المشهد المُلتبِس الذى تعيشه مصر الآن تجعل العاقل مجنوناً ، وعلينا أن نوضح فى البداية أن أسوأ شىء هو الخلط بين المتظاهرين الحقيقيين الذين حاولوا إنقاذ الكتب الأثرية بالمجمع العلمى وبين أطفال الشوارع والمندسين ممن أشعلوا فيه النار ، وحتى نفسر ما يحدث على أرض الكنانة علينا أولاً أن نُفكك أطراف ذلك المشهد المُلتبِس ، فسوف نجد أمامنا أطراف خارجية وأطراف داخلية ، فالأطراف الخارجية تنقسم إلى عربية وأمريكية إسرائيلية ولا يمكن إنكار تدخلهم المخفى قبل العلنى فى المشهد المصرى الراهن وعلينا أن نقر بأن كافة القوى الخارجية العربية لا تُريد سقوط مصر فى الفوضى ولكنها تُرِيد إستمرار سياسة مصر على نفس نهج سياسة مبارك المخلوع وتحاول خنق مصر بشتى الطرق من خلال الضغوط وبخاصة الضغوط الإقتصادية ، ويتفق معهم فى ذلك واشنطن وتل أبيب ولكن الأخيرة تزيد على سابقيها فى أنها لو إتفقت مصلحتها مع بث الفتنة فى مصر فسوف تحاول إشعالها بشتى الطرق وعلينا ألا ننسى ما كشف عنه اللواء عاموس يادلين الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية "أمان" فى 2010 قال ( إن مصر هى الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية، وأن العمل فى مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979"، وأن إسرائيل أحدثت اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية وعسكرية فى أكثر من موقع بمصر، بل ونجحت فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى لتوليد بيئة مصرية متصارعة ومنقسمة إلى أكثر من شطر لتهديد المجتمع المصرى ) ، ويُمكن تسمية هذه القوى بقوى خارجية "فلولية" فكما أن هناك فلول لمبارك فى الداخل هناك أيضاً دول فلولية عربية وأجنبية ! .
وأما عن الأطراف الداخلية فهى كثيرة وأهمها هى المجلس العسكرى الحاكم وفئات وجماعات وأحزاب مختلفة وهناك فلول ومندسين ، وهذه الأطراف ترى مصر وديعه أخذها الجيش فإعتبروها ذبيحة أو قطعة تورته تورته فبدأ الأكِيله ـ بما فيهم العسكرى ـ فى التلمظ ليلتهموا أكبر قطعه من تلك المسكينه أو الذبيحه وهم يعتقدون خطئاً أن مصلحة مصر الكبيرة من مصلحتهم الخاصة مُنفردة ، مع أن المفروض أن تأخذ مصر حقها أولاً ومن ثم سيفيض حق مصر ليشمل الجميع ، فلو لخصنا أفعال المجلس العسكرى فسنرى أنه يستخدم سياسة التعتيم ويُخفى أكثر مما يُعلن من الأشياء التى يجب أن يعرفها الشعب ، ويتباطأ ـ أو يتواطأ ـ فى إتخاذ القرارات الثورية ولو نفذها مُرغما يُفرِّغها من مضمونها ، وبسبب سوء سياساته زادت حالة التباعد بينه وبين كثير من أفراد الشعب ، والمجلس العسكرى يتعامل بنفس أسلوب مبارك تماماً لذلك ليس مُستغرباً أن نجد من كان يدافع عن مبارك أدار البوصلة بنفس الأسلوب ليدافع عن أعضاء المجلس العسكرى فى الباطل قبل الحق ، وأما عن الأحزاب والنخب المختلفة سنجد أغلبها تمارس ما كانت تمارسه مع نظام مبارك فسنجد المعارضين لنظام مبارك وسياساته ممن يسمون ليبراليون ويساريين وناصريين وغيرهم هم أنفسهم المعارضين للمجلس العسكرى وسياساته ، وهناك من يُطلق عليهم الإسلاميين كجماعة الإخوان حيث تتعامل الجماعة ـ أو حزبها ـ مع المجلس العسكرى بنفس أسلوب تعاملها مع نظام مبارك حيث تجد الشد والجذب والإتصالات والتفاهمات والتى قد تصل لعقد الصفقات وهذه سياسة قديمة تبناها الإخوان مع كل حكام مصر منذ نشأتها ، وهناك من يطلقون على أنفسهم بالسلفيين ـ مُسلمى مصر كلهم سلفيون ـ وهم يتعاملون مع المجلس العسكرى الحاكم كما تعاملوا مع مبارك الحاكم والخروج على الحاكم عندهم مرفوض ، ولهذا فالمجلس العسكرى يعامل السلفيين بإحترام بعكس ما كان يعاملهم مبارك وأجهزته الأمنية ، وبذلك ورث المجلس العسكرى تركة مبارك وبلاويه وحتى معارضيه ومهادينه ، ويتعامل مع الجميع بنفس أسلوب تعامل مبارك معهم فى السابق .
وأما الطرف الثالث المُتسبب فيما يحدث والذى يتحدث عنه المجلس العسكرى فهو اللغز المُحيِّر ، فالطرف الثالث واضح أمامنا تماماً وهم أولاد مبارك الغير شرعيين وهم أطفال الشوارع فهؤلاء هم ضحايا نظام حكم مبارك وأعدادهم تصل لمليون ونصف طفل وشاب هائمين فى شوارع القاهرة ولكن من يُحرك هؤلاء الضحايا ذلك هو اللغز ولن نصدق إعترافاتهم المًفبركة من أن بعض الثوار الحقيقيين هم من يمولوهم بالأموال لأن هذا الكلام إستهانة بعقولنا ، فلو أراد المجلس العسكرى أن يكشف من وراء الطرف الثالث عليه أن يقوم بالتحقيق بجدية مع عملاء أمن الدولة الذين يتم القبض عليهم فى ميدان التحرير وآخرهم المدعو عبد المنعم عبدالحفيظ حمدان ورتبته عقيد بقطاع الأمن الوطنى بوزارة الداخلية وعندما قام الثوار بتفتيشه ـ الشهر الماضى ـ وجدوا معه مسدس كاتم للصوت موجود به طلقتين فقط ، وأطلق منه 4 طلقات واحتجزه الثوار ، إذاً أمامنا عملاء لأمن الدولة المُنحل يحملون أسلحة نارية يستخدمونها ضد المتظاهرين الحقيقيين ويقتلونهم ومن أمثلة ذلك قتل الشيخ الأزهرى عماد عفت والذى إستشهد بطلقة خرجت من مكان قريب منه ، لكى نحل ذلك اللغز إسألوا ذلك العقيد الذى قُبض عليه بتحقيق جاد وسوف نعرف جميعاً ... الطرف الثالث ... بسلامته !!
التعليقات (0)