عبد الهادي فنجان الساعدي
كان "الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم" يكرر باستمرار (الرحمة فوق القانون) . ونحن نباشر بالمراحل الاخيرة من تاريخ الانسان قبل ان يتحول الى كائن اخر . قد يحتفظ بهيكله الحالي وقد يغير من ملامحه الا انه بالتاكيد ليس الانسان العراقي .. ذلك الكائن الذي استطاع ان يقاوم لآلآف السنين من اجل البقاء والتطور هجمات البرابرة الشماليين والشرقيين وفيضان دجلة والكوليرا في ان واحد ولم يسقط ولو لمرة واحدة .. لم يغب عن بالي عام 1831 .
ما يحدث الان هو هجوم البرابرة الاجانب وابناء العم من كل حدود البلد الذي فتحه بوش ليصل الى منابع النفط في بابل(1) (والناس نيام اذا ماتوا انتبهوا)(2).
(تلك هي امريكا ، لن تكون الا هكذا ، كانت دائما هكذا . انها اختراع شيطاني عند البعض . اما عند البعض الاخر فهي اختراع رباني)(3).
انها صرائف الطين واحياء التنك مقابل الاستثمارات العملاقة (ما ترى من نعمة موفورة الا بجانبها حق مستلب)(4). الاستثمارات العملاقة تلكم القيمة الوحيدة التي يعترف بها الامريكان بمقابل تدمير أي بنية تشكلت خلال قرون او حتى خلال الاف السنين . انها الهدف وراء الفوضى التي خلقها الامريكان في العراق، انهم يعرفون النتائج مسبقا من خلال مراكز الدراسات الاستراتيجية المستقبلية ان هذه الفوضى يقابلها – كمنطق – قوات مسلحة وطنية تتوازن فيها المعادلة لصالح الانسان ولصالح الوطن المحتل . ولكن الحسابات الامريكية التي اظهرتها النتائج من خلال تلكم الدراسات هي بمعنى (احزموا امتعتكم) . او ان هذه القوات ستنقلب لمحاربة الامريكان أو لاسقاط الحكومة التي تعبت في تصنيعها بهذا الشكل الاخرق .
(ان لوبي الشركات النفطية قوي جدا في الولايات المتحدة الامريكية ويحرك الحكومات ضد أي مطالبة مقبلة لاية حكومة عراقية ديمقراطية مقبلة في تعديل صيغ العقود لتحقيق مصالح العراق او لا يقبل بالحلول الوسطى وحل المنازعات سلميا اذ دائما يفكر ان العسكرية الامريكية معه. في مثل هذه الظروف ستكون دائما هناك مشاكل مع امريكا وتهديد بالحرب او المقاطعة وخلق الفتن فنحن في قلب الشرق الاوسط الملتهب ومن يقرا الكتاب الموسوعي القيم (الجائزة : النفط من بابل الى بوش) لمؤلفه دانييل يرى ما تستطيع الشركات الامريكية النفطية عمله . علما ان هذه الشركات تركض وراء الحقول (العملاقة))(5).
لقد منحت الولايات المتحدة الامريكية العراق هبة المحاصصة التي حاولت ان تعيد للشيعة والاكراد حقوقهم من السنة التي اغتصبوها منهم على مدى قرون . الا ان الحقيقة هي انها صنعت من هذه الهبة مشكلة ابدية استطاعت ان تجعل منها نفق الموت الذي ادخلت فيه الشيعة والاكراد والسنة والذي لا يؤدي الى نهاية .
أن تفكيك البنى التحتية لعدد من المؤسسات بقرار واخرى بدون قرار هو من اجل خلق حالة من الفوضى والتسيب وضياع الرقيب التي تؤدي الى انشغال الناس بالنهب والسلب وحرق المؤسسات وقد حدث ذلك في بلدان كثيرة احتلتها امريكا وهذه هي اصول اللعبة .. وبعكس ذلك فسوف يتوجه ابناء البلد لمحاربة المحتل او اعاقة احتلاله وبذلك تم لهم ما ارادوا بكل سهولة مستغلين الفوضى والعوامل النفسية التي خلقها النظام السابق لتدمير روح المقاومة عند الناس مما ولد حالة التشفي بسقوط النظام وكلها عوامل ساعدت المحتل لان يتم الوصول الى بابل التي خدع صدام الشعب عندما صورها وهي تنهض من جديد وهذه هي اصول اللعبة القذرة .
كيف تطورت الاحداث من النهب والسلب الى السيارات المفخخة ، أي القتل الجماعي وتدمير رموز الطوائف لتحريك الطوائف الاخرى . ثم الضربة شبه القاضية وهي التهجير الداخلي والخارجي بالقوة والترهيب والاغتيالات بالقتل المبرمج والمنوع لارهاب الناس وخلق الفوضى ومحاولة تعطيل الحياة؟!!
أن لعبة تلاقي الاضداد وجدت نموذجها الحيوي في تلاقي انصاف العلمانيين قتلة الامس والتكفيريين لتشكيل قاعدة تدميرية من اجل تحقيق حلم مستحيل تحاول كل هذه القوى المراهقة فكريا تحقيقه والعودة بالارض الى الدوران بالاتجاه المعاكس .
أن اشد ما يؤلم هو ردود الافعال الساذجة للطوائف الاخرى التي تتمثل في القتل السادي الثأري والتهجير المعاكس والشراسة في التعامل البربري مع الابرياء من كلا الطرفين دون البحث عن الفاعل الحقيقي ، أو حتى دون العودة الى منطقة محايدة من التفكير العقلاني من اجل اعادة تشكيل حساباتنا بعقلية واعية ودون النظر الى المسالة وكانها دم مقابل دم وليست دم مقابل نفط.
موجات من الافعال الدموية وردود الافعال الاكثر دموية . كل ذلك من اجل ايصال البلد الى مرحلة الياس والقبول باي افتراض لغرض تمرير اتفاقيات المشاركة في الانتاج مع الشركات الامريكية دون غيرها . والبعد الاخر هو اعادة تشكيل كيان المنطقة بالصورة التي يعتقد الامريكان من خلال الكومبيوتر بانها الصورة المقبولة لغد اكثر ملائمة للذوق العام ورسم الخطوط بما يتلاءم مع المخيلة الامريكية .
النتائج يتحملها اثنان .. المواطن صفر .. والمثقف .. المواطن صفر يحلم بالغد والمثقف يحلم بالامس .. ولا يمكن ان تكون النتائج صحيحة اذا لم نعكس الحلم لنجعل المثقف يحلم بشكل اكيد بالغد .. ليرسم للمواطن صفر صورة هذا الغد الذي سيحلم به الاثنان سوية ليكونا الرقم الصعب في معادلة الدم .. مقابل النفط.
الحواشي:
(1) النفط من بابل الى بوش : تأليف دانييل .
(2) الإمام علي بن أبي طالب .
(3) حدائق الله للصافي سعيد ص159 / أنظر الشرق الاوسط العدد 10218 19/11/2006 .
(4) الإمام علي بن أبي طالب .
(5) فؤاد قاسم الأمير / مسودة "قانون النفط والغاز" موضوع على الانترنيت .
التعليقات (0)