ماجستير في القانون الجنائي باحثة في القانون الجنائي كلية الحقوق- جامعة الدول العربية
وماجستير في القانون الدستوري جامعة باتنة – الجزائر
مقدمة
إن المجتمعات في كل الأزمنة والعصور عرفت ظاهرة الفساد وبالتالي يمكن القول إنها ظاهرة عالمية ومستمرة لأنها لا تخص مجتمعا بذاته أو مرحلة تاريخية معينة ، فهي كظاهرة ملازمة للحضارة البشرية و جزءاً لا يتجزءا من الصراعات السياسية والاجتماعية عبر التاريخ ، فما من أمم انهارت أو أنظمة سقطت أو ثورة قامت ألا وكان الفساد عنصراً فاعلاً فيها فالتاريخ لم يثبت لنا وجود ثقافة معينة يمكن إن تدعي إن لها سلوكا يحصنها من آفة الفساد التي لا وجود لوصفة سحرية تقينا ضرر حدوثها.
وقد تزايد الاهتمام بقضية الفساد منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي نظرا لطبيعة الآثار السلبية للفساد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية بحيث ثبت بالدليل القاطع إن حجم الظاهرة اخذ بالتفاقم والتزايد إلى درجة أصبحت تهدد مجتمعات كبيرة بالجمود وربما بالانهيار.
لقد استقر في وجدان الباحثين المختصين بدراسة ظاهرة الفساد أنه وباء تعاني منه جميع الدول المتقدمة منها والنامية علي حد سواء ، وإن اختلف حجمه وآثاره تبعا لاختلاف البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل دولة ، فكل عامل من هذه العوامل يؤثر علي كتلة وحركة الفساد داخل الدولة .
والمتتبع لهذا الداء يجد أن ما يُخلفه داخل الدولة كفيل بالقضاء عليها ، فالفساد في أغلب أحواله يبدأ في شكل فيروسي بسيط ويأخذ في التبلور والتطور حتى يصبح داء سرطاني مستفحل يندر السيطرة عليه
الفساد الوليد حديثا يمكن للباحثين الوقوف علي أسبابه وتحديد من أين ولد ، ولكن في مرحلة شبابه وريعانه يصعب عليهم تحديد سببا واضحا وراء وجوده إذ تتداخل كافة العوامل معا بشكل عنكبوتي معقد بحيث يصعب إرجاع الفساد إلي عامل منهم علي وجه التحديد
إن استفحال الفساد داخل المجتمع يمثل السوس الذي يظل ينخر داخل جسد الدولة بمختلف هيئاتها ومؤسساتها- ليتركها في النهاية مخوخة أرق ريح تطيح بها والمتأمل للدول التي قامت فيها ما يعرف بثورات الربيع العربي يجدها من الخارج بنيان دولة ولكنها من الداخل دولة أفراد وليست دولة مؤسسات.
إن جموع الشعب التي خرجت منادية بالقضاء على الفساد في ثروات الربيع العربي دفعها إلي ذلك حالة الضنك الاقتصادي والمعيشي التي عانت منه تلك الدول في ظل حكم أنظمة فاسدة ، فالفساد يؤثر علي أداء القطاعات الاقتصادية يضعف النمو الاقتصادي ،حيث يؤثر علي استقرار وملائمة مناخ الاستثمار ويزيد من تكلفة المشاريع ويهدد نقل التقنية ويضعف الأثر الإيجابي لحوافز الاستثمار بالنسبة للمشاريع المحلية والأجنبية وخاصة عندما تطلب الرشاوى من أصحاب المشاريع لتسهيل قبول مشاريعهم ،وفي هذا الصدد يعد الفساد ضريبة ذات طبيعة ضارة معيقة للاستثمار ،ومع ازدياد الفساد يقوم المستثمرون بإضافة المدفوعات الناجمة عن الرشاوى والعمولات إلي التكاليف مما يرفع التكلفة الاجتماعية للمشروعات ويخفض العائد علي الاستثمار،ويؤدي الفساد إلي نهب البنوك العامة للدولة والاستيلاء علي أموال المساعدات الأجنبية فحجم الأموال التي تم تهريبها خارج مصر من قبل العصبة المباركية تصل إلي مليارات الجنيهات ،والتي لا يمكن استردادها إلي بصدرو أحكام باتة علي المتهمين فيها من محاكم جنائية طبيعية ،الأمر الذي يجعلنا نفكر في سبل استرداد هذه الأموال لاسيما مع طول إجراءات المحاكمات الجنائية وندرة المستندات التي تثبت العمليات الفاسدة التي أجروها حيث ترتبط جرائم الفساد عادة بجرائم غسل الأموال التي تحاول إضفاء المشروعية علي تلك الأموال مما يزيد الأمر تعقيدا
مع المناداة بسياسات الانفتاح الاقتصادي والنشاط الذي يبذل من اجل تصعيد القدرة التنافسية للمنتجات في الأسواق العالمية، ومع تصاعد حرية حركة الأموال ونشاط غسيل الأموال والجريمة المنظمة وتشديد الرقابة على الحدود الدولية لمنع الهجرة وما إلى ذلك ينتشر الفساد بجميع أشكاله في جميع أنحاء العالم، فهو موجود في كل البلدان والأنظمة بشتى أنواعها وأشكالها ( الدكتاتوريات العسكرية والأنظمة الشمولية ) كما يتواجد الفساد في جميع المستويات وفي جميع أنواع الأنظمة الاقتصادية. ومع عقد التسعينات من القرن الماضي ومع تنامي الدعوة إلى التحرير الاقتصادي والانفتاح والإصلاح الديمقراطي وانتشار الفساد إلى درجات غير مسبوقة و تزايد الوعي بضرورة مكافحته والتركيز على إظهار تكاليفه الاقتصادية والاجتماعية الباهظة ودوره في إعاقة النمو الاقتصادي تعززت الاتجاهات المناهضة للفساد في بيان أسبابه وأشكاله وسبل معالجته في جميع أنحاء العالم
ومن هنا يمكن القول مع اندلاع ثورات الربيع العربي، برزت أدوار سياسية جديدة لعبتها قوى إسلامية عديدة أدت إلى صعود القوى الإسلامية والمشاركة في مؤسسات الحكم، وعملية صنع القرار السياسي في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ دول الربيع العربي. ولعل هذا التحول السياسي الجذري يدفع تلك القوى الجديدة لتعلن عن رغبتها في تطبيق الاقتصاد الإسلامي، رائية أن إحداث أي تنمية في المجال الاقتصادي مرتبط بتبني وتطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي.وهنا، تطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل الاقتصاد بدول الربيع العربي، ومدى تأثير الصعود الإسلامي على اقتصاديات الربيع العربي، وسيناريوهات المستقبل الخاصة بتطويره ومجالاته المتنوعة وهذا ما سنعالجه في بحثنا هذا حيث قسمناه على النحو التالي:
الفصل الأول : التعريف بظاهرة الفساد وانعكاساتها من منظور متكامل.
الفصل الثاني : منهج السياسة التشريعية في مواجهة ظاهرة الفساد.
الفصل الثالث : الضوابط المقترحة علي ضوء الاتجاهات التشريعية المعاصرة.
التعليقات (0)