الطائفية تنتهي بالقتل على الهوية
كتب محمد المرباطي
مخاطر التعصـــب المذهــبي الطائفي الطائفية مرض ينتهي بجرائم القتل على الهوية، محاربتها واجب على كل وطني، وكل من يدعي انه لا طائفي، بعد ان استفحل خطرها وعلا صوتها، فالمتأمل في واقعنا البحريني يصاب بالإحباط نتيجة لتعرض هذا الشعب لآفة التعصب الطائفي الذي تسبب في انقسامه الوطني، وصار للطائفية مكوناتها السياسية والاجتماعية التي تقيس مواقفها وسياساتها وافعالها بمقاييس الانتماء المذهبي، وقد تفاقم امرها حتى صار الوطن والمجتمع في خطر، بعد ان انقسم الشعب البحريني لفئتين سنية وشيعية، وبين هذا وذاك تتماهى الوطنية ومكوناتها من احزاب وشخصيات، ثم تناسلت وتفرعت لفئات اصغر داخل جماعاتها المذهبية اشد تعصباً وانحيازاً، ولهذه الجماعات سمات مشتركة سواء كانت سنية او شيعية او تنتمي لعقائد اخرى انها لا تقبل بالآخر، وتطبع كل من يخرج عن طاعتها او يرفض سياستها او فكرها ومنهجها بالكفر والظلال او الموالاة والخروج عن جادة الصواب، وكلما تشظت لفئات وجماعات اصغر ازاداد تعصبها وانحيازها لأفكار اكثر خطورة وتهديدا لأمن واستقرار المجتمع، فنجدها تتبع سياسة التجريم والتكفير والتنابز ضد مخالفيها، وقد دخلت علينا كلمات جديدة لم تكن متداولة بشكلها الواسع مثل الروافض والخوارج والنواصب والموالاة وغيرها، وخطورة هذه الكلمات في تعميمها، كأن نجمل السنة بالنواصب والموالاة والشيعة بالروافض والخوارج والشيوعيين والليبراليين والقوميين والعلمانيين بالكفرة والإلحاد، وكلما اشتد التعصب كلما زاد تأثيرها، وقد تتحول لنوع من القذف تصل لمشادات وصراعات تدفع ببعض الجهلة للانتقام الذي يؤدي لصدامات دموية وللقتل وسفك الدماء، والفوضى السياسية وغياب منطق العقل، يسود خلالها الفساد وانتهاك الحقوق والحرمات، وبروز فئات من الجهلة والانتهازيين تجد مصالحها في تعميق الانفلات الأمني والسياسي، وتعميق الكراهية بين ابناء الوطن الواحد والمصير المشترك من خلال استحضار مآسي التاريخ التي اصبحت جزءا من المكون النفسي والفكري، جعلت كل فئة مطبوعة بهيئتها ومظهرها الخارجي والداخلي لجماعتها الفئوية. ان هذه الصراعات المذهبية الطائفية العبثية تثير حزناً والماً في نفوس الوطنيين والعلمانيين، وكل المخلصين لهذا الوطن الذين يجدون ان الإسلام بتراثه وتاريخه ومخزونه الحضاري ليس صراعات واصطفافات سنية شيعية، فالإسلام بمخزونه الثقافي والفلسفي المتنوع والمتشعب تجاوز منطق الاصطفاف الطائفي أو المذهبي الضيق، ولا يجوز إطلاقاً اختزاله في مذهبين أو فرقتين الشيعة الاثني عشرية والسنية، فالإسلام ابعد واشمل من المذهبين أو الفرقتين السنية والشيعية. إن الإسلام قد تشعب إلى عشرات الفرق والمذاهب التي بلغت قرابة 260 مذهبا وفرقة حتى عام: «459هـ - 1038م»، ولكن الدراسات الإسلامية الحديثة خاصة في بلادنا تحاول إقفال هذا الجانب وعدم الحديث عنه أو بحثه، والتعميم الخاطئ ان جميع هذه الفرق والجماعات والمذاهب الإسلامية على باطل، ومن خلاله يجري تشويه تاريخ العلوم والفلسفة والمنطق وعلم الكلام في الإسلام، واختزاله في صراعات عفوية