الصوم عبادة.. فهو ركنٌ من أركان الإسلام التي بُني عليها، ولا يكون الإسلام إلا بها مجتمعة، ولا يحسن إسلام أحد إلا بها، وبها مجتمعة، فليس لأحد أن يلغي الصوم، وليس لأحد أن يلغي الصلاة، وليس لأحد أن يلغي فريضة الحج، وليس لأحد أن يمتنع عن أداء الزكاة، وليس لأحد أن يمتنع مستكبرًا عن النطق بالشهادتين، ثم يأتي زاعمًا أنه مسلم!! الصوم عبادة، لأنه طاعة، ولأنه امتثالٌ لأمر الخالق، ولأنه فريضة لا بدّ من ممارستها، ولا بد من القيام بها، دون أدنى تهاون، أو تذمر، أو تقصير... على أنه من مسلَّمات هذا الدين، ومن ثوابته أيضًا أن الدين يسر، ولن يشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه، وهذا يعني أن المسلم مطالَبٌ بالصوم إذا كان قادرًا، أما إذا لم يكن، فهو غيرُ مطالبٍ به حتى يصبح قادرًا عليه، بزوال السبب من مرض أو سفر أو نحو ذلك، وهذا معناه أن هذه العبادة لا تجبُ إلا على القادر عليها، وأما غير القادر لسبب مؤقت طارئ فهو معفًى من ممارستها إعفاءً مؤقتًا حتى يزول السبب، وبعد ذلك ينبغي أن يصوم في غير رمضان أيامًا بعدد الأيام التي أفطر فيها، وأما غير القادر على الصيام بسبب الكبر، وما في حكمه كالمرض الشديد الذي لا يُرجى شفاؤه فهو معفًى، ولا ينبغي أن يرهق نفسه، أو يزيد من سوء حالته الصحية، أو تعريض نفسه لمخاطر صحية جديدة بممارسة الصيام (يريد الله بكم اليسر) على أن ينفذ ما تلزمه به الشريعة من كفارة مراعيًا أسبابها وأحكامها؛ فالله يحب أن تؤتى رُخَصُه، كما يحب أن تؤتى عزائمه، وإذا كان الصوم عزيمة لأنه مما شُرِعَ من الأحكام ابتداءً؛ فإن الإفطار في رمضان رخصةٌ ينبغي أن يعمل بها المسلم؛ فالله الذي شرع الصيام، وأوجبه على المسلمين هو الذي خفف عنهم، وأعفاهم منه إعفاءً مؤقتًا أو دائمًا بحسب الظروف، ومقتضيات الأحوال.. أقول هذا مشيرًا إلى حلول شهر الصيام في هذه الأيام الشديدة الحرارة، موجهًا الكلام إلى المرضى، وإلى الأطفال بضرورة أخذ الحيطة والحذر، والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.
والصوم رياضةٌ روحية تبني الأرواح المؤمنة الخيرة القوية القادرة على ممارسة فعل الخير، والقيام بأعمال البر، وكما أن الرياضة البدنية من شأنها أن تقوّيَ الأجسام، وأن تخلصها من كثير من أمراضها وآلامها في بعض الحالات التي تكاد أن تكون هذه الرياضة فيها هي الحل والعلاج، فإن الرياضة الروحية هي الأخرى تفعل في الأرواح ما تفعله الرياضة البدنية في الأجساد، وعليه، فإن الصوم بالإضافة إلى كونه عبادةً كالصلاة، فهو أيضًا رياضة روحية تهذب النفوس، وتسمو بها إلى عالم الفضيلة، وسماء النقاء والتألق والطُهر، وتقوي الإرادة، وتزيد الإنسان المؤمن إيمانًا مع إيمانه، وصبرًا على الصعاب، والمشاقّ لا يقوى عليه إلا أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجرٌ عظيم.
والصوم أخلاق، وإذا كان الخالق قد أثنى على نبيه ورسوله العظيم محمد صلوات الله وسلامه عليه بقوله "وإنك لعلى خلق عظيم" فإن من حقنا أن نقول إن الصوم عبادةٌ، وهو رياضةٌ روحيةٌ، وهو أيضًا أخلاق تزين الصائم، ويزدان بها المسلم في شهر رمضان بخاصةٍ، وعلى مدار العام بعامةٍ، ولا ينبغي لهذا المسلم أن يخلع عنه هذه الزينة بانتهاء شهر رمضان حتى لا يكون مَثَلهُ كمَثَل من قال فيه الشاعر "صلى وصام لأمر كان يقصده".
جعلنا الله جميعًا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والسلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.
التعليقات (0)