مواضيع اليوم

الصهيونية في عهد صلاح الدين الايوبي

اسرائيل .

2010-03-03 09:51:31

0

 الصهيونية في عهد صلاح الدين الايوبي

الكتاب هذه المرة هو : جفريز، "فلسطين ـ إليكم الحقيقة"، ترجمة أحمد خليل الحاج، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر.. كثيرة هي المواقع العربية التي تقتبس من كتاب مستر جفريز للتأكيد على الهوية العربية لارض اسرائيل "فلسطين".. وقد لفت انتباهي ان ثمة فقرة من الكتاب تعود الى عهد السلطان صلاح الدين الايوبي وعلاقته باليهود اوردتها مواقع عربية عدة على لسان جفريز هذا نص الفقرة كما تظهر في موقع ملتقى الادباء والمبدعين العرب في مقالة بعنوان ( قتلة الانبياء على مر الزمان والعصور ):

"ولكن إذا رجعنا للوراء إلى جذور الحركة الصهيونية لوجدنا أن فكرة الاستيطان اليهودي في فلسطين ترجع إلى القرن الثاني عشر للميلاد , حيث يقول مستر - جفريز - مؤلف كتاب فلسطين إلى الحقيقة :" لما استعاد صلاح الدين الأيوبي مملكة الإسلام وجد اليهود عطفا منه , وكانوا عندئذ قلة في فلسطين , وهناك حادث تاريخي غريب ذو بال قلّ من عرفه , وهو أن صلاح الدين استقبل في سنة 1121 م ثلاث مئة حبر من أحبار اليهود سعيا وراء الاستقصاء عن إمكانية هجرة اليهود إلى فلسطين , غير أن مهمة الأحبار لم تسفر عن أي نتيجة "

وهذا نص الفقرة نفسها كما وردت في مقالة للدكتورة حنان اخميس بعنوان ( اليهود الشرقيين السفارديم ) :

"قال مستر جفريز مؤلف كتاب( فلسطين – الحقيقية) أن فكرة استعمار فلسطين على يد الصهاينة ترجع إلى ما قبل نابليون بحوالي ستة قرون وذلك عندما جاء ثلاثمائة حبر من أحبار اليهود إلى صلاح الدين الأيوبي لتوفير الإمكانيات لهجرة اليهود إلى فلسطين فيقول " لما استعاد صلاح الدين الأيوبي مملكة الإسلام وجد اليهود عطفاً منه وكانوا عندئذ قلة في فلسطين وهناك حادثة تاريخية غريبة (وهو أن صلاح الدين الأيوبي استقبل في سنة 1211 م ثلاثمائة حبر من أحبار اليهود جاؤوا من إنكلترا وفرنسا وقد جاءوا هؤلاء سعياً وراء الاستقصاء عن إمكانية هجرة اليهود إلى فلسطين غير أن مهمة هؤلاء الأحبار لم تسفر عن أية نتيجة".

وقبل التعليق على الموضوع ثمة تصحيح لا بد منه للتاريخ الذي ورد في الاقتباسين اعلاه والذي يدل ان دل ان الكاتبين لم يكلفا انفسهما عناء التدقيق والتمحيص في المعلومة، حيث لم تكن السلطنة قد آلت الى صلاح الدين عام 1121 م كما ورد في الاقتباس الاول ليستقبل وفودا من اليهود او غيرهم فالمعروف انه تسلم اول منصب وزاري عام 1168م .. ولم يكن صلاح الدين ليستقبل وفودا عام 1211م كما ورد في الاقتباس الثاني، اي بعد وفاته بحوالي عشرين عاما! فالثابت في التاريخ ان صلاح الدين توفي عام 1193 م ..

لكن ما علينا ليس هذا موضوعنا وان كانت مثل هذه الاخطاء تقلل من شأن المقال حينما تصدر عن مثقفين وتشكك في نزاهتهم العلمية.. ولندخل في صلب تعقيبنا على الموضوع.. فالغاية من اقتباس هكذا معلومات من كتاب جفريز او غيره لنفي حق اليهود في ارض اسرائيل "فلسطين" ترتد الى صاحبها لتصب في مصلحة اليهود ومدى ارتباطهم بارض اسرائيل.. فلماذا يا ترى يتوجه يهود الشتات الى صلاح الدين ليأذن لهم بالعودة الى بلدهم ارض اسرائيل، لماذا يعيدون الكرة لدى كل فرصة سانحة، يطرقون كل باب، ويتحدثون في كل مرة عن ارض اسرائيل دون سواها.. والمبادرة التي صدرت هذه المرة عن ثلاثمائة حاخام يهودي استقر بهم المطاف في اوروبا وهم يمثلون بطبيعة الحال الجاليات اليهودية في بلدانهم التي كان ابناءها يتطلعون دائما الى صهيون "ارض اسرائيل"، كانت لها سابقات ولاحقات من المبادرات والمحاولات اليهودية طوال التاريخ اليهودي وفي كل مرة كان الشعب اليهودي يحال بينه وبين ارضه ويباعد بينه وبين قدسه ومعبده.. وقد تطرقنا في تناولنا الاخير ( قراءة في عيد البوريم والمولد النبوي ) الى السياق التاريخي لوعد قورش الذي أذن بموجبه لليهود بالعودة الى قدسهم واعمار مقدسهم بعد تدميره زمن البابليين وتهجير اليهود الى بابل..

ويذكر التاريخ ان صلاح الدين الايوبي الذي اشتهر بسماحته مع غير المسلمين قد أصدر مرسوما يسمح لليهود بالعودة الى القدس بعد طول غياب في الفترة الصليبية، ونعتب هنا على الكتاب العرب الذين يعيرون اليهود بأنهم لدى عودتهم الى القدس لم يجدوا فيها سوى نفر قليل من اليهود، نعتب عليهم نسيانهم او تناسيهم أن الصليبيين حينما دخلوا بيت المقدس ذبحوا سكانها اليهود قبل العرب وأغلقوا القدس في وجه البقية، وحولوا المسجد الاقصى الى ثكنات وكنائس واسطبلات، ولم يعود اليهود الى القدس الا بعدما استعادها صلاح الدين الذي استشعر ولاءهم لقدسهم واعتبر عودتهم الى القدس سدا منيعا امام سيطرة صليبية جديدة على بيت المقدس.. ويعزو البعض عودة اليهود الى القدس فيما يعزونها الى العلامة اليهودي الفذ موسى ابن ميمون كبير علماء اليهود في ذلك الزمان والذي كان طبيبا خاصا لصلاح الدين ولكبير ابناءه من بعده، ولم تبخل المراجع العربية في تبيان الأثر الفكري البالغ الذي تركه الرمبام (موسى ابن ميمون) في نفوس ابناء عائلة صلاح الدين الذين حكموا مصر آنذاك.. بل نعته البعض بالمرشد الاكبر لصلاح الدين الايوبي..

قد يقول قائل من المغرقين العرب في نظرية المؤامرة والمترفين في ربط الفكر الصهيوني بالاستعمار، إن احبار اليهود الذين وفدوا الى مصر للقاء صلاح الدين لم يكونوا الا حلقة في مؤامرة صليبية محبوكة لعل اليهود يفلحون فيما أخفق به الاوروبيون، الا ان هذا القول يتداعى عندما نعلم ان الثقة كانت معدومة بين اليهود والصليبيين في ذلك الزمان وان الحملات الصليبية تمخض عنها ابادة جاليات يهودية عن بكرة ابيها في اوروبا والمشرق وان الصليبيين ما كانوا ليسمحوا لليهود اصلا بالعودة الى قدسهم بل فضل قادة اوروبا ان يفعلوا ذلك بانفسهم ويحرروا القدس من المسلمين بحسب تعبيرهم، وان ملك انكلترا عمل على طرد اليهود كافة من بلاده عام 1291 م وهو العام نفسه الذي طُرد به آخر الصليبيين من المشرق، ما يدل ان دل ان الاوروبيين اعتبروا اليهود مشرقيين ووضعوهم في خانة واحدة مع المسلمين واعداء الامة المسيحية... فها هم ينتقمون من اليهود بعد الهزيمة التي حلت بهم في بلاد المشرق! فيما اعتبر اليهود بنظر صلاح الدين من الاعوان والمقربين...

ونختم بعبارات تصف عودة اليهود الى القدس كما وردت على لسان الشاعر اليهودي الكبير ابن تلك الفترة يهودا الحريزي في كتابه الشهير "تحكموني" يصف المشهد قائلا :

"وبينما كنت ماشيا وجدتني وجها لوجه امام احد سكان المدينة الذي بادرني بالقول: أخالك واحدا من أقاصي بلدان المهجر.. أجبت: ظنك في محله.. والآن اريد ان اسألك انا ايضا عن امر في نفسي.. متى عاد اليهود الى المدينة (يقصد القدس).. أجاب: منذ استعادها بنو اسماعيل عاد اليهود ليسكنوا فيها.. سألت: ولماذا لم يسكنها اليهود تحت حكم الجماعة اياهم.. أجاب: لأنهم (اي المسيحيين) يعتقدون أننا قتلنا الههم... سألت: وكيف تهيأت الاسباب لعودتهم (اي اليهود) الى المدينة.. قال: لقد منّ الله علينا برحمة من لدنه بعودة ابناء عيساو (ابن اسحاق ابن ابراهيم ويقصد العرب) فشاء الله تعالى ان يعود معهم ابناء يعقوب (اولاد عمومتهم)...وقد ألهم الله ملك بني اسماعيل (اي العرب المسلمين) بعدما تفقده برحمته وجعل اورشليم بيده، بأن أمر فنادى منادي يدعو ابناء افرايم (بني اسرائيل) كل من نزح منهم الى بلاد اشور ومصر..... لعودة الراغبين منهم الى القدس.. وها نحن نعيش بها براحة وطمأنينة" ...

خلاصة القول إن الصهيونية ليست وليدة الاستعمار الاوروبي في المشرق لا في الماضي البعيد ولا القريب ولم تكن يوما ربيبة هذا الاستعمار بل اول ضحاياه ومنكوبيه.. لم يحطم اليهود الصهاينة أهلة ومنابرا حينما دخلوا القدس ولم يتخذوا من المسجد الاقصى ثكنات عسكرية واسطبلات ومقرات قيادة.. بل اول ما فعله موشيه ديان، عرفانا بصنيع صلاح الدين، كان تثبيت الوجود الاسلامي في القدس وتثبيت الاوقاف الاسلامية في بيت المقدس.. وكما فطن القائد الاسلامي العبقري صلاح الدين الى القوة الكامنة بعودة بني يعقوب الى قدسهم جنبا الى جنب مع المسلمين بخلاف ما ذهب اليه عمر بن الخطاب في عهدته العمرية وبضغط من المسيحيين، كذلك تنبه بنو صهيون الى هذه الحقيقة التاريخية وظلت نصب اعينهم منذ عودتهم الاخيرة الى قدسهم بان حفظوا مقدساتها الاسلامية والمسيحية قبل اليهودية...

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات