ينتمي أحمد إلى إحدى ضواحي المدينة الحمراء من شدة الخجل .فئات من الشباب لها طقوس شتى و أحمد من هذه الفئة .المهم هو أنه يساهم في ترديدة عشرة ملايين مؤخرة مجازا.
يعمل أحمد لمدة أسبوع في إحدى الصناعات التقليدية و الأجرة البئيسة التي يتسلمها –يحرقها- يوم السبت في حانات و بارات جيليز.والدته لا تتدخل في حياته كأنها تريده أن يبقى مخمورا في السراء و الضراء.كان يعربد عند كل نهاية أسبوع و لكنه الآن يعربد بشكل شبه يومي.
عاد من العمل و حيى والدته بفتور-السلام .ردت هي الأخرى-السلام. و زادت قائلة –قم لتحية عزيزك.
حيى عزيزه مكرها و هذه اللفظة دخيلة على تقاليد اللهجة الدارجة ؛و تعني دلالات كثيرة بدءا من خاله أو عمه أو زوج أمه أو حتى زائر الثالثة صباحا كما تقول الشيخة .
استهلك مع عزيزه بضع كلمات ولكنه في قرارة نفسه يحاول تجنب الاثنين .غير أن ضيق المكان يرغمه على الصبر قليلا ريثما يودعهما لأن هذا المنزل الذي يؤويهم عبارة عن براكة مبنية من الطين و مساحتها لا تتعدى خمسة أمتار مربعة .كل المرافق موجودة هنا في البراكة؛المطبخ ،المأكل،النوم،المرحاض أو قاعة النوم التي تستخدمها والدته للنوم مع عزيزه أو أعزاءه.
المطبخ مفصول عن باقي البيت بجدار خشبي .أحمد منهمك في إعداد وجبة م ب س السريعة كما يشرحها احد المعلمين الظرفاء و يعني بها الماطيشة و البيض و الكومير.
ما وراء الجدار الخشبي يسمع صوت والدته و عزيزه ؛حوارهما غير بريء و في مثل هذه الحالة فان والدته تفرض على أعزاءه مناولته بعض النقود.و لذا تسلمت من الضيف العزيز مائة درهم و سلمتها لابنها.تسلمها أحمد بوجوم و تابع إعداد الوجبة.
من وراء الجدار سألته- أين ستبيت الليلة؟ رد بصوت غير مسموع و لما أعادت طرح نفس السؤال رد قائلا- عند سمير. و والدة سمير بدورها تستقبل الضيوف الأعزاء في بيتها.
أين ستبيت الليلة تعني بها أن يتدبر عن مكان للمبيت فيه.فهم الأمر كما العادة و أصبحت الأمور روتينية عنده.
ركب دراجته النارية و توجه عند سمير .هذا الأخير يسكن بداخل المدينة بمنزل محترم. لداعي أن والدته تحرص على عدم استقبال الضيوف الأعزاء على مرأى من أبنائها الثلاثة،فانها خصصت هذا المنزل لهم.
قبل أن يضغط على جرس المنزل ركب الرقم الهاتفي المحمول لأحمد فأطل هذا الأخير من النافذة.
-اصعد نستريح قليلا. الساعة الآن الثامنة مساءا لازال أمامنا ساعتان و نصف.
نمضي الساعتان المتبقيتان في المقهى بجيليز.
-و عليه
تعبأ سمير بالمال و باللباس المناسب لزوار حانات جيليز و مطاعمه التي تفتح أبوابها مباشرة بعد أن تغلق المساجد أبوابها.
كان سمير جاهزا أمام أحمد.
-اترك الدراجة بالمنزل سنستعمل السيارة.
لنكمل الشخصية...رد أحمد مبتسما
-و ماذا ينفعك في جيليز غير الشخصية التامة ؛الكاملة و المكمولة من مختلف النواحي.لقد صدق المجذوب حين قال اللي ما عندو فلوس كلامو مسوس.
علق أحمد واييه آخاي سمير.
أدخل دراجته إلى فناء المنزل و خرجا.
خمسة و أربعون دقيقة كانت كافية للوصول إلى جيليز..
- يا سلام ، يا سلام ، يا سلام .... ردد سمير منبهرا في و جه إحدى الفتيات.
هنا في جيليز كل شيء مباح من المساء إلى الصباح؛التحرر و الحرية و الآفاق الرحبة للشباب و الشيوخ.لقد تركوا تقاليد الحياء وراءهم .
-أحمد..انظر إلى تلك الفتاة؟بالله عليك ما ذاك الشيء الذي تحمله و راءها ؟ انه كاروسري سيارة رباعية الدفع.
حقا رباعية الدفع ... زاد احمد مبتسما.
الكل ينظر إلى الكاروسري..كأنهم يبحثون عن رسالة سليمان...زاد أحمد.
ترددا حول أي مكان سيجلسان فيه؛مقهى أم مطعم ماكدونالد أو أي مكان آخر.أخيرا اتفقا على حانة المأوى الصغير.
شباب، شيوخ، فتيات لازلن في صباهن.الكل يعيش في عالم خاص و يجمعهم المكان الذي هو حانة المأوى الصغير.يرددون السلام و التحيات هنا و هناك ،على هذا و ذاك...لم يرق لهما الجلوس سوى مع باصطوف الستيني العمر؛فهو سليم الجانب و كل حواراته تدور حول تجاربه في حانات أوربا و كندا على الخصوص.
سأله سمير-كيف حالتك آالسي مصطفى والله توحشناك.
-بخير و على خير أولدي سمير.و الله بخير.
-كيف حال الوليدات؟
-كيفما كان الحال فإنهم هناك في أوربا لديهم فرص تدبر أمورهم.قبل شهر كنت عند ابنتي سلمى بكندا .أمضيت هناك تجربة مضحكة مع زوجها سائق شاحنة لتوزيع السمك المعلب.كنت أرافقه و عند الانتهاء عند الساعة الثانية زوالا كنت أتسلم ثلاثمائة درهم مغربية ./ضحك و تابع/و لكن حاناتهم فيها الجوع و النوع؛ أنت في حاجة إلى خمسة آلاف درهم مغربية لمعاشرة فتاة..على زينهوم.آخايت..دخلت مرة إحدى الحانات و هي أرخص حانة؛لتحتسي أربعة ستوركات عليك دفع خمسمائة درهم و هناك فاصل من الزجاج وراءه فتيات نصف عاريات إذا أردت زيارتهن عليك دفع ألف درهم.و لنفرض دخلته و أعجبتك إحداهن فعليك دفع ألفين درهم مغربية لمجالستها على الطاولة و بس و زائد ألف درهم أخرى للاختلاء بها.هذا منكر .لقد عدت إلى مراكش الحبيبة في اقرب موعد طيران.أنظر .مائتا درهم تكفيك لاصطحاب أجمل فتاة هنا.انه الخير و الخمير أولدي سمير.ثم أجال نظره في الحانة متبخترا .
و وجه سؤاله إلى أحمد – ماذا بك صامت ولدي؟ اضحك كل شيء بيد الله و ليس بيد محمد البقال.
ثم دعا النادلة لتناوله خمسة بيرات أو سطوركات.
و بدوره كما تتطلب لياقة الحانات أمر أحمد النادلة لتناوله خمسة بيرات.
تعمقوا في احتساء الخمر و لكن باصطوف الشيخ بدا كأنه لم يلمس الخمر البتة.بدا متماسكا في حديثه و حركاته.
أمر أحمد النادلة قائلا – ثلاثة بيرات لتلك الفتاة الجالسة هناك .
تقبلت الفتاة طلبه فابتسمت له و ابتسم لها و ودع رفيقيه الذين لم تكن لهما الرغبة في معاقرة الخمر و الفتيات.
تبادل و الفتاة أطراف الحديث و احتسيا الكثير من الخمر .لقد أثمل إلى درجة أن جليسته تزيح القنينات المملوءة جانبا لتعيدها إلى العامل بالكونطوار وفق مقايضة خاصة.
قال لها متلعثما من الثمالة – أريد أن أصطحبك إلي منزلي.
ردت – ليس هذه الليلة.
أصر عليها بالذهاب معه .طلب من سمير مفاتيح السيارة .لما أبدى رغبته في اصطحابها قام باصطوف و طلب من الفتاة بأن لا تستخدم معه المقالب كما مع الغرباء الذين يسلبون منهم أموالهم بتورط من رجال الأمن الخاص و البوليس و أصحاب التاكسيات. و لكن بكثير من النخوة استل سمير خمسمائة درهم من جيبه و سلمها للفتاة.
- تسلمي.أنا أعرفك جيدا .تهلاي في صديقي.أنت لست مثل حسناء / و أشار إلي حسناء بأصبعه/ التي تطنك اللي يسوا أو اللي ما يسوا .عصابتها متكونة من الساخي السيكوريخي /و يقصد السيكوريتي/ و سائق التاكسي السكوتش ...و آخرين...
-يالله أولدي سير تبرع معا راسك.....الله ينعل الضعف...باصطوف مخاطبا أحمد.
كما سلمه سمير مفاتيح السيارة و المنزل.
ما كاد ينطلق بالسيارة مسافة كيلومتر تقريبا حتى أوقفته دورية الشرطة.فتكفلت الفتاة بالحديث معهم .و تابع طريقه .
-أين توجد المنزل ؟ هل إلى منزل سمير؟ أعرفه و لكن ليس من هنا ... مستغربة
-بحال بحال..الله يجيب غير الصحة أو السلامة...أجابها
تملكتها النرفزة .خمنت بأنه ذاهب إلى مكان غير آمن .تظاهرت بالاطمئنان و ركبت هاتف دورية الشرطة و كذلك هاتف الساخي رجل الأمن الخاص و هاتف السكوتس سائق التاكسي لإشعارهم بأن الأمور على غير ما يرام .
نظرت مشدوهة لما توقف أمام منزل حقير.صرخت في وجهه و لكنه كان عنيفا معها فشرعت في العويل.خرجت والدته فوجدته يجر الفتاة ليدخلها إلى البراكة بالعنف فغضبت في وجهه.
-أحمد .ما هذه الشوهة ؟
رد عليها-كلنا في الشوهة.
خرج الضيف العزيز فتدخل لتهدئة الوضع و سرعان ما اجتمعت الحشود في هذا الوقت المتأخر من الليل.تركهم احمد فدخل إلى المطبخ.ما كان من الضيف العزيز إلا أن ذهب إلى حال سبيله.
خرج احمد ممسكا بسكين.شاهد دورية الشرطة تقترب فوجه طعنة على وجه السرعة إلى صدر والدته بالتبني أسقطتها على الأرض فيما هربت الفتاة في اتجاه الحشود و هيأ نفسه لرجال الأمن.....
التعليقات (0)