الطالب بويا لعتيك ماء العينين
ليس هناك أحزابا سياسية بالأقاليم الجنوبية بقدر ما هناك تحزبات قبلية
في سطور
باحث في الثقافة الحسانية والعادات والتقاليد
شاعر حساني
له إصداران:
- شدرات من الأجب الحساني
- "كدح الغدير" (قصائد شعرية)
شارك في ندوات دولية ووطنية، في الكويت وتونس وليبيا وموريتانيا واندن
عضو اتحاد كتاب المغرب
حاصل على وسام ملكي من درجة فارس
معد لمجموعة من البرامج التلفزية والإذاعية
من أبناء الأقاليم الجنوبية، خبر دروب الثقافة الحسانية وعاداتها وتقاليدها، وندر جزء مهما من حياته لنفض الغبار عنها وتسليط الأضواء على كنهها وفحواها، ولازال على درب هذا البحث سائرا في شعابها.
رغم أنه ظل حريصا على الابتعاد من السياسة ودواليبها أرغمناه في هذا الحوار مكاشفة، وهو المثقف اللبيب، على الخوض في جملة من أمورها التي تشغل بال الكثيرين، فكانت الحصيلة التالية.
الإنسان والمشوار
- من هو طالب بويا لعتيق ماء العينين؟
لعتيك طالب بويا ماء العنين من مواليد سنة 1954 بالصحراء المغربية بمنطقة "امشرطن" بالساقية الحمراء.نزحنا رفقة الأسرة إلى منطقة واد نون إبان الهجوم الاستعماري الغاشم على الصحراء،الاسباني منه على وجه الخصوص .وقطعنا بمنطقة واد نون (كلميم حاليا).تعلمت القرآن على يد والدتي وتابعت دراستي الابتدائية بقرية "لقصابي تاكاوست"غرب مدينة كلميم.كان والدي معلما،وانتقلت إلى مدينة طانطان وهناك أكملت دراستي الإعدادية ثم بويزكارن والرباط حيث أتممت دراستي الثانوية بمدارس محمد الخامس.وفي سنة 1970 التحقت بمدرسة المعلمين وفي ذات الوقت تابعت دراستي الجامعية بكلية الشريعة بفاس .حصلت على الإجازة سنة 1976.وعينت أستاذا لآداب العربي واللغة العربية بإعدادية الحضرمي ثانوية باب الصحراء ،بعد مضيء 9 سنوات بسلك التعليم التحقت بوازرة الثقافة ،وعينت مندوبا لها بكلميم ما بين سنتي 1985و1996.
- كنتم أول مندوب لوزارة الثقافة بكلميم أليس كذلك
نعم.لقد كان لي الشرف لافتتاح مندوبية الثقافة بمدينة كلمكيم.من ثمة عينت مديرا لمركز الدراسات والأبحاث الحسانية في غضون سنة 1996.وقضيت بمدينة العيون بهذه الصفة 14 سنة.وكنت اول من فتح مركز الدراسات والأبحاث الحسانية برسالة من وزارة الثقافة اقترحت علي التفكير في كيفية إحداث مؤسسة تصون التراث الحساني .تقدمت برؤية ومشروع فقبل،ثم عينت مديرا لهذا المركز.
في سنة 2010 انتقلت إلى مدينة مراكش حيث اضطلعت بالمديرية الجهوية لوزارة الثقافة.
واقع الثقافة بالاقاليم الجنوبية
- ماهو واقع الثقافة بالأقاليم الجنوبية؟
في الحقيقة إن واقع الثقافة بالأقاليم الجنوبية ،كممارسة يومية ،لا يرقى في نظري إلى عكس الصورة الحقيقية لمجتمع الصحراء باعتباره مجتمعا تربى بين أحضان الثقافة .انه بد من مرباه الأسري وانتهاء بمختلف الكليات والمعاهد الموجودة حاليا.
ان ماتقوم به القطاعات الوصية في نظري هزيل مقارنة مع طموح المثقفين والإمكانيات المتوفرة.هذا،علما انه لا توجد عوائق تعيق المشهد الثقافي،ولكن هناك عدم اكثرات الفاعلين وتخلي مسئولي القطاع عن القيام بمهامهم.
لكن هل السبب الرئيس الكامن من وراء هذا الوضع مرتبط بالقائمين على امور القطاع والسياسات المعتمدة ،ام بعدم اكثراث اهالي الاقاليم الجنوبية بالشأن الثقافي؟
لا ،انا لاأقول بعدم اكثرات الأهالي بصفة عامة،وانما عدم اكثرات الأوصياء على القطاع وعدم اتخاد المبادرة ،وهذا ما يؤدي الى اصابة الانسان بفتور وحتى الذي يتخذ المبادرة ،عندما لا يجد الأيادي ممدودة اليه او مجالا مفتوحة امامه من طرف المثقفين والأوصياء على القطاع على وجه الخصوص ،يصاب بالإحباط ويتخلى عن ما يصبو اليه من مبادرات وحماس .
التقافة الحسانية
- هل الثقافة الحسانية تعتبر مكونا أساسيا للهوية المغربية؟ولماذا؟
من الطبيعي على الثقافة الحسانية تعتبر من ركائز المكونات الأساسية للهوية المغربية.وهذا الموضوع سبق أن كان محور ندوات متعددة،وخصوصا انه كان محور دورة من دورات المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية .فنحن نعتبر الثقافة الحسانية مكونا اساسيا للهوية المغربية ،لان كل الجنوب والأقاليم الصحراوية تتعاطى بشكل عضوي مع الثقافة الحسانية .لهذا فمن الطبيعي ان تكون هذه الثقافة من المكونات الاساسية للهوية المغربية .فاولا ان الناطقين بالحسانية كثر والثقافة الحسانية هي ذلك الديوان الكبير الممتلئ بعادات وتقاليد وشيم واخلاقيات المجتمع الحساني في الصحراء المغربية.فكيف لا تكون مكونا اساسيا في الهوية؟ وكيف لا تكون لها اهمية كبرى خصوصا ذا اعتبرنا ذلك الترابط بين الناطقين بالحسانية ويتخلقون باخلاقها .اذن ان الثقافة الحسانية هي جزء من مكونات الثقافة المغربية بشكل عام.
- هل في نظركم تجمعت الظروف الآن للدعوة لإحداث معهد ملكي للثقافة الحسانية أم أن الوقت مازال مبكرا والظروف لم تنضج بعد؟
كما أسلفت في الدورة الأخيرة للكوركاس،كان هذا الأمر من أهم التوصيات ،بل من أولويات التوصيات التي درجت آنذاك،وهي احذات معهد للثقافة الحسانية.
ليس من حقنا ان نطلق عليه "معهد ملكي" لان هذه الصفة قد يطلقها عليه صاحب الجلالة،ولكن معهد متخصص في الثقافة الحسانية.
في الحقيقة ان الوقت فات لان الثقاة الحسانية تقافة امة باكملها و لاننسى على ان جدورها تمتد الى موريتانيا وبعض الدول المجاورة الاخرلى،انها تقافة شعب وتقافة امة ،فكيف لا يعطى لها هذا الكيان او هذه المؤسسة ،انها تعتبر الضامن لاستمرار اخلاقيات فضيلة وعاجات وتقاليد قلما يوجد مثلها في الكثير من المناطق وخصوصا الصحراء.فلو ان هناك معهد متخصص في الثقافة الحسانية لاستطاعت ان تنتشر بين افراد الناشئة والشباب ،خصوصا وانهم بدأو يتخلون عنها لانها تعيش شبه تهميش ،وهذا ما يلاحظه الانسان ابن الصحراء ويتحصر عليه من طبيعة الحال.هذا رغم ان وزارة التقافة مشكورة،في سنة 1996 احدتث ذلك المركز المتحدث عنه سالفا.
- الم يكن هذا المركز بمثابة اللبنة الأولى على هذا المسار؟
اكيد/ان مركز الدراسات والابحاث الحسانية المحدث بمدينة العيون ،كان اللبنة الاولى لتوجيه الكثير من الطلبة /خصوصا طلبة السنة الرابعة في الكليات ،لانجاز بحوث حول الثقافة الحسانية،وفعلا قد تم انجاز العديد منها همت الجمل والمتخيل الشعبي والمرأة الصحروية وعادات الزواج والعقيقية وغيرها من المواضيع .كما شكلت هذه المواضيع محاور للكثير من الندوات الوطنية والدولية.
وماذا عن احداث مسالك في الجامعات تعنى بالتقافة الحسانية وادراجها في المقررات الدراسية؟
انها خطوة اعتبرها مهمة جدا ،وهي خطوة تسجل لبعض الجامعات ،الا انه مازال ينقص "المتخصص"وفي رايي المتواضع –قد يكون خاطئا _ولكن هذه المسالك مازالت في حاجة الى متخصص في الحسانية،خصوصا اننا نرى ان الكثير من الطلبة ينجزون بحوثا في الثقافة الحسانية ،لكن هل الاستاذ المشرف –مع كل احترامي وتقديري- يستطيع ان يقوم ما انجزه الطالب ؟وهل له من الالمام بالحسانية ما يؤهله لذلك؟
على كل حال رغم ذلك،نحن نعتبر ان هذه البحوث تظل مهمة.
- هل إدراج الحسانية في المقررات الدراسية ممكنا حاليا؟
إنه ممكن بشكل كبير جدا خصوصا وأن مركز الأبحاث والدراسات الحسانية بالعيون ظل يعرف توافد كبير من قبل تلاميذ المؤسسات التعليمية الإعدادية واهتمامهم بمادة الشعر المحلي. وهذا يذل على أن هناك نقص في هذا الباب، خصوصا وأن الثقافة الحسانية في الأقاليم الجنوبية تعتبر كمادة أساسية نظرا لارتباطها بالحياة اليومية للساكنة. وبالتالي يمكن إدراجها في المقررات الدراسية. هناك مشكلة واحدة لكن يمكن تجاوزها، وهي طريقة الكتابة، علما أن الحسانية تكتب بالحروف العربية، وهذه الأخيرة تشكل 80 بالمائة في الحسانية و20 بالمائة المتبقية هي عبارة عن لهجات إفريقية أو أمازيغية وغير ذلك. المهم أنه من الممكن إدراج الحسانية في المقررات الدراسية، خصوصا أنه الآن أصبحنا نتوفر على الكثير من التآليف تعنى بالثقافة الحسانية، وهذا يمكن، بطريقة أو بأخرى، أن يُكيّف كمواد في تلك المقررات الدراسية.
- لكن ما هو وضع الثقافة الحسانية في الأقاليم الجنوبية؟
إن وضعها نسبيا لا يلائم في نظري منتجي هذه الثقافة. كما يعلم الجميع، لإن الثقافة الحسانية ثقافة شفهية، وإن لم تُدوّن فإنها ستذهب بذهاب حملتها في صدورهم، سواء تعلق الأمر بشعرها أو بنترها. وعلى كل حال إن الباب الوحيد الذي لازالت تطل منه هذه الثقافة، ويُشكل رافدا مهما لصيانتها، هي الإذاعات الجهوية بالداخلة والعيون ومحطة قناة العيون الجهوية، هذا رغم الشوائب التي تعتري ما يتم تقديمه من منتوج في هذا النطاق.
الشباب والحسانية
- كيف يتعاطى الشباب مع الثقافة الحسانية؟
الشباب منقسم، هناك من تخلى مرغما على الثقافة الحسانية نظرا لأنه بمجرد أن نزح من الصحراء بسبب رحيل العائلة أو بسبب الدراسة أو العمل، لم يعد الشاب مشبعا بما فيه الكفاية بالثقافة الحسانية. وهناك من الشباب – خصوصا منهم من تلقوا تعليمهم بالأقاليم الجنوبية – لازالوا يتمسكون بها. بل أهم من ذلك، إن الطلبة في بحوثهم حول الثقافة الحسانية ساهموا في انطلاق شبه نهضة ورجوع إليها للبحث عن خصائصها وتتبع أغانيها وعاداتها وأشعارها في مواسيم الربيع والأمطار وغيرها. وهذه مظاهر إن دلت عن شيء فإنها تدل على التشبث بالهوية الصحراوية الأصيلة، بما فيها الثقافة الحسانية، وهذا ما يثلج الصدور.
الحسانية والإعلام
- كيف يتعاطى الإعلام الرسمي مع الثقافة الحسانية؟
للأسف الشديد إذا استثنينا الإذاعة الجهوية بالداخلة ونظيرتها بالعيون ومحطة العيون الجهوية، فإن الإعلام الرسمي، أعتبره مقصّر جدا فيما يتعلق بهذه الثقافة، وعندما أقول الثقافة الحسانية، فأنا لا أقصد ذلك الاهتزاز الذي يتم على نغمات موسيقية حسانية قد لا ترقى إلى المستوى الحساني المعروف، كما لا أقصد بها تلك المعارض التي تقيمها قطاعات الصناعة التقليدية أو السياحة من حين لآخر. أنا أقصد بالثقافة الحسانية تلك الثقافة الغزيرة والعالمة والعلمية والتربوية، يعني أن الشخص منذ نعومة أظافره، في الثقافة الحسانية، يتعلم أشياء كثيرة سواء عن طريق الشعر أو الحكايات الشعبية أو الأمثال، سواء أخذها عن طريق المخطوطات التي كتبها حُفّاظ وعلماء. إن الخيمة التي كانت تحول بين المرء والسماء في الصحراء كانت بمثابة جامعة متنقلة هنا ونهاك. إذن من الطبيعي أن يتخرج منها علماء أجلاء ومثقفون كبار. لذا أرى أن الإعلام الرسمي يتعامل مع الثقافة الحسانية بطريقة سطحية جدا، علما أنه يقتصر على بعض الأغاني الحسانية التي لا ترقى إلى درجة الأغنية الحسانية بمفهوم الكلمة، ثم قد تظهر من حين لآخر بعض منتوجات الصناعة التقليدية، كأنه يختزل الثقافة الحسانية في هذه الأشياء.
رد الاعتبار وسبل التطوير
- ما هي السبل الكفيلة لتطوير الثقافة الحسانية؟
أولا يجب على الإعلام أن يواكب العطاء الهام والزاخر من الثقافة الحسانية. ففي الجنوب تُقام أحيانا ندوات ولقاءات علمية حول هذه الثقافة، ويجب متابعتها والاهتمام بها إعلاميا. كما وجب عدم الاقتصار على الإعلام الموجه في الأقاليم الجنوبية. إن القناة الجهوية بالعيون، تعنى بشكل عام بالثقافة الحسانية لكنها تظل قناة موجهة، كما أن الكثيرين لا يتابعونها سيما خارج المنطقة. فلو أن هناك مواكبة ونشر ما ينجز حول الثقافة الحسانية، لكان هنالك نوع من إضفاء جانب التعريف بها، وبالتالي فلا مندوحة عن تظافر الجهود في هذا المضمار. فهناك برنامج مهم جدا يبث في شهر رمضان حول جانب من جوانب الثقافة الحسانية، يسمى بـ "سباق القوافي" وهو ميدان للتباري بين الشعراء الشباب، لمن لا يتابعه إلا ساكنة العيون وفي موريتانيا. فلو أن هذا البرنامج – على سبيل المثال لا الحصر- كان ينشر على صعيد أوسع لعلم الكثير من الناس أن الثقافة الحسانية لا يمكن اختزالها فيما سبقت الإشارة إليه. إذن لا مناص من إعطاء هذه الثقافة المكانة التي تستحقها، وذلك باعتبارها ثقافة أمة وثقافة شعب، إذ أن الجنوب المغربي كله يتعاطى لهذه الثقافة. وهناك أفلام وثائقية وفرق مسرحية بالداخلة فازت برتب متقدمة في أكثر من مهرجان.
- هل هذا يعني أن الثقافة الحسانية في حاجة إلى رد الاعتبار؟
طبعا، إن الثقافة الحسانية في حاجة ماسة إلى أن يُردّ إليها الاعتبار، لأنها هي أخلاق وعادات وسلوك وتربية وعلم...
- وعلى من تقع مسؤولية رد الاعتبار؟
إنها مسؤولية ملقاة على عاتق الجميع. فالجهات الرسمية لا يمكنها تحملها لوحدها، بل المسؤولية الأولى هي في عنق أبناء الثقافة الحسانية وأهلها، علما أن الكثير منهم تخلوا عن تحمل هذه المسؤولية بدعوى تبريرات متباينة لكنها واهية. والملاحظ أن قولة الشاعر حافظ إبراهيم في اللغة العربية في زمنه تنطبق بالتمام والكمال على واقع الثقافة الحسانية حاليا:
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي
رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي
إن الثقافة الحسانية ثقافة عالمة وزاخرة، لكن مع الأسف حتى حملتها يتحملون المسؤولية في إهمالها والتخلي عنها ولو نسبيا.
- قصد تسهيل الإطلاع على الحسانية وفهمها من طرف غير أهلها، ألم يحن الوقت بعد لإنجاز قاموس خاص بها؟
نعم، لقد سبق أن قلت إن الثقافة الحسانية تعاني من مسألة أساسية وهي طريقة الكتابة، وإنها تكتب بالحروف العربية، لكن هناك بعض الأحرف لو وُضعت لها طريقة للكتابة والقراءة الصحيحة لكانت كتابة الحسانية سهلة وفي متناول الجميع. مثلا هناك حرف الزاي أحيانا يكون مغلظا ويعني شيئا وأحيانا أخرى يكون مرققا في نفس الكلمة ويشير إلى معنى آخر، وكذلك الأمر بالنسبة لحرف اللام.
وفعلا كانت هناك بعض المحاولات، وقد تعرفت على شخص بالعيون اهتم بإشكالية كتابة الحسانية، وشرع في إعداد قاموس حساني إلا أنه لم يكتب أن يتم العمل لجملة من الصعوبات والإكراهات، ولو وجد المساندة والمساعدة لاستمر في عمله غير المسبوق.
إلى حد الآن أقدم برنامج بقناة العيون الجهوية يسمى " مداد الشعراء"، إذ أختار قصيدة لأحد الشعراء وأبحث عن خيال الشاعر وأبيّنه باللغة العربية، ثم أستخرج بعض الكلمات وأشرحها لكشف مدلولها ومرادفاتها ومصادرها واشتقاقاتها وأصلها، إلا أن بث هذا البرنامج يبقى مقتصرا على قناة العيون. كما كنت سابقا أقدم برنامج تحت اسم " كلمات حسانية" يبث على القناة الرابعة، إلا أن الكثيرون لا يتابعون هذه القناة ويبقى التأثير محدودا، علما أنني كنت وقتئذ أتلقى مراسلات عديدة يتعجب أصحابها لغزارة المعاني التي تنطوي عليها الحسانية. كما أن هناك كلمات تنطق لكنها لا تكتب ويمكن أن تختصر بفضلها جملا، لكن مع الأسف لا يفهمها إلا الحساني.
الحسانية والقضية الوطنية
- هل من دور تلعبه الثقافة الحسانية في الدفاع عن القضية الوطنية وخدمتها؟
سأجيبكم بمثال حساني "العربي للعربي رحمة" والمقصود هو أن الإنسان الذي ينطق بلغته رحمة لمن ينطق بنفس اللغة. ففي مرحلة من المراحل تفوق علينا الخصوم بفضل تمسكهم بالحسانية، لباسا وعادات وتقاليد، إذ كانوا يسافرون ومعهم ما يسمونه "متاحف متنقلة" إلى الدول الأوروبية والدول الغربية لاستنجاد رحمتها ودعمها، بينما نحن تخلينا عنها رغم دورها الفعال. عندما يخاطب الحساني الحساني الذي يعرف لغته ونفسيته، فإن في ذلك عمل جبّار في خدمة القضية الوطنية، لكن مع الأسف تُخلي عنها بدعوى أنها لهجة تُستعمل في أحايين خاصة وتُركت، لهذا ظل دورها في خدمة القضية مهمّشا.
لقد روّج الطرف الآخر أشرطة سمعية غزت الكثير من الدول، وتفوقوا علينا إعلاميا بهذه الطريقة.
- إذن دور الحسانية في هذا المجال لازال قائما؟
عندما تكون هناك مقابلة تلفزية مثلا لأحد منا غير حساني قد يمرّر عليه الكثير من الكلمات وربما البرقيات والمعاني تستوجب الرد لكن لا يتم ذلك وبالأهمية التي تستوجبها الحالة نظرا لعدم إتقان الحسانية. أظن أنك فهمت المقصود .
التعاطي مع ملف الصحراء
- كأحد أبناء الأقاليم الجنوبية، كيف تقيمون التعاطي الرسمي مع ملف الصحراء؟
لا أخفيك سرا أنه من طبيعتي لا أخوض في المجال السياسي، وقد مرّت بي مراحل كثيرة وطُلب مني المشاركة في مراكز سياسية لكنني داومت على الرفض المطلق . في نظري، السياسة هي عبارة عن عربة تمتطيها اليوم وغدا تصاب بعطب وتتخلى عنك ولن تصل إلى هدفك كما تتصوره. لذا من الأفضل ركوب الجمل في رحلة أدبية ولا محالة أنه سيصلك إلى المبتغى. خصوصا وأنه في الوقت الراهن تناسلت هنا وهناك ندوات ولقاءات، لكنها ظلت عموما مطية لهدف ما، وأنا لست من أولئك الذين يبحثون عن تلك المطايا لتحقيق أهداف معينة.
