أنا شلافطي من الشلافطيين أو هذا ما يسمموننا الطرابلسيون زمان ، أي أننا من مدن غير طرابلس ، كما يسمي سكان القاهرة سكان خارج القاهرة صعايدة . وكان هذا اللفظ مستعملا عندما كان سكان طرابلس كلهم طرابلسيين أما اليوم لو بحت عن طرابلسي في مدينة طرابلس فلن تجد في طرابلس إلا عدد قليل منهم موزعين في أنحاء المدينة الواسعة ، وأختفت أسماء عائلاتهم الشهيرة المعروفة ، أما أغلبية سكان طرابلس اليوم فهم من الشلافطية أو من الاقوام الخليط من افارقة وعرب الذين أتى بهم الطاغية لتغيير التركيب الديمغرافي للمدينة وليجعلها إصطبلا لأزلامه وأنصاره وكتائبه وثكناته وأسلحته الفتاكة ووسائل دماره ، وليجعل الطرابلسيين مكبلين تحت قبضته حتى لا يكونوا مصدر خطرعليه ودعاة للوطنية والثورة في ليبيا . وأنا من الشلافطيين القدامى الذين جاءوا إلى طرابلس في الأربعينات من مصراتة لمواصلة دراستنا في المدرسة الثانوية الوحيدة التي فتحت في سنة 1946 في ما كان يسمى بولاية طرابلس تحت الأدارة العسكرية البريطانية . وقد دخلنا في القسم الداخلي وكنا من شلافطية مصراتة والزاوية وزوارة وصرمان وغريان وجادو ونالوت ، وقد جاء بعدنا المزيد من الشلافطيين الى هذه المدرسة من باقي مدن ولاية طرابلس في ذلك الوقت .ولكن رغم نظرة التعالي للطرابلسيين إلينا إلا أننا شاركناهم حياتهم وعشنا معهم نشاطهمم الوطني والسياسي . فقد كان شعور الطرابلسيين الأقحاح قويا وطنيا وعربيا وإسلاميا . ولا زلت أتذكر المظاهرات الصاخبة للمناداة بأستقلال ليبيا وضد مشروع بيفن سفورزا وضد الفدرالية والتقسيم والمعاهدات وإحتلال فلسطين وإضطهاد العرب والمسلمين وكلما مسهم مكروه . وكنا كطلاب نخرج من مدرستنا في الصباح لنشارك الطرابلسيين في مظاهراتهم ولا نرجع إلا ليلا، ونادرا ما نحضر الدروس خلال الأزمات الوطنية والعربية والأسلامية ، وكان الطرابلسيون شعلة الليبيين والأحتجاج والتظاهر كلما مس المسلمين والعرب سوء من الاستعمار. وقد إستمر هذا الحال وهذا الشعور الوطني القوي الفياض حتى تواروا عن النشاط السياسي بعد إعلان إستقلال ليبيا سنة 1951الذي تم بدون مشاركتهم وقبولهم كما يقولون. وإستمر إنعزالهم بعد إنقلاب ستمبر البغيض الذي لم يكن لهم علم به وسمعوا به من إذاعة بنغازي وبعد سقوط قوى السلطة الليبية والامن في برقة . وهكذا جاء الطاغية الى طرابلس الذي شعرمن الأيام الأولى لعهده بنظرة تعالي الطرابلسيين عليه كشلافطي ، فأتى لهم بجوج وماجوج وأقوام من كل حدب وصوب من البيض والسود والسمر حتى ترك الطرابلسيين أقلية في مدينتهم لا حول لهم ولا قوة ولم نعد نسمع صوت الطرابلسيين الوطني القوي الذي كان يدوي في كل أرجاء ليبيا . وأصبحنا قل أن نسمع ما ذا يريد الطرابلسيون فلم يعد بينهم محتج أو مؤيد لما يجري في ليبيا ولا يعرفون من هو في الحكومة من رؤساء حكومات ووزراء وكبار مسئولين وقراراتهم وماذا يفعلون ولم يكن من بينهم رئيس دولة او رئيس وزراء خلال العهد الملكي وعهد الطاغية وعهد ثورة 17 فبراير . والسبب أنهم أصبحوا خليطا من كل المدن الليبية ليس لهم مطالب واحدة واضحة تجمعهم أو إهتمام واحد بمدينتهم وبلادهم . أنظر اليوم وهم محتلون من الثوار الشلافطية من كل أرجاء ليبيا ونحن نسمع مظاهرات في بنغازي والجبل الغربي ومسلاتة ومصراتة وترهونة والجنوب تطالب بمطالب محلية وإقليمية مدنية وفدرالية ولا يسمع للطرابلسيين صوت كما تعودنا أن يكونوا في الطليعة في مطالبهم الوطنية والعربية والأسلامية . حتى إنتخاب المجلس المحلي لطرابلس لا زال حلما لأنه أصبح من المستحبل أن تعرف من هو الطرابلسي ومن هو الشلافطي ومن هو الافريقي أو العربي فكلهم زودهم الطاغية بوثائق وجوازات سفر وكتيبات عائلة وأصبحوا الغالبية بين سكان طرابلس . ولا أعرف هل حان الوقت ليسمع الليبيون بعد ثورة 17 فبراير صوت الطرابلسيين في مصيرهم ومصير بلادهم أو أنهم سيستمروافي ترك الأمور تجري على علاتها وينامون خالي البال كما ناموا خلال العقود الستة الماضية .
التعليقات (0)