ألطالبي يتأرجح بين غرق الشيخوخة
و الانفعالية الفكروية
بقلم :عبد السلام الزراع
طالعتنا جريدة الصريح اليومية بمقال( الصريح 18 جويلية 2011) للأستاذ محمد ألطالبي (1) تناول فيه الرد العنيف علي السلفية و اتهمها بالإرهاب و بدا على السيد ألطالبي الانفعال و التشنج في رده على الدعوات التي صدرت على حسب اعتقاده من ثلاثة منظمات إرهابية يهدر دمه
المنظمات على حسب اعتقاده هي التي أصدرت دعوات مختلفة تطالب بقتله لما صدر منه في الأيام الفارطة من تطاول على المقدسات و هي=
منهج السلف الصالح
منظمة توحد الراية
و شخص يطلق على نفسه أبو تميم التونسي
الأستاذ ألطالبي كان معروفا للذين يعيرون الفكر الإسلامي اهتماما بالدرس و البحث لكن الذي اثأر استغراب البعض خروجه عن المألوف و تحول من خانة البحث الأكاديمي المتزن و الرصين ذات المقاييس المضبوطة و الدقيقة إلى الوقوع في مهاترات يعرف مسبقا انه لا يجني منها إلا الاتهامات و القلاقل و يردد و يعيد انه لن يسكت من ألان فصاعدا عن هؤلاء الذين يطلق عليهم بالسلفيين.
ما قاله منذ أسابيع موجها كلامه إلى رئيس حركة حزب النهضة قائلا << قل ما شأت إما للعنف فلا مبرر له ؛ إذ سيقال انك تطورت لكني اشك في تطورك هذا من الرفض الكلي للديمقراطية إلى الدعوة إليها ؛لذلك اعتبر دعوتك غير صادقة لأنك سلفي و السلفية و الديمقراطية لا يلتقيان أبدا؛ فالسلطة دعمت الديكتاتورية من أيام الخلفاء الراشدين (الصريح الأربعاء 1 جوان 2011)
كان رد الشيخ الغنوشي بكل إيجاز و وضوح << هل قرأت كتبي لتحكم علي سلفي و معادي للديمقراطية؟>>
لقد سال نفس السؤال على لسان الصحفي لطفي العماري فأجاب ألطالبي بالنفي و علل ذلك بان كتب الغنوشي غير متوفرة في الأسواق التونسية بذريعة إنها ممنوعة فرادفه بسؤال لا يقل إحراجا عن سابقه << لكنك أستاذ أنت تقيم بفرنسا و كتب الغنوشي متوفرة هناك و مشهورة و أنت تشتغل علي الفكر الإسلامي >>
أفصح ألطالبي عن جهله بالحركات الإسلامية و بكل ما يكتب عنها هذا ما أوقع ألطالبي نفسه في مطيات كلما حاول الخروج منها سقط في المزيد من المغالطات و هو عن وعي بها لكن الكبر والتأمر على الدين يحولان دون الاعتراف. الأستاذ ألطالبي حاد عن هذا المسار و دخل في مهاترات فكروية كان لها الانعكاس السئء على شخصه و ألمساره الفكري الذي قطعه لعدة سنوات و لذلك اخذ يخوض في مناظرات لم يعد لا سنه و لا قواه الذهنية في هذه المرحلة بالذات تسمح له بطرحها على الرأي العام الذي لا يفرق بين مختلف المصطلحات الفنية فمن الحكمة تجنب هذا << الغزالي إلف كتابا سماه "لجم العوام على علم الكلام >> لمعرفته أن هناك مسائل فقهية و أصولية لا يمكن لذوي الاختصاص طرحها على العامة لكن الذي لاحظناه أن الخلفيات التي يحملها الأستاذ ألطالبي تحول دون ذلك لم يوفق في اختيار الموضوع و في اختيار الوقت المناسب اللذان أراد من خلالهما الدخول في مناظرات و جدال في مسائل خلافية عن طريق وسائل الإعلام لا تتوفر فيها النزاهة و الحياد كان من الموضوعية و الرصانة تجنب المواضيع الخلافية ذات شبهة لكي لا تقع البلبلة و التشويش لدى الرأي العام تجاه مسائل يعتبرها من الثوابت فوقع ألطالبي في براثن المنطق الصوري الأرسطي و ألاعيبه الجدلية العقيمة وغرق في المنهج الاستنباطي الى النخاع و انطلق من الكلي إلى الجزئي إلى إن توصل إلى إصدار لإحكام عامة غير موضوعية تصنفه في خانة المبتدئين في علم المنهج. . و الغريب و المستغرب الخلط الفادح و المقصود بين مختلف الاصطلاحات الإسلامية بدون ادني مجهود للوقوف على الفوارق الفنية لغرض إدخال القارئ في التباس و تشويش ؛يطلق لفظ الشريعة على كل ما هو إحكام تشريعية أ صبح لا يفرق بين الشريعة وبوصفها أحكاما قرآنية و الإحكام السنية و بين الاجتهادات الفقهية يقول الأستاذ ألطالبي <كل من يحتكم إلى الشريعة فهو سلفي و كل سلفي هو بالضرورة إرهابي> ثم يضيف ألطالبي <السلفية بكل أصنافها و أبواقها واحدة تتقاسم الأدوار ؛عاقل و سفيه؛الشئ الذي يدعو للاستغراب كيف أستاذ في مقام ألطالبي يجمع جميع أصناف السلفية في خانة واحدة و قسمهم إلى قسم ينظر ويقدم الرؤى و القسم الأخر يطبق و ينفذ ما أمر بها الأول في نظر ألطالبي كل من يطبق الشريعة سلفي و كل سلفي إرهابي و كل إرهابي يؤمن بحكم الردة .
قاعدة القياس في المنطق الأرسطي تكون على النحو التالي
الشريعة سلفية............(مقدمة كبرى)
السلفي إرهابي...............(مقدمة صغرى)
الشريعة إرهابية............(نتيجة)
ألطالبي لم يخرج عن المنطق الأرسطي الصوري الاستنباطي و هذا المنطق تجاوزه التاريخ و أصبح ألان وفق المنهج العلمي الحديث استقرائيا ينطلق من الجزئي إلى الكلي عكس ما يقوم به استأذنا المحترم . ألطالبي لم يقف عند هذا الحد بل أنكر السنة جملة و تفصيلا و اعتبرها من الإعمال البشرية كيف يقع ألطالبي في مغالطة أخرى لا تقل فداحة عن سابقاتها أقسام السنة ثلاث السنة القولبة و السنة الفعلية و السنة التقريرية.
إن الرسول ينطلق من مرجعية نصية إلا و هو القرآن و و هناك العديد من الإحكام التشريعية مستوحاة من القران كيف يدعي الأستاذ ألطالبي انه قرأني المنهج و يلغي جوهر التشريع الإسلامي بإلغائه السنة النبوية .
هناك أقسام من السنة=
السنة القولبة =هي التي نطق بها الرسول (ص) في إغراض و مناسبات متعددة كقوله <إنما الإعمال بالنيات > و قوله <المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده>.
السنة الفعلية= هي السنة التي صدرت عن الرسول (ص) موضح للتشريع ليأخذ به المسلمون كالذي وقع منه في مناسك الحج و إعمال الصلاة و في المعاملات كالبيوع و التقاضي إلي غير ذلك كإقامة الحدود. السنة التقريرية = و هي سكوته عن الإنكار عند رؤية شخصا يقول قولا أو يفعل شيئا مع القدرة على الإنكار سواء كان ذلك صادرا في حضرة الرسول(ص) أو بغيبته ثم بلغه لأنه لا يسكت عن منكر من ذلك . يقول الأستاذ الشيخ محمد الطاهر النيفر
< السنة هي مفتاح القرآن و نصف الدين و متممه له > قال تعالى< و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما انزل إليهم> إذا جاء الشك حول السنة و هدمت أركانها فيتبع ذلك هدم الدين بل هدمت اغلب إحكامه التي بنيت على السنة تبيانا أو تشريعا و بما أنها متماسكة مع القرآن لا يمكن إن نفصل احدهما عن الآخر فإذا انهار احدهما انهار الآخر ( أصول الفقه الشيخ محمد الطاهر النيفر دار بوسلامة تونس ألطالبي و شرب الخمر .
ما الذي دفع بالأستاذ ألطالبي إلى الرجوع إلى مسألة محسومة وقع البت فيها في الفقه الإسلامي ؟ ما الذي جعله يطرحها على العامة و في وسائل إعلامية خديجة تبحث عن الإثارة و إحداث الفتن؟
هذه التساؤلات لا نجد إجابة إلا إذا عدنا إلى الأسباب الأولى التي دفعت بالطالبي إلى توخي أسلوبا اقل ما يقال عنه استفزازي و مغرض.