نعم، أنا ابن الأقاليم الجنوبية وأقمت بها، وفيها تربيت وترعرعت، وأعرف تقاليدها وأنا باحث في هذا المجال، لكني أرفض أن أخوض في المجال السياسي. إلا أنه يمكن القول إن التعاطي الرسمي مع ملف الصحراء كان لابد له من مكون ثان يصاحبه ويرافقه، وهو المجتمع المدني، علما أن هذاا الأخير لم يظهر إلا مؤخرا.
جدل الإصلاح الدستوري
- هناك من يلاحظ نوعا من التراخي البارز في مساهمة الأقاليم الجنوبية في حركية الجدال حول الإصلاح الدستوري، فما مرد ذلك؟
في نظري هذا نوع من الفتور الذي يعتري المبادرات السياسية. فعندما تظهر مبادرة سياسية في الأفق يهلل لها الكثيرون، منهم من له خبرة ومنهم من يمتطيها من أجل تحقيق مرامي معينة.
لكن هذه المستجدات التي حدثت على مسار القضية الوطنية مهمة، إلا أنه لابد من التعامل معها بحذر لأن الخصوم في جعبتهم مكائد كثيرة ويتوفرون على العديد من الأوراق لن يفروا جهدا للعمل على محاولة توريطنا.
الحزب والقبيلة والنخبة
- كيف تقيمون وضع الأحزاب السياسية بالأقاليم الجنوبية؟
أنا شخصيا لا أرى أن هناك أحزابا سياسية بالأقاليم الجنوبية بقدر ما هناك تحزبات قبلية، وهذا أمر معيق. في الحقيقة،إن عامل الحزبية في هذه الأقاليم غير موجود. إن الانتماء القبلي يعتبر أكثر حضورا من الانتماء السياسي أو الحزبي. فحتى إن كان هناك انتماء حزبي، فكلما طرأت انتخابات تم التخلي عن هذا الانتماء لصالح الانتماء القبلي. وإن حدثت ثغرات ما يتم اللجوء إلى المال ليظل العامل القبلي هو الطاغي والمسيطر.
- هل تعتبرون أن القبيلة تؤثر سلبا على مجرى الحياة السياسية بالأقاليم الجنوبية؟
إن العلاقات القبلية تفسد ظهور النخب الصالحة لتتبوأ المكانة اللائقة بها حسب الاستحقاق. فإذا أردت وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، فإن عامل القبيلة يحول بينك وبين ذلك. وأنا شخصيا قد عانيت من هذه الحالة.
في الأقاليم الجنوبية لا يمكنك أن تضع الشخص المناسب ومكانه المناسب أو المكان الذي يستحقه، وذلك بفعل التأثير الكبير للولاء القبلي، وهذا أمر معرقل ومعيق لبروز النخب. في الصحراء مثقفون كثر ومن مختلف القبائل، إلا أنهم لم يتبوؤوا مكانة سياسية نظرا للعوامل القبلية المجحفة التي مازالت قائمة في وجه الشباب.
- مادام القبيلة تعد أحد مرتكزات المجتمع بالأقاليم الجنوبية، ألا يمكنها أن تلعب دورا إيجابيا عوض أن تكون عاملا معرقلا؟
الكل يعلم أن المجتمع القبلي لا يخلو من حزازات ، ومهما كانت محاولات إصلاحها ستظل قائمة، وقد تتدخل من حين لآخر لكي ترد التطور الطبيعي عن مساره الحقيقي. ففي المجتمعات القبلية الولاء يكون دائما للقبيلة قبل المكانة والاستحقاق، الفرد دائما مأخوذ برابط يعيق عمله و ويعيق كذلك المسار الطبيعي لتطور المجتمع.
- كيف تقيمون واقع ومعاناة النخبة بالأقاليم الجنوبية؟
في الأقاليم الجنوبية شباب واع وطموح ومثقف وذكي، وفي استطاعتهم تحمل المسؤولية ولهم من القدرة والدراية لكي يتبوؤوا مناصب راقية، ولهم الغيرة المتقدة على الوطن، إلا أن العامل القبلي ظل المعرقل الأساسي.
ففي فترة كان يقال إن الكلمة دائما للشيخ أو للمسن أو للأب وليس من حق الابن أي رد، لكن بعل التطور الذي عرفه المجتمع الصحراوي خفّت هذه المعوقة وأضحى الشاب يعبّر عن رأيه، لكن كلما وصل الأمر إلى تبوؤ مكانة سياسية مهمة، قد لا تكون قبيلة المعني بالأمر عائقا لكنها تجد معارضة قاسية من طرف بعض القبائل الأخرى أو بعض الأشخاص من هذه القبيلة أو تلك، كأن الأمر يرتبط بكعكة وجب اقتسامها أو السعي للفوز بأكبر حصة منها. هذا ما يعاني منه العديد من شباب الأقاليم الجنوبية.
- هل في نظركم، الأقاليم في حاجة لنخبة جديدة؟
كما يقول المثل الحساني:
إشوف الشيباني
التاكي الماشاف
أفكراش الواكف
و معناه يرى الشيخ المضجع ما لا يراه الشاب اليافع، أي أن الشيخ المسن يرى ببصيرته وتجربته أكثر مما يرى الشاب الواقف المنتصب المعتمد على ثقافته وقوته البدنية.
فحتى لو قلنا بوجوب فسح المجال أمام النخب، إلا أن هناك من ذلك ارعيل المربي لا يمكن الاستغناء عنه ولو لمصاحبة الشباب إلى حين، في التوجيه والنصح والإرشاد لكن دون التقرير الحتمي لكي تفتح الأبواب للطاقات الشبابية المتعلمة والمثقفة حتى تأخذ المسار.
- هل مازال الشباب في الأقاليم الجنوبية؟
لا ليس هناك إقصاء للشباب في نظري، فقد تم توظيف الكثير منهم ومنهم من تسلموا وظائف مهمة، إلا أنه ربما أن هذا الأمر لم يشمل كل الشباب لأن عددهم يتكاثر باستمرار.
- هناك من يقول أن الشباب فقد الثقة في اللعبة السياسية، فما رأيكم؟
أعتقد أن الشباب لم يفقدوا الثقة بطلاقة هذه المقولة، لكن نعلم أنه لا يمكن أن يستوي طموح الشباب مع طموح من يكبرونهم سنا لأن لكل منظاره. وتظل القضية مرتبطة بفتح المجال الملائم لهؤلاء الشباب ليبيّنوا عن جدارتهم في المجال السياسي، وهذا ما يعيق التنمية بمفهومها الجديد.
- هناك من يعتبر أن المجتمع المدني مازال ضعيفا بالأقاليم الجنوبية، بل هناك من ينكر وجوده أصلا؟
لا أوافق هذا الرأي لأن المجتمع المدني بالأقاليم الجنوبية في حركية دائمة، سيما على مستوى الشباب والنساء, إنه مجتمع قوي، لكن للأسف الشديد إن المجتمع البيضاني أو الحساني مازال لم يفهم بعد في عدد من جوانبه. يجب أن نفهم العنصر البيضاني قبل أن نتعامل نعه ، فإن عرفناه حق المعرفة وعلمنا كنهه كونه شعلة من العلم والذكاء والأنفة والقيم ربحناه، وإن تعاملنا معه على غير هذه النظرة خسؤناه على الإطلاق. وهذا قد يحسبه البعض ضعفا وهو خطأ.
- هل عدم الفهم هذه قد يكون وراء فشل بعض المسؤولين في التعاطي للأمور بالأقاليم الجنوبية؟
أنا أقول أنه وجب سحب كلمة "قد" الواردة في السؤال، لأن هذا المشكل بعينه. إذا علمنا كيف نتعامل مع العنصر الصحراوي المغربي، العنصر البيضاني كما يسمى، آنذاك نستطيع امتلاكه خلقيا وبأنفة، وهذا ما شكل عائقا في الكثير من المواقف على امتداد سنوات.
وأخيرا
- كيف تنظرون إلى مغرب الغد؟
من طبيعتي، أنا لست متشائما، إن المغرب دولة متقدمة وراقية وكثيرة الخيرات، يعيش فيها الضعيف والقوي. إن مغرب الغد مغرب مشرق، لكن وجب أن يفتح المجال أمام الشباب، ونحن نعلم أن هذه الصراحة وحرية التعبير التي نحياها اليوم وكثرة الخيرات، إن أخذت بشكل يعتمد الصدق والصفاء، فإننا ستسير أحسن مما نحن عليه إن شاء الله.
حاوره إدريس ولد القابلة
التعليقات (0)