استيقظت من نومها فى السابعة صباحاً كعادتها كل يوم , ارتدت ملابسها على عجل و ارتشفت رشفات سريعة من قدح الشاى الساخن قبل أن تنزل الى الشارع و تدير محرك السيارة مستعدة للذهاب الى عملها و قامت بوضع اسطوانة لفيروز و أغمضت عينيها لمدة دقيقتين قبل أن تفتحهما مجدداً لتنظر فى ساعتها و تنطلق مسرعة لتصل فى الميعاد الى عملها كمدخلة بيانات فى احدى شركات الاتصالات الكبرى.
دلفت من الباب محيية كل الجالسين بابتسامة رقيقة من وجهها الجميل و بدأت فى ادخال البيانات على الحاسب الالى فى سرعة و دقة متذكرة فى خيالها وجهه الأسمر وملامحه الهادئة.
يا الهى ..انها تحبه كما لم تحب من قبل, انها تفكر فيه بلا توقف و تتذكر ملامحه فى كل وقت و كأنما هو واقف أمامها لا يتحرك و لا يتزعزع .
انه أجمل ما فى هذا الكون , من أجله غنت فيروز و فى عينيه كتب كل الشعراء أجمل القصائد,
انها لم تشعر فى حياتها بسعادة الا عندما رأته فابتسمت له و ابتسم لها و عندئذ وجدت قلبها يخفق بشدة و لم يتوقف عن الخفقان منذ هذة اللحظة , انها تقرأ شعراً فتجده فى كل سطر , تكتب نثراً فتراه فى كل حرف , تشاهد فيلماً فتشاهده فى كل بطل و كل ممثل, تستمع الى أغنية او الى لحن موسيقى فتراه العازف و المغنى.
انه مركز الكون و محور الحياة التى كانت تدور بلا توقف قبل أن تعرفه فاذ بها تقف – اى الحياة- عندما رأته و عرفته.
لم تتصور ابداً أنه سوف يأتى من يسلب مشاعرها بهذة الطريقة , لم تتصور ابدأً انها على هذا القدر من الرومانسية او انها تحب قراءة الشعر, هى التى عرفت نفسها منذ الصغر مهتمة بالسياسة و الأدب فجأة تتحول الى رومانسية من الدرجة الأولى تقرأ دوواوين الشعر و تستمع الى أغانى الحب و تدمع عيناها وحيدة.
ما أروع ما تعيشه من سعادة معه فى العالم الخيالى و لكن ما أتعس حياتها معه على أرض الواقع, فى الخيال هى زوجته و حبيبته الوحيدة و يعيشان معاً فى عالم بلا ضغائن و لا منغصات بأحلام بسيطة و طموح مشروع.
اما فى الحقيقة فهو زميل عمل لا أكثر و لا أقل تراه يومياً فيتبادلان الابتسام و فقط.
هو لا يتصور انها تعرفه , هو اصلاً لا يعنيه ان كانت تعرفه او لا اما هى فهى تعرف عنه كل شىء,
تقرأ عينيه و تكلمها و تعرف من نظراته ما لا يتصور انها تعرفه.
تسرح فى خواطرها و تبكى , تبكى لأنه الحب المستحيل, الحب الذى لا يمكن أن ينتقل من العالم الخيالى الى أرض الواقع ثم تشرق من وسط الدموع ابتسامة فهى لا يهمها أن ينتقل حبها من دنياها الى الدنيا التى نحياها , سيكفيها فقط أن تحبه فى عالمها و يعيشا معاً – فى خيالها – أسعد حياة و احياناً -ان لم يكن دائماً – يكون الخيال أكثر واقعية من الواقع.
كل ما يؤلمها هو صمتها و عدم قدرتها بالبوح بهذة الأسرار الا على الورق.
دقت الساعة الرابعة و النصف فأغلقت ما تعمل به من ملفات و خرجت من الباب و ابتسمت بعذوبة الى فرد الأمن الجالس بجوار البوابة و ركبت سيارتها و غادرت و الابتسامة لم تفارق وجهها .
و خلفها جلس رجلى الأمن يقول فى سره " لا حول و لا قوة الا بالله , بقى الجمال ده كله و خرسا "
التعليقات (0)