في المناظرة الفريدة التي دارت بينه و بين الشيخ عبد الفتاح مورو غلى أمواج شمس أف أم يقول ألطالبي في هذا الشأن
< بسط الشيخ مورو نظرية أهل السنة في تحريم الخمر على التدريج (البقرة 219 النساء43 المائدة90 91 ) و أضاف قائلا< إن فعل اجتنب الذي فسره اللسان و التاج العروس بمعنى لا يفيد التحريم >
و يختم بالقول إن الرسول (ص) كان يشرب النبيذ و ذكر إن العباس عم الرسول (ص) سقاه النبيذ في حجة الوداع فشرب كبقية الحجاج>>
المغالطة الأولي إن اجتنبوه لا تفيد التحريم
المغالطة الثانية إن الرسول (ص) كان يشرب النبيذ
عن ابن عمر قال رسول الله< لعن الله الخمر و شاربها و بائعها و مبتاعها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمولة إليه> عفوا إن ألطالبي لا يعترف بالستة, الآيات التي وردت في التدرج في تحريم الخمر= << يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكثر من نفعهما>> (البقرة219) << يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و انتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون >> النساء43) <<يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر والأنصاب و الازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان إن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلاة فهل انتم منتهون>>المائدة 90 91 )منتهون عند ألطالبي لا تفيد التحريم مسالة النبيذ = هل يعقل إن الرسول (ص) شرب النبيذ المسكر ؛ نعم لقد شرب النبيذ المحلى غير المسكر و كانت العرب معتادة على ذلك في العصر الجاهلي
عن سهل ابن سعد قال دعي أبو سيد الساعدي رسول الله في عرسه و كانت امرأته يومئذ خادمهم و هي العروس و قال سهل تدرون ما سقت رسول الله (ص) أنقعت له تمران من الليل فلما أكل سقته إياه و ما كره من نقبع الزبيب و غيره من تمر على ما تغير و كاد يبلغ حد الاسكار و في الحديث هنا إن المدة التي ذكرها سهل و هو من أول الليل إلى إثناء نهاره لا يحصل فيها التغيير جملة.
لكن الأستاذ ألطالبي يتعمد المغالطة و تزييف الحقائق غاية التشويه و التفطين.
الخاتمة=
الأفكار التي ادعى فيها ألطالبي إنكاره للسنة نقلها عن المستشرق اليهودي فولد سهير (1921_1850) الذي قال عن السنة في كتابه " دراسات إسلامية " إن الحديث لم يدون إلا في الوقت الثالث للهجرة و ان المسلمين كانا طوال تلك الفترة لا يعرفون الحديث و لا يعملون به.
(عن د.حمادي ألعبيدي الفجر 22 جويلية 2011)
لكن تاريخيا إنكار حجية السنة ظهرت في البصرة في العصر الأول للإسلام ؛ فالبصرة كانت ثغرا تجاريا فترد عليها المتاجر من الفرس و الهند و مع تلك البضائع تأتي الملل و النحل من كل مكان
(ص 47 أصول الفقه محمد الطاهر النيفر دار بوسلامة للنشر تونس)
و نكران حجية السنة رد عليها الشافعي في كتابه" جماع العلم"التي تقول فلا حجية إلا في القرآن و لا دليل الا ما كان مستمدا منه و معتمدا منه.
إذن الأستاذ ألطالبي لم يأتي بجديد سوى انه أعاد الجدل الذي كان من مختلف الملل و النحل التي ظهرت في العصر الأول من الإسلام لغرض تغذية المآزم و المشاحنات الفئوية الضيقة.
لسنا من الذين يهيمن عليهم هاجس الفكر التآمري لكن في قضية الحال لا يمكن فصل بعض الوقائع و الإحداث السياسية لتكون لنا منطلقا لسبر غور الخلفيات الفكرية و الايديولجية للسيد ألطالبي ماخرا طلعتنا جريدة الفجر بمقال تروي لنا قصة مفادها إن ألطالبي
شارك في ملتقى بفرنسا و تولى لافتتاحية بنفسه منوها بالقزدغلي في
ملتقى تاريخي انعقد 22 25 مارس 1999 هذا الملتقى ضم لأول مرة مجموعة من المؤرخين من تونس و فرنسا و الدولة العبرية
و من بين المشاركين
عبد الحميد الارفش
و العربي شويخة
عبد الواحد المكني
عبد الكريم العلاقي
هؤلاء موجودون في الهيأة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي
(المصدر الفجر 3 جوان 2011)
عندما نقرا هذا لا نملك إلا القول إن كل الذي يقوم به الأستاذ ألطالبي الا مسرحية قذرة تصب في مصلحة إطراف أجنبية لعل الإحداث القادمة إن شاء الله تكشف لنا عن خباياها.
عبد السلام الزراع
التعليقات (0)