تنم عن ضحالة أصحابها، ويجرى على خلفيتها إصطفافات طائفية ومذهبية في غالب الأحيان، ويقاس المرء ليس حسب أدائه وإخلاصه ونزاهته، وإنما حسب انتمائه المذهبي، وهي عملية تغييب الدور الحقيقي للفرد ولمؤسسات المجتمع السياسية والمدنية عندما تتحول من مؤسسات للشعب إلى جمعيات ومؤسسات واحزاب لطائفة أو فرقة مذهبية. نستدل من خلال البحث ان الفرق والمذاهب الإسلامية نشأت بعد وفاة الرسول بزمن، ومنها المذاهب السنية، فقد ظهر أبوعثمان ربيعة بن أبي عبدالرحمن فروخ، مولى قبيلة آل المنكدر وهي إحدى أفخاذ بني تميم، الذي اشتهر بالافتاء بالرأي، وعرف بربيعة الرأي وفقيه أهل المدينة وتوفي عام 130هـ، وهو أستاذ مالك بن انس الذي اشتهر بداية عهده الافتاء بالرأي ثم تراجع عنه، بعد انقسام المسلمين إلى فريقين وهم أهل الحديث أو أهل المدينة، وأهل العراق الذين اخذوا بالرأي على مذهب أبي حنيفة، فأبوحنيفة وهو النعمان بن ثابت الكوفي وجده زوتى الذي ترجع أصوله إلى أفغانستان «كابل» ولد عام «80 هـ» وعاش فى الفترة: «80 – 150هـ» وهو مؤسس المذهب الحنفي وصاحب علم الرأي، ثم جاءت الشافعية نسبة للإمام الشافعي وكان تلميذا للإمام مالك ثم الحنبلية، وبعدها بزمن جاءت الاثنا عشرية الجعفرية نسبة للإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين. يعتقد البعض ان كل من ناصر الإمام علي كان شيعياً، وهو اعتقاد خاطئ تماماً لأن أئمة السنة قد ناصروا الإمام علي وأحفاده ومنهم أبوحنيفة الذي أفتى بتأييد حركة زيد بن علي في الكوفة ضد هشام بن عبدالملك الخليفة الأموي ودعمه بالمال، ثم أفتى بتأييد حركة إبراهيم بن عبدالله الحسني ضد الخليفة العباسي المنصور وكلاهما: «زيد بن علي وإبراهيم الحسني» من الشيعة، وهذا لا يعني ان معاوية كان سنياً والإمام علي كان جعفرياً، وقد يطول الحديث في هذا الجانب، ولكن المهم ان لا تستغل المذاهب وبساطة الناس في الصراعات السياسية والاجتماعية على خلفية التقسيمات والاصطفافات المذهبية والاثنية. علينا ان نكون صادقين مع انفسنا وبواطن امورنا، لكي نتساءل بصدق مع النفس، لمصلحة من تثارمثل هذه الصراعات المذهبية، ولخدمة من يجري الخلاف على أحقيقة اختزال الحياة السياسية والثقافية العامة، وإقحامها في الصراعات الاجتماعية، التي أدت لتراكمات تاريخية من الأحقاد والكراهية بين المسلمين وبين أبناء الوطن الواحد، هدفها تغييب الصراع الاجتماعي الحقيقي بين فئات وطبقات المجتمعات العربية الإسلامية، وتحويلها لصراعات لا أساس لها بين الإسلام السني أو الشيعي، وكأن الحضارة العربية الإسلامية التي انتجت ظواهر فلسفية استثنائية في تاريخ البشرية هي اختزال للصراعات بين السنة والشيعة، هذه الخلافات التي ألقت بظلالها على الحياة العامة، وغيبت الحركات الفكرية والمذهبية الإسلامية الأخرى مثل المعتزلة الذين انتجوا أعظم مفكري وفلاسفة التاريخ العربي الاسلامي، حتى أصبح بعضهم ظاهرة تاريخية استثنائية، ولأهمية هذا الموضوع سوف أتناول في البحوث القادمة احدى تلك الظواهر التاريخية المغيبة.
المصدر صحيفة الأيام البحرينية
الكاتب محمد المرباطي
التعليقات (0)