الصراع المحسوم لصالح الصهاينة منذ البداية
الصراع العربي الاسرائيلي, يُعد من أطول الصراعات السياسية وأكثرها سخونة في العصر الحاضر, فمنذ 100 عام تقريباً والفلسطينيين واليهود والصهاينة, ما زالوا يتنازعون على نفس الأرض, إنه ليس نزاعاً بسيطاً, بل نزاع يشتمل على مطالب من كلا الطرفين, مُستمده من نظرتهما وفهمهما له. فاليهود يستمدون مطالبهم ويرجعونها إلى التوراة, أما الفلسطينيون فيستمدونها من البُعد التاريخي ومن كونهم السكان الأصليين (1).
فالصراع, إما أن يكون صراعاً سلمياً , أي, يتخذُ صورة الصراع الأيديولوجي (2), أو الصراع الاجتماعي والسياسي والعلمي والاقتصادي والطائفي. وصراعنا مع الصهيونية "كفكرة سياسية" –والعدو الإسرائيلي كدولة, هو تعبير عن الإرادة السياسية للأمة العربية, وهو صراع تاريخي واستراتيجي طويل الأمد بقسميه (3):
الأول: الصراع السلمي الدائر منذ زمن في ميادين كثيرة سواء خلف الكواليس الدولية وأروقة هيئة الأمم المتحدة.
الثاني: الصراع المسلح الدائر على أرض فلسطين, وانتقاله إلى الدول المجاورة.
فالصراع العربي – الإسرائيلي هو مصطلح حديث لصراع بدأ في نهاية القرن الماضي ولم تنته فصوله بعد, وهو في جوهره صراع على أرض فلسطين, الأرض المقدسة للديانات الثلاث,
(1) كليفورد رايت, ترجمة عبد الله زريقات, حقائق وأباطيل في الصراع العربي الإسرائيلي, ط1, دار الناصر للنشر, عمان - الأردن, 1992م, ص 7.
(2) إنها عملية تكوين نسق فكري عام, يُفسر الطبيعة والمجتمع والفرد مما يُحدد موقفاً فكرياً وعملياً. يربط و يُكامل بين الأفكار في مختلف الميادين الفكرية والسياسية.
(3) خالد الشيخلي, جذور الصراع العربي – الصهيوني, ط1, بغداد – العراق, 1990م, ص8.
قلب الوطن العربي وصلة – الوصل بين شطريه, الآسيوي والإفريقي والعامل الأساسي لنشوء الصراع – هو الحركة الصهيونية التي نشأت كإحدى صور الغزو الاستعماري للمنطقة العربية في العصر الحديث, وتهدف إلى حشد اليهود في فلسطين وإنشاء دولة يهودية ثم التوسع فيما حولها من أراضي عربية, مُستخدمةً في ذلك الادعاءات التاريخية والدينية (1).
وإذا كانت فلسطين قد أصبحت قضية ذات طبيعة خاصة ومُتفردة منذ مؤتمر "بال" الصهيوني الذي انعقد عام 1897م بزعامة الصحفي "ثيودور هيرتزل", فإن البترول بدأ يتبلور كقضية ذات وزن متنامٍ في حركة الامبريالية العالمية منذ انبثاق الذهب الأسود (2).
لذا أخذوا يبحثون عن دولة لها مطامع في الشرق الأوسط فوجدوا ذلك في بريطانيا التي كانت تحسُب للقومية (3) العربية ألف حساب, من حيث أنها أكبر خطر يُهدد استعمارها عندما تستيقظ, وتُقدر خطورة موقعها الاستراتيجي وقيمة ثروتها الطبيعية.
ولقد فكر دهاقنة ساسة الاستعمار البريطاني في دق إسفين في هذا الجسم العربي يفصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا, وأخذوا يلوحون لزعماء اليهود بهذا الأمل البراق (4), وفي عصر
(1) خيريه قاسميه, الصراع العربي الإسرائيلي في خرائط, ط1, مطابع دار الشعب, القاهرة –مصر, 1979م, ص3.
(2) لطفي الخولي, أوراق من الملف العربي: مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي, ط1, مطبعة دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع, القاهرة – مصر, 1986م, ص7.
(3) مستمدة من قوم, وهم الجماعة, من الناس تجمعهم جامعة, يقومون لها وهي النهضة, وتكمن أهمية هذا التعريف في أنه يكثف العلاقة بين القومية كحركة سياسية والأمة ككيان اجتماعي.
(4) فرانك مناويل, بين أمريكا وفلسطين, ترجمة يوسف حنا, عمان –الأردن, 1967م, ص3.
الصراعات المحمومة على استقطاب الأمم المستضعفة وحيث تلاشي الاستعمار بوجهةِ الساخر, بدا من البديهي أن يفرض نفسه على ساحة الشرق الأوسط, ذات مُغريات الموقع (الذهب الأسود) وسوق الاستيراد الضخمة, فبدا الصراع على أشده, كِلا الطرفين يحاول إيجاد مواطئ أقدام أُخرى في المنطقة.
إن الحقيقة التي لا يُداخلها شك, تمثلت في قدرة المستعمر الغربي على زرع هذا الجسم الغريب حين تعهدته بريطانيا بالدعاية ورفدته أمريكا فيما بعد بالقوة بعد أن اجتازه مراحل اشتداد العود, وهكذا أصبحت إسرائيل عصاً أمريكية تستخدم للهش على أولئك الذين يجرؤون على قول لا لسياستها (1).
فالانحياز الأمريكي لوجهة النظر والمصالح الإسرائيلية ليس جديداً وإنما هو سياسة ظلت تتعمق وتتجذر على مرأى ومسمع من العرب على مدى أكثر من نصف قرن. فما هو التفسير العربي لهذه السياسة الأمريكية؟ يمكن القول أن القراءة العربية للموقف الأمريكي لا تخرج عن العوامل:
- العداء الغربي التقليدي للعروبة والإسلام.
- النزعة الامبريالية للولايات المتحدة وطموحها كدولة عظمى للسيطرة على الشرق الأوسط لحماية مصالحها.
فيما أن السياسة ليست إلا آلية لتحقيق مصالح الدولة, فإن السؤال الذي يبرز بحجم الشكوى العربية هنا: لماذا نجحت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط, بما في ذلك موقعها المنحاز لإسرائيل, وعلى مدى أكثر من نصف قرن وتماشياً مع المصالح الإسرائيلية؟ نجحت في فترة الانقلابات والمد
(1) موشيه