مواضيع اليوم

الصورة لا تكذب والموتى لا يصوتون

د. خالد غازي

2011-12-17 14:56:04

0

 مشاهدة جديدة لم ترها مصر منذ برلمان الخديوي، تصويت بطعم الحرية وطوابير متراصة من المصريين بنسيجيه المسلم والقبطي كالبنيان المرصوص"
(1)
الطوابير التي تراصت صفا صفا أول المشاهد المثيرة في تلك الانتخابات – في مرحلتها الأولى - تلك الطوابير التي لم ينل منها سوء الاحوال الجوية وهطول المطر، أو حتى تأخر الاوراق والاحبار والقضاة المشرفون على عملية التصويت، فكانت الظاهرة الأبرز مما أعاد إلى أذهان البعض مشاحنات طوابير الخبز وأسطونات الغاز، لكن المصريين أضافوا إلى هذا المشهد طعما آخر حرموا منه كثيرا وهو الحرية، فمنذ بروز شمس الساعات الأولى من صباح المرحلة الاولى للانتخابات تناسل هذا المشهد، واستمرت هذه الطوابير لساعات طويلة أمام اللجان الانتخابية في معظم المحافظات التسع التي تجرى بها المرحلة الأولى، وعلى الرغم من مرور الوقت وتعطل البعض عن مصالحه وأشغاله وطول الطوابير الا أن الاصرار للتصويت كان هو سيد المشهد ، فمنذ الصباح الباكر وقبل فتح لجان الانتخابات أبوابها اصطف آلاف من البشر في طوابير طويلة للإدلاء بأصواتهم في أول استحقاق برلماني منذ سقوط حكم الرئيس السابق حسني مبارك- في شهر فبراير الفائت - وهم يضحكون وسعداء بالتجربة الديمقراطية، بل إن في بعض اللجان الانتخابية في منطقة حلوان بجنوب القاهرة،امتدت لنحو كيلو مترين ؛ وتكرر هذا المشهد في كافة المحافظات ، واصطحب الناخبون مظلاتهم وارتدوا الملابس الثقيلة لحمايتهم من الأمطار التي هطلت على المدن الساحلية مثل محافظات البحر الأحمر والاسكندرية، وأحالت الكثير من شوارعها إلى برك للمياه، واحتمى الناخبون الذين اصطفوا خارج إحدى اللجان بشريط طويل من النايلون ، لوقايتهم من الأمطار التي لم تكف عن الهطول.
(2)
وهناك أيضاً كانت أحد المشاهد الانتخابية التي لفتت نظر الكثيرين أيضا هو ارتداء عدد كبير من الناخبين ملابس سوداء، تلبية لدعوة أطلقتها صفحة (كلنا خالد سعيد) على الموقع الاجتماعي الشهير (فيس بوك) حدادا على شهداء الثورة ، خاصةً شهداء الأحداث الأخيرة في شارع "محمد محمود"، كذلك مشهد مشاركة رجال القوات المسلحة في تأمين عملية التصويت، وحملت الصور الوافدة من اللجان الانتخابية في مختلف المحافظات لقطات لرجال الجيش وهم يحملون امرأة مسنة إلى داخل لجنة التصويت، أو يفتحون ممرا للناخبين وسط مياه الأمطار، وكذلك سماسرة الأصوات كانوا حاضرين أيضا في هذا المشهد ، وأبوا أن يغيبوا في أول انتخابات بعد الثورة، إذ ظهروا أمام بعض اللجان وهم يروجون لانتخاب بعض أعضاء الحزب الوطني (المنحل) الذين يخوضون الانتخابات، ولكن المشهد الأكثر تأثيرا ويدل على وعي المواطن هو رفض عدد كبير من الناخبين الاستجابة لدعايتهم، الأمر الذي جعلهم يختفون بعدما كانوا يستخدمون " البلطجة" لإجبار الناخبين على التصويت لمرشحي " الوطني" في الانتخابات السابقة، وأيضاً مكبرات الصوت وعربات الدعاية أيضا حجزت لها مكانا وسط المشهد المزدحم، ومنذ الصباح الباكر أقلقت هذه المكبرات مضاجع الأهالي في مختلف المناطق عشية يوم الانتخابات، وظلت تردد الدعاية الانتخابية حتى ساعات متأخرة من الليل متمثلة في أغان مؤيدة لأغلب التيارات، وبخاصة التيار الديني، واستمرت إلى يوم الانتخابات، وكعادة المصريين الاخلاقية حرص الناخبون في بعض اللجان على تخصيص صفوف للمسنين، بينما في أخرى عانت النساء المسنات من شدة الزحام والتخبط في التعرف على اللجان، واستغل ذلك بعض أنصار المرشحين في إرشادهن لاختيار أشخاص بأعينهم، وشاركت في ذلك الكثيرات من الفتيات المحجبات من حزبي النور والحرية والعدالة الذراع السياسية للأحزاب الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين وكذلك الجماعة السلفية في مساعدة الناخبات في التعرف على لجانهن الفرعية عن طريق أجهزة الحاسب الآلي المحمولة، والقيام باستخدام الدين في الدعاية الانتخابية.
(3)
ومن المشاهد المهمة التي جاءت رصد عشرات التجاوزات من المترشحين ، خاصة من جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب "الحرية والعدالة" و حزب "النور" التابع للجماعة الإسلامية، وتم رصد مخالفات قانونية من قبل أنصار مرشحي الإخوان والسلفيين في دوائر عدة، مثل نشر شائعة مقتل مرشح حزب التجمع, ومطالبتهم الناخبين بعدم التصويت لصالحه، ودعوتهم إلى التصويت للمرشحين الاسلاميين في احدى الدوائر، كذلك حدوث بعض الاشتباكات بين الطرفين انتهت بتدخل رجال القوات المسلحة والأمن المركزي، وتم القبض على عناصر من الطرفين بعد تبادل الرشق بالحجارة، كذلك قيام بعض المشرفين على اللجان الانتخابية في بعض لجان القاهرة بتوجيه الناخبين بالتصويت لصالح مرشحي حزب الحرية والعدالة والنور السلفي قائلا: "صوتو لصالح الحرية والعدالة والنور علشان تدخلوا الجنة" .. ايضاً الكنيسة نقلت الأقباط بسيارتها للتصويت للكتلة المصرية منها ، وقيام مرشحي الكتلة المصرية بتوزيع رشاوى انتخابية خاصة في شمال القاهرة، حيث يقوم مندوبون تابعين بشراء الأصوات أمام اللجان، وفي محافظة أسيوط واصلت الحافلات نقل الناخبين الأقباط من كافة الكنائس والمطرانيات لإنتخاب مرشحي الكتلة المصرية ؛ وخاصة من كنائس ومطرانيات ديروط والقوصية ومنفلوط وواصل مرشحو الحرية والعدالة توزيع أوراق الدعاية الانتخابية من خلال أكشاك وأماكن تجمع لهم بالقرب من اللجان الانتخابية، في الوقت الذي وقف فيه رجال الشرطة والقوات المسلحة دون أن اتخاذ أي إجراءات ردا على هذه المخالفات، وقد سئل رئيس اللجنة العليا للانتخابات المستشار عبد المعز إبراهيم سؤالين حول هذا الشأن ولم يجب عنهما واكتفى بالقول إن هناك العديد من الخروقات والمخالفات في العملية الانتخابية.
(4)
ومهما يكن من مخالفات في الانتخابات ؛ الا أنها تمثل الشرارة الاولى التي تنطلق بها العملية الديمقراطية الحقيقية، ففي عهد الرئيس السابق حسني مبارك كانت الانتخابات تجرى في يوم واحد فقط ؛ مما كان يهدر الكثير من الاصوات لضيق الوقت، فضلاً عن أن الموتى كانوا من أوائل المصوتين في العملية الانتخابية، مع تسويد الأصوات في اللجان، ووجود مندوبين عن الحزب الوطني المنحل داخل اللجان .. وكل تلك الممارسات مخالفة لقانون الانتخابات المصري وكان أخطر المخالفات – في الانتخابات الحالية - وجود أوراق اقتراع بدون الأختام أو التوقيعات من القضاة المسؤولين عن المراكز الانتخابية، وعلق المراقبون على ذلك بأن ما يجري يفتح الأبواب على مصراعيها لعمليات التزوير واسعة النطاق، الا انه تم السيطرة عليها .
وبكل الاحوال ولدت مصر من جديد تحت عباءة انتخابات ديمقراطية جديدة بكل أوصافها وافعالها وتصرفاتها.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !