الصراع المذهبي.. والأخطار المحدقة
خليل الفزيع
إلى وقت قريب لم يكن الصراع المذهبي بهذه الحدة التي تشهدها الساحة العربية الآن، وقد كان الناس يمارسون حياتهم العادية وفق مذاهبهم الدينية التي ارتضوها لأنفسهم دون تدخل من أحد، ودون وصاية عليهم من أصحاب المذاهب الأخرى، بل أن دولا عربية أخرى ضمت ديانات تعايشت في سلام وأمن، دون أن تبرز في مجتمعاتها خلافات دينية أو مذهبية انطلاقا من الحرص على المصلحة الوطنية العليا من خلال استتباب الأمن الوطني ووقوفا في وجه أي تدخلات أجنبية قد يفرزها أي خلاف مذهبي يسعى لإشعال ناره أناس تغيب عن أذهانهم مصلحة أوطانهم وأمنها واستقرارها.
وفي السنوات الأخيرة برزت أصوات تغرد خارج سرب المصلحة الوطنية العليا، أصوات يدفعها الغلو والتطرف إلى نبذ أصحاب المذاهب الأخرى، وإقصائهم ومحاربتهم رغم ما تضمنه لهم الدولة من حقوق وما تفرضه عليهم من واجبات، ومن الطبيعي أن تكون لهذا الأصوات النشاز ردود فعل عنيفة من الأطراف الأخرى التي تتعرض لهذه المواقف المعادية، وبذلك يشتد الصراع، وتحتقن النفوس بالبغضاء، وتشحن القلوب بالكراهية، وفي خضم هذا الصراع تنسى مصلحة الوطن والمواطن، وتستيقظ الفتنة، وينشغل الناس بعداء إخوانهم في الوطن وفي الدين وربما في النسب.
ومن المؤسف أن التعميم يصبح سمة مثل هذه الصراعات، مع أن الفرد إذا ارتكب خطأ لا يجوز أن يعمم على الطائفة أو الجماعة التي ينتسب إليها، فهو وحده من يتحمل تبعة خطأه ولا يجوز تعميم موقفه على بقية أفراد الفئة التي ينتسب إليها، لأن هذا له معنى واحدا وهو شيوع الصراع المذهبي ليسود ويشوه العلاقة بين طرفي الاختلاف، وتحويل أي صراع أو خلاف من حالته الفردية إلى حالة جمعية ستكون نتيجته وبالا على المجتمع والوطن، بل وعلى الأمة، وربما أدى إلى ولاءات وتدخلات أجنبية ذات أهداف مشبوهة، هدفها الإساءة للوحدة الوطنية وتذويب الولاء للوطن والدولة، وما من مجتمع استشرى في ربوعه الصراع المذهبي إلا وتفاقمت فيه المشاكل، وتنامت فيه الفتن وهرب منه الأمن والاستقرار.. وما تعيشه بعض الدول من صراعات أدت إلى حروب طاحنة، هو خير دليل على أن نتائج أي صراع مذهبي لن يكون في صالح الوطن والمواطن.
ومن حسن الحظ أن تكون حكمة الدولة قادرة على استيعاب مثل هذه الصراعات ووأدها في مهدها، وقطع دابرها عندما تطفو على السطح، واجتثاث جذورها قبل أن تتفشى في المجتمع، وهذا الوعي المبكر بمثل هذه الأخطار يحقق الحماية للمواطن من أي تبعات سلبية، كما يسهم في تحقيق أمن واستقرار الوطن، وهذه أهداف لا مجال للمساومة عليها أو اختراقها لا بسبب تعصب مذهبي ولا بسبب أي شيء آخر، لأن المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
قد تدفع الحماسة بعض الأفراد للغلو في محاولة فرض وجهات نظرهم، وهو أمر لا يتفق مع المصالح العليا لأي دولة، فالغلو نتائجه معروفة، لأنه يولد غلوا مشابها، وكل ذلك يؤدي إلى تطرف يجهل أو يتجاهل نتائجه أولئك الأفراد الذين دفعتهم الحماسة لركوب موجات الحدة والعنف في الخطاب الديني، انطلاقا من قناعات مهما كانت وجاهتها من وجهة نظرهم فإن التفكير في عواقبها كفيل بإعادة النظر في إثارتها بالشكل الانفعالي والمتوتر والبعيد عن الحكمة والموعظة الحسنة.
إن أخطارا محدقة بكل الأوطان، تتحين الفرض للانقضاض على منجزاتها التنموية، وتشويه مكاسبها الحضارية، وتحجيم أدوارها الكبيرة إقليميا ودوليا، ومساهماتها في إشاعة الأمن الإقليمي السلام العالمي.. مما يهدد وحدتها الوطنية، وهو أمر لابد من الوقوف أمامه بصلابة لا تلين وقوة لا يعتريها الضعف، وأول خطوة في هذا الطريق هو وأد الصراع المذهبي، ومواجهة المروجين له بلا تردد.
التعليقات (0)