مواضيع اليوم

الصندوق ذي الجلد المرمري

صادق البصري

2010-06-25 21:31:09

0

قصه قصيرة

الصندوق ذي الجلد المرمري

هل يتحتم علي أن أموت يوميا تحت ثقل هذا السؤال الذي لطلما ارقني ،أم استسلم خاضعا لما وجدته مدونا رسميا في بطاقتي الشخصية ، مجرد تاريخ ميلاد بديل والأغرب انه مزيف كما اوحت لي أختي الكبرى ، لا ادري لماذا إصر والدي على كتابته في بيان الولادة يوم انبثاقي للحياة ؟ ربما لان فرحة الأب في لحظة إنجاب مولود ذكر أنسته تواريخ الأيام والأشهر والسنوات ، أو لأنه تعمد كتابة تاريخ ميلاد من اختراعه لغاية في نفسه؟أين أجد القابلة التي سحبت أطرافي يوم ولادتي تلك الصابئيه الحنون التي هاجرت بلا وداع ، كنت وأنا صغير اقضي النهار بقربها حيث كانت بمثابة أم رءوم تغمرني بحنانها كابنها ، لم تهدأ سورة غضبي حتى اعرف السبب في عدم إدراج ذلك التاريخ الحقيقي ليوم ولادتي ، بدأت تتقاذفني الاسئله ترى ما هي الغاية في عدم إخباري بذلك التاريخ ؟مر زمن ولم احظ بالاجابه ، ترى من سيخبرني بتلك الإحداث التي أعقبت ولادتي ، سألت إخوتي ولم يفضوا بشيء ذي بال لسؤالي اللحوح، مات والدي وبعد سنه تبعته والدتي ،وتفرق الإخوة والأخوات كل إلى حيث حياته الخاصة موزعين في أصقاع الأرض ، لايربطنا رابط سوى تشابه اسم الأب وإلام والجد في بطاقاتنا الشخصية والجوازات .. ياله من زمن ميت تتصحر فيه أنبل رابطه وأسمى مشاعر، صحت والحزن الكبير يسورني كغابه ، إنا معكم يا أحبتي حتى ابعد شراييني إنني احتاجكم بعنف لنعيد عقارب الساعة إلى الوراء ونلعن التواريخ والإحداث التي فرقتنا،ياله من زمن متسارع بجنون لا أحد يحفل ولو لبرهة ليستذكر تلك الأيام ، صحيح إنكم تمقتون تلك الأيام لقسوتها ولا تتمنون تذكرها وهي بالنسبة لكم ردح من العذاب لايمكن تذكره ، ولكن ماذنب قلبي يترك وحيدا مثل الصبار في الصحراء متعطش للحياة أو الموت - هل بدأت أهذي - وهل نعتقد إننا مخلدون ؟ أذن لماذا نترك ذواتنا تستجدي العاطفة فلا تجدها في حياة يتأكلها الجفاف على مهل !؟إن هي إلا حياة قصيرة يحياها المرء تنقضي سراعا ويتلاشى وتتلاشى معه الذكريات ..صدقوني هي حياة واحده ليس لها أخت هي هبة الجمال لحظات لماذا نسفحها على مصاطب الانتظار المعشعش بالغباء والتجافي!! ؟ ولكي أقف على الحقيقة وأنهي طوفان الاسئله بداخلي رحت أنقب بين الأوراق القديمة في صندوق العائلة ذي الجلد المرمري، تركة والدي ويالها من تركه !! صندوق قديم معفر بالغبار كان يحتفظ به والدي داخل غرفته ، ويحذرنا من التقرب منه ، كان والدي مزواجا ، على ما أتذكر انه قال لي ذات مره انه اقترن بأكثر من امرأة وفي أماكن متعددة ، نسوه غير اللواتي كنا نعرفهن وله منهن أولاد أخوه وأخوات لي من غير الأشقاء ،وكان يتباهى انه لم يبت يوما في فراش العزوبية - يالها من حياة صاخبة حياة والدي وياله من مغامر –دلفت الغرفة المظلمة برائحة الخشب المتعفن - أواه مافائدة البصر في ظلام دامس كهذا !! أضأت مصباح الغرفة، فلاح لي الصندوق قرب السرير ،ها أنت بين يدي أيها الصندوق ما سرك وماذا تخفي !؟ فتحت الصندوق الخشبي بعد أن أزحت عنه غبار السنين المتراكم، باغتتني رائحة الخشب المتعفن التي ملئت انفي ،كان بمثابة أرشيف العائلة المنقرضة ،ليس سوى رزم لأوراق صفر عتيقة !!
- إذا لماذا كان والدي يحذرنا من الاقتراب منه ما السر في ذلك !؟ كانت موجوداته عبارة عن أوراق عقود زواج ، رسائل قديمه، وصفات طبية ، وصولات ضرائب حكوميه مدفوعة وإنذارات ، دفاتر تجنيد وكنى بحسن السير والسلوك ، شهادات دراسية لي ولإخوتي ، كان يحرص والدي على رزم تلك الشهادات كل نهاية عام دراسي وإيداعهن في ذات الصندوق ، صور بالأبيض والأسود لوالدي ووالدتي والإخوة والأخوات ، لحظات متجمدة وصور محنطه من ذاكرة زمن غادرناه أو هو غادرنا ، كنت الوحيد في العائلة الذي لم يكبر منذ ولادته مع انه زمن يشيخ فيه كل شيء، تداعت في مخيلتي الذكريات وأنا اقلب تلك الصور، كم ضحكنا ولعبنا وتخاصمنا، كم بكينا كم فرحنا، كم كنا نحلم ونتبادل الرؤى والآمال ، زمن طاف وتلاشى ولم يبق منه إلا هذا الأثر ، أنها ساعة متأخرة لا تريد أن تمر، لم أجد ما يبدد حيرتي في ما ابحث عنه وهوالتحقق من تاريخ ميلادي الحقيقي ،كنت كقارب لا يهتدي إلى ساحل والليل يمتلئ ظلاما، تملكني اليأس وخابت أمالي في العثور على ما يثبت إن تاريخ ميلادي مزيف ، كانت الذكريات تنساب متدافعة بعنف بداخلي في غمرة اليأس ، وأنا اقلب تلك الأوراق العتيقة اكتشفت انه بمجرد انك تبحث عن شيء معين في دهاليز الذاكرة تنكشف لك مغاليق وأسرار أشياء أخرى كثيرة وحوادث لم تخطر على البال ، غابت عنك أو غيبت في خضم زحمة السنين والأيام !! وفي لحظة صمت انتابني شعور بالإحباط وتراجع اندفاعي ، لم البث أن أعدت الأوراق الصفر إلى قبرها داخل الصندوق وأغلقته، ورحت أتسائل مع نفسي وماذا يفيد الإنسان إذا عرف الساعة واليوم والشهر وألسنه التي ولد فيها مادامت السنون التي يقضيها في حياته مجهولة !!؟.

 

                                                     صادق البصري

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !