يرجع اسباب هذا الصعود الى ازمنه فائته ولعل بدايتها كان افتتاح جامعة القاهرة التى يعود فضل وجودها الى الأميرة فاطمة بنت إسماعيل التى تبرعت بالأرض والمال، بل بنفقات حفل الافتتاح وطبع الدعوات والإعلان فى الجرائد وغير ذلك من النثريات وكان ذلك بعد أن أوقفت الأميرة مئات الأفدنة للإنفاق على الجامعة الوليدة التى لم تتردد فى التبرع لها بمجوهراتها الخاصة، كى يتحقق لمصر حلم وجود جامعة مدنية حديثة، أسوة بدول العالم المتقدم
ويتفق أحمد لطفى السيد، رئيس الجامعة مع الدكتور طه حسين وعلى إبراهيم باشا على قبول الطالبات اللائى أنهين الدراسة الثانوية دون إعلان خوفا من هجوم المحافطين، متعللين بأن القانون الأساسى فى الجامعة يبيح دخول المصريين، وهو وإن كان لفظا مذكرا، فإنه ينطبق على المصريين والمصريات وتسربت الفتيات إلى الجامعة حتى تكاثرت أعدادهن، وهكذا عرفت الجامعة الجيل الأول من الجامعيات الذى ضم نعيمة الأيوبى و مفيدة عبد الرحمن التى كانت أول فتاة تمارس مهنة المحاماة وتفتتح مكتبا خاصا بها وأول سيدة مصرية تستمر بمجلس الأمة 17 عام متصلة وأول محامية بالعالم العربى تترافع أمام المحاكم العسكرية العليا وأول محامية تقيد بالنقض ،وفاطمة خليل وزهيرة عبدالعزيز وفاطمة سالم وأمينة السعيد من الآداب وسهير القلماوى أولى الطالبات الملتحقات بكلية الآداب التى قبلت فى قسم اللغة العربية بها، سنة 1929، فكانت الفتاة الوحيدة بين أربعة عشر زميلا، ظلت تتفوق عليهم، إلى أن حصلت على درجة الليسانس عام 1933، ودرجة الماجستير 1937 ثم الدكتوراه عام 1941، فكانت أولى الحاصلات على هذه الدرجة فى العالم العربى ، وكوكب حفنى ناصف وتوحيدة عبدالرحمن فى كلية الطب، ولطيفة النادى التى أصبحت المرأة الأولى فى ممارسة الطيران
ومع تعاقب السنوات انتقلت الطالبات من مقاعد الدراسة إلى مقاعد التدريس، خصوصا بعد أن ذهبن فى بعثات جامعية، وعدن مساهمات فى كل مجال من مجالات التدريس الجامعى، شأنهن فى ذلك شأن الأساتذة من الرجال سواء بسواء، وذلك بفضل رعاية جيل الرائدات الذى انتسبت إليه نبوية موسى وتولت بالرعاية الخاصة بسميرة موسى (1917ــ 1952) العالمة المصرية الأولى فى علوم الذرة.
ولم يكن من المستحيل، فى هذا السياق، أن يتأسس الاتحاد النسائى للمرأة المصرية سنة 1923 بقيادة هدى شعراوى، ويذهب وفد الاتحاد المصرى إلى روما للإسهام فى مؤتمر الاتحاد النسائى العالمى، ويحصل على عضويته ،
وكان ذلك إرهاصا بظهور جيل جديد من المناضلات، فى سبيل تأكيد حضور المرأة الجديدة، واستمرارها فى مواجهة متغيرات عالم الحرب العالمية الثانية (1939ــ1945) وأبرز ممثلات هذا الجيل درية شفيق (1908ــ1965) التى أنشأت مجلة «بنت النيل» ، وأسست حركة التحرر الكامل للمرأة المصرية واقتحمت البرلمان المصرى مع 1500 امرأة، فى فبراير 1951، لإجبار المجلس ورئيسه على النظر الجاد فى منح المرأة حق الانتخاب والترشيح للبرلمان ولم تتردد فى إعداد فرقة شبه عسكرية من النساء المصريات لمقاومة الجيش البريطانى فى قناة السويس وتدريب ممرضات سيدات وقادت مظاهرة فى يناير 1951 دعت فيها إلى مقاطعة بنك باركليز البريطانى فى القاهرة، كماقادت حملة احتجاج مؤثرة ضد عدم وجود تمثيل للمرأة فى اللجنة التى تولّت إعداد دستور 1954، ولم تهدأ إلا بعد أن وعدها الرئيس محمد نجيب بتحقيق مطلب منح المرأة حق التصويت والترشيح فى الانتخابات وكان ذلك بعد أن أضربت ورفيقاتها عن الطعام لمدة عشرة أيام وظلت تصدر مجلة المرأة الجديدة ومجلة بنت النيل لكن كان عليها أن تدفع غاليا ثمن معارضتها للسياسات الناصرية، فتفرض عليها الإقامة الجبرية فى منزلها، وتعانى مرارة العزلة القسرية والتجاهل والتعتيم والنكران، إلى أن ينتهى بها الاجل سنة 1975 .
التعليقات (0)