق ليل الروم وطأوا أوطانا ليست اوطانهم، والعرب سرقوا اوطانا ليست لهم من الروم ثم استعادوا الغنيمة المقدسية من الصليبيين لا يعطي هذا الامر حقا للعرب في هذه الارض. فالشهامة العربية ان وجدت كانت تقتضي ان يعود العرب الى اوطانهم بعد ان انتهوا من مسألة (التحرير)، كان عليهم ان يخبروا السكان المحليين من فلسطينيين وعبرانيين وخلافهم ان مهمتهم قد أنجزت فيتم جلاءهم عن الارض وتنسحب جيوشهم الى ما وراء الحدود اليس كذلك يا عزيزي اليست هذه شيم جيش التحرير! الا اذا كانت المسألة اقتسام غنائم وتوسع ونزوع الى الخلود في الارض المحررة !! بل ان السارق من السارق قد تخطى حدود الفتح والتحرير بقوله بمنتهى البجاحة والبلطجة والتريقة إن هذه أرضا اسلامية مستندا في قوله الى اساطير دينية ووصاية عروبية لا شأن لها بفلسطين او ارض اسرائيل ,,,
هل فهمت يا عزيزي ... السارق يشرعن سرقته بغطاء ديني ! وهو القائل إنه دخل البلد فاتحا محررا .... أي محرر هذا الذي طاب له المقام والقعود والتأبد في البلاد المحررة !! بلاش عباطة يا استاذ سني ..
ثم ما هذا السؤال الساذج حن تقول اين هي استماتتكم من اجل وطنكم.. يا عزيزي نجونا مرات ومرات من بطش الغازي: مصريين قدامى بابليين اشوريين يونان روم الخ.. ومع دخول المنطقة في مرحلة العصر العربي الاسلامي كان بني يهود لا يزالون تحت وطأة الصدمة الرومانية التي فرقت أيادي يهود وعاش اليهود أفرادا وجماعات في ظل الحكم الاسلامي وكانت لهم حظوة عند الامراء والخلفاء والسلاطين ليس آخرهم صلاح الدين الايوبي ودخلت المنطقة برمتها في صراعات طاحنة ودامية وساخنة ما زالت آثارها وارهاصاتها حاضرة ولم يخطر ببال احد ان يحظى اليهود او غير اليهود باستقلال وسيادة في ظل سياسات ومرجعيات سلطوية تسلطية وصائية أبوية .. فهل كان يخطر ببال احد ان يسمح الامويون او العباسيون او الايوبيون او العثمانيون لليهود باقامة دولة ام ان الظرف كان يحتم ان نتعايش كغيرنا مع الوضع الموجود .. وها هي الشعوب المغلوبة على امرها ما زالت حتى اليوم ترزح تحت سياسات التعريب والوصاية الدينية والاقصاء والا ماذا تقول عن القبط والامازيغ والكورد وأين يا ترى اختفى معظم السريان والاراميين والاشوريين والكنعانيين والفنيقيين وطمست هويتهم هل انت نائم تغط في سبات عميق يا استاذ عضعاض لا ترى ولا تسمع .. الا تشعر بالاعجاب عندما ترى بني يهود قد حافظوا على لغتهم وكتابهم وثقافتهم وانتماءهم وهويتهم الجمعية وتقاليدهم في أحلك الظروف.. هل تريد ان نبقى مثل الامازيغ تحت حكم العرب نرتجي شفاعتهم ونستجدي رحمتهم ونستدر عطفهم ونتلمس مكرمة عربية لترسيم لغتنا وممارسة شعائرنا والمحافظة على تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا ....
ونختم بعود على بدء .. نعود الى عنوان المقال ونقول على غرار المثل المعروف إن الطريق الى صهيون كان محفوفا بالمخاطر والمصاعب .. وما كان بانتظارنا أمرّ وأصعب ، لكن الذي اريد ان تعلمه هو ان الطريق الى صهيون كان مفروشا بالنوايا الحسنة وخاليا من أي غاية في نفس يعقوب (اسرائيل) ...
اسبوعا جميلا علينا وعليكم مع قبول تحياتنا ومودتنا
التعليقات (0)