http://silyamag.blogspot.com/أطفال يتوسدون العراء في جنوب باكول ولاور شابيل، رضع رؤوسهم كبيرة وأجسادهم صغيرة نحيلة...يتضورون جوعا، يمصون أثداء أمهاتهم الفارغة أملا في سد رمقهم. يموت منهم الكثير في كل لحظة ولا يحزن لمأساتهم سوى القليل من القلوب الرحيمة. لا مياه صالحة للشرب هناك...سيرا على الأقدام تحمل نساء الصومال عبوات فارغة لمسافات طويلة جدا بحثا عن نقطة ماء ...أجسادهن السوداء تحترق تحت رحمة الشمس المنذرة بجفاف قاتل...أمام هذه المأساة لم يكلف العالم نفسه ليقف دقيقة صمت واحدة ولم يكلف المسلمون أنفسهم للصلاة ترحما على أطفال الصومال الذين قتلتهم أنانية الإنسان في القرن الواحد والعشرين.
وأمام هذه التراجيديا الإنسانية تحرك العالم متأخرا فلاشيء مغر في دولة فقيرة ثرواتها وكثيرة أزماتها. وبعد أن أعلنت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 20 يوليو أن إقليمين في جنوب الصومال يواجهان المجاعة، وحذرت من انتشار المجاعة في أقاليم أخرى في الصومال خلال شهرين.
استيقظت الولايات المتحدة الأمريكية من سباتها ودعت على لسان هيلاري كلينتون لاستنفار عالمي وبشرت الجوعى بتقديم واشنطن لمساعدات إضافية بقيمة 28 مليون دولار للصومال واللاجئين الصوماليين في كينيا. بينما أعرب "الزنجي الساحر" أوباما عن أسفه لأن الوضع لم يلق الاهتمام المطلوب.
غير أن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه كان أكثر جرأة عندما وصف ما يحدث من مجاعة في القرن الإفريقي بأنه فضيحة للنظام العالمي. حيث تضرب منطقة القرن الأفريقي وخاصة الصومال، مجاعة لا سابق لها، لدرجة أنَّ المراكز الغذائيَّة الطارئة في شرق أفريقيا، التي يضربها الجفاف تعجز عن تلبية احتياجات آلاف الجوعى، الذين يتدفقون عليها كل يوم؛ حتى أنَّ الأمهات تضطرّ لترك أطفالهن الذين لقوا حتفهم أو يحتضرون على جنبات الطرق.
والفضيحة كانت أشد سوادا فيما يخص الموقف العربي والإسلامي وهو ما حدا بفضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن يصف ما يحدث من مجاعة في القرن الإفريقي بالعار على النظام العربي والإسلامي. وقال في تعليقه على المجاعة التي ضربت القرن الأفريقي وبخاصة دولة الصومال العربية على صفحته بـ"الفيس بوك"، إنها ليست فقط، "فضيحة للنظام الدولي حسب فرنسا، ولكنها عار على النظام العربي والإسلامي، ونحن جميعًا ندعو الجمعيات والمؤسسات الخيريَّة لأن تُبادر للميدان وتسهل للداعمين الوصول للمحتاجين.. لنرسل من هنا دعوة لرواد الأعمال الخيرية في الخليج خاصة لإطلاق حملة إغاثيَّة".
واعتبر الصحفي والكاتب الصومالي مهدي حاشي الموقف العربي في المعضلة الصومالية، سواء على مستوى الدول أو المنظمات الأهلية يتراوح بين اللامبالاة والتصريحات التي لم تتجاوز دعوة أطراف الصراع إلى حل مشاكلهم بالإضافة إلى مواقف سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع. وقال أنه "على أرض الواقع لم تقرن هذه المواقف العربية بأي فعل يذكر من شأنه أن يشعر الصوماليين بأن لهم أشقاء يقفون إلى جانبهم في مأساتهم الحالية. ويبدو أن الدول العربية تركت الصومال للدول الإقليمية والمنظمات الدولية ولم يكن لهم حضور حتى في ما يسمى بـ"مشكلة القراصنة" وهم يشاهدون بذهول استحواذ الدول القوية على أهم بحر عربي باسم مكافحة القرصنة."
هذا الموقف العربي والإسلامي المخزي كان صادما لوزير التنمية الألماني ديرك نيبل الذي طالب من الدول العربية الغنية بإرسال مساعدات إلى الصوماليين الذين يواجهون خطر المجاعة. وقال: “لم نسمع شيئا حتى الآن من هذه الدول … إنني متعجب جدا من أن كافة التعهدات بالمساعدة قادمة من أوروبا وشمال أفريقيا” ، مضيفا أنه حتى الدول المتضررة مثل كينيا وأثيوبيا وأوغندا مستعدة للمشاركة في المساعدة”. وأضاف الوزير: “لم يتضح حتى قيام الدول العربية الغنية بتقديم مساعدات لأشقائهم في الصومال. أرى ذلك أمرا مثيرا للقلق بشدة وأتساءل أين الإنسانية هنا”. وناشد نيبل الدول الخليجية ، خاصة السعودية “القيام بمسئوليتها والمساهمة بإمكانياتها المالية الكبيرة في الحيلولة دون سقوط الفقراء في الصومال والدول المجاورة فريسة للموت جوعا”.
لا داعي للتعجب يا نيبل فكل ما درسته في ألمانيا وما خبرته في شؤون السياسة لن يكون كافيا لتفهم مغزى هذه الأخوة العربية الإسلامية غير أنك قد تصاب بالغثيان إن أمعنت النظر في مظاهرها وقدراتها الخلاقة. وليست وحدها الأنظمة مقصرة أمام هذه الكارثة بل إن الشعوب أيضا تعودت أن تتفاعل مع مآسي إفريقيا بالكثير من التجاهل والبرود، فعندما يتعلق الأمر بمواطن إفريقي أسود يموت، فهذا لا يعني للعالم شيئا . وكأن للعالم قناعة راسخة بأن هؤلاء الناس الذين ولدوا في تلك المنطقة من العالم ولدوا ليموتوا ليس إلا.
وفي رمضان الفضيل ستجوع بطوننا نهارا وستتكدس فيها خيرات الله ليلا بينما ستبقى بطون إخواننا في الصومال فارغة ليل نهار تنتظر ما تسد به الرمق علها تنجو من مجاعة لا تبقي ولا تذر.
وما أخشاه هو أن يضيع مشايخ الدول الإسلامية الغنية وقتهم في إصدار فتاوى تجيز إفطار رمضان للمسلمين في الصومال عوض التحرك سريعا وبقوة لحث أنظمتهم على إنقاذ الأرواح البشرية وهي الأغلى عند الله من حرمة الكعبة وهو يعلمون.
fatamazgha@gmail.com
التعليقات (0)