مواضيع اليوم

الطريق إلى الجنة

عبد الهادي فنجان الساعدي
"تتجلى الازمة في البلاد النامية بشكل رئيسي عبر الانهيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتزايد مخاطر التهميش الجماعي . وتتباين ردود الافعال عليها بين تمزق الطبقات والنخب السائدة وعجزها عن بلورة استراتيجية عقلانية وفاعلة لمواجهتها والخروج الواسع على النظام ، وهي تقضي قضاء نهائيا على الدول الصغيرة والضعيفة وتقود الى تفككها الكامل"(1).
يسألني الكثير من الاصدقاء والمثقفين عن الازمة التي تولدت عن تفجير ضريحي الامامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام ، وعن رأيي فيها وموقفي منها . اما الشارع فلا يسال عن الاسباب انما يسال عن النتائج وتكون مواقفه – للأسف الشديد – انعكاسا عاطفيا لتلكم الحادثة في نفس الوقت يتطور هذا الموقف العاطفي الى اعمال عنف طائفية تجد الارض الخصبة مهياة لدى جماهير الطوائف الاخرى و"لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه"(2).
أما النخب السياسية فهي اخر من يعلم واخر من يتحرك وكان الاخوة الاعداء لم يلطخوا اصابعهم بالامس بالحبر البنفسجي من اجل عيون "لم تقرأ الام في ليلة واحدة"(3).
"يقتضي العمل من اجل تغيير النظام القائم في بنياته الوطنية المحلية المشوهة التبعية وفي بنياته واستراتيجياته العالمية وما ينجم عنها من تهميش للاغلبية البشرية وازدهار متصاعد للاقلية ، نظرة مختلفة للتاريخ والراسمالية وطبيعة التغييرات الاجتماعية واهداف النزاعات الاجتماعية ، وهو يستدعي قبل هذا وذاك تجاوز الحرب الاهلية التي تهدد بها الازمة الراهنة جميع المجتمعات الضعيفة التي خسرت رهاناتها التاريخية . وبالعكس لا تعمل الطوباويات ولا تفيد الا في تغذية هذه الحرب وصب الزيت عليها بقدر ما تساعد على اغلاق الباب امام أي تواصل او حوار عقلاني بين القوى والتيارات الوطنية المتنازعة"(4).
نعود لنؤكد على السؤال الوحيد الذي لم يساله احد لحد الان وهو عن المسبب الرئيسي لهذه الازمة بغض النظر عن نتائجها التي من الممكن ان تكون ترميم كل ما خلفه الانفجار المدمر أو ان تكون النتائج كارثية .
والغريب في هذا الامر ان الراي العام ليس ضعيف الذاكرة فحسب كما قال نابليون ولكن مصاب بالعجمة الفكرية وكان كذبة واحدة بدأت بعد وفاة الرسول "ص" لم تكن كافية واستمر التاريخ يؤكد على الكذبة الأولى بكذبات اقسى وأمر ، واكبر من الكذبة الأولى كالملك العضوض والشورى ، وكان العجمة الفكرية التصقت بهذه الشعوب التي تسكن هذه الارض التي يقال عنها بانها مقدسة وانها ارض الانبياء ولا ادري مدى صحة هذه التسمية فهل من الممكن التصديق بان الارض المقدسة تسفك فيها كل هذه الدماء البريئة ام ان الاسطرلاب قد اخطا في حساباته وانزلنا في ارض اخرى غير الارض التي تمتلي بالنفط والدم .
لقد امتزجت المصالح البعثية البائسة من خلال طروحاته المشلولة لشراذم تحاول ان تعيد الزمن الى الوراء مع عناصر من خريجي كهوف تورا بورا ذات الشخصيات الشيزوفرينية وحاملة عقد التاريخ وطفح الطائفية ليمزقوا كل الصفحات الجميلة التي رسمتها الاجيال على جدران الاضرحة التي تمثل تراث وعراقة هذا الشعب العنيد ومرافيء الشكوى والدموع .
ان التقاء خبراء المتفجرات مع خبراء القتل الجماعي الهمجي يمثل التقاء الدكتور فاوست مع الشيطان(5). ولكن بشكل اكثر دموية واكثر تخلفا وعقدية .
والسؤال الذي يختمر خلال مرحلة الاجيال الماضية ولم يجرؤ احد على طرحه هو "الا تكفي حدبة واحدة؟!!" .. انها عند الجمل تسمى السنام .. اما عند الانسان فتسمى الحدبة .. وبما ان لبعض الجمال سنامين فهنالك مجتمعات لها حدبتين .. المشكلة ليست في الحدبة أو الحدبتين انما المشكلة في ان هذه المجتمعات لا تفكر في استغلال هذه العاهة كما يفكر الجمل .. ولا تفكر بهذه العاهة لا لشيء الا لانها في الظهر وهي لا تراها .. والا قسى من ذلك هو اعتقادها بان الاخرين لا يرونها .
"لقد انطبعت استراتيجية دول الجنوب والدول الضعيفة عامة بالمقاومة والاحتجاج والتمرد خلال كل الحقبة الماضية . وكانت هذه المقاومة ترمي الى ارضاء الشعور بالكرامة اكثر مما كانت تطمح الى تغيير شروط الوجود الجماعي او تامل في امكانية احداث ثغرة حقيقية في جدار السيطرة والهيمنة الخارجية . وقد قاومنا بالفعل وقاوم الهنود الحمر في القارة الامريكية وقاومت جميع الشعوب، السيطرة الاستعمارية لكن الانتصار لم يتحقق الا لتلك الشعوب التي نجحت في الانتقال من مفهوم المقاومة الذي يستجيب لقيم الكرامة الى مفهوم البناء والتغيير والتعديل الذي يخلق شروط المشاركة في العملية التاريخية"(1).
لقد سقطت الاغلبية الساحقة في فخ العاطفة وتلتها الاقلية الطائفية في السقوط في نفس الفخ كرد فعل طبيعي لانها لا تمتلك الحصانة الفكرية التي تمنعها من السقوط في الفخ . كما ان قياداتها لم تكن تمتلك الحكمة والقدرة على امتصاص الغضب العارم المتوقد من خلال العاطفة وكذلك لانها لا تمتلك عمق التجربة التاريخية التي بموجبها تستطيع قيادة الجماهير في حالاتها المتقلبة وتتحكم في توجيهها الوجهة البناءة التي بامكانها ان تستفيد من كل طاقات الناس التي تكون خلاقة في الحالة الموجبة ومدمرة في الحالة السالبة. ونستطيع القول بان القيادات السياسية والطائفية لم تكن تعلم بان من واجبها التحرك بشكل مواز لحركة الشارع ان لم يكن اسرع منها لكي تحقن بعض الدماء التي اريقت من دون سبب مباشر واستمرت المعادلة الوطنية بالهبوط لصالح الطغم الظلامية.
أن الصراعات الموجودة على الساحة الان لا يمكن ان تكون صراعات حقيقية بقدر ما هي صراعات مفتعلة تعمل بموجب توجيه فئات خارج نطاق السلطة وخارج نطاق بعض قوى المعارضة، تعمل على تاجيجها وتحويلها الى مرحلة الحرب الاهلية بعدها طريقا يؤدي الى الجنة عند البعض او باعتبارات مادية اخرى عند البعض الاخر ممن يقودها الطرح العلماني البعثي الذي يلتقي مع الطرح السلفي المبتور بموجب دوافع طائفية متخلفة ، وهو بالتاكيد صراع يحاول ان يحول اتجاه الصراع الحقيقي البناء الى وجهة اخرى لا تهدف سوى الى الوجهة التي تخدم السائرين في الطريق الى الجنة المزعومة الذي يؤدي الى الحرب الاهلية والدمار الكارثي .
وعندما نعود الى تحليل الصراع الحقيقي بغض النظر عن التفجيرات المفتعلة "نستطيع ان نقول ان الصراع الراهن على السلطة ليس صراعا من اجل الديمقراطية ولا من اجل التنمية ولا من اجل الوطنية والقومية . ولكن مع ذلك ليس صراعا فارغا من المعنى. انه صراع هدفه الواضح اعادة توزيع الثروة الوطنية من خلال تغيير نصاب السلطة . اعادة بناء الشخصية الجمعية من خلال اعادة توزيع القيم الثقافية ومكانتها في العقيدة الاجتماعية"(7).
اذا لم يكن الهدف هو خلق كيان التبادل ، لا تبادل او تبديل الكيان فبالتأكيد لن يؤدي طريق الحرب الاهلية في النهاية الى الجنة انما سيؤدي الى طريق اللاعودة واستمرار الكذبة الأولى بكذبة اكبر هي كذبة الخلافة الراشدية الجديدة .
"أن الخطوة الأولى في مسيرة بناء الارادة الجماعية هو درء مخاطر الحرب الاهلية واقامة الحياة الوطنية على اسس وقواعد واضحة ومقبولة وشرعية. فهذا هو الذي يسمح للقوى بالتالف والتجمع والتفاهم . أي بتجاوز مذهبياتها جميعا ، او نزعتها التمذهبية في سبيل بناء علاقة سياسية وهو ما يضمنه مبدأ الديمقراطية الذي يعني التوافق على طريق المفاوضة والحوار على قاعدة المعاملة بالمثل واحترام ما ينبغي ان يصبح حقل المصالح الوطنية .. ويتطلب هذا موقفا يربط الايمان بمثل عليا وبالانفتاح على اراء الاخرين ومواقفهم واحترامه مصالحهم الحيوية ايضا . وهذا المبدأ ليس شرطا لتحقيق السلام الاهلي وحسب ولكنه شرط ايضا لبناء اية قوة سياسية يسارية كانت ام يمينية"(8).

الحواشي:
(1) حوار الدولة والدين : سمير امين وابراهيم غليون ص167 / المركز الثقافي العربي .
(2) قانون فيزياوي .
(3) قصة الام : تاليف مكسيم غوركي قال عنها لينين "فلتعم العين التي لم تقرا الام في ليلة واحدة" .
(4) حوار الدولة والدين ص168 .
(5) الدكتور فاوست : مسرحية للكاتب الانكليزي كرستوفر مارلو الذي ولد في كانتربري عام 1564 وهو يعتبر اعظم كاتب مسرحي في القرن السادس عشر سبق شكسبير في الظهور في عالم الكتابة المسرحية الحديثة : والمسرحية تتلخص في وقوع الدكتور فاوستس بطل المسرحية في حبائل التعاون مع الشيطان .
(6) حوار الدولة والدين ص169 .
(7) المصدر نفسه ، ص175 .
(8) المصدر نفسه ، ص178 .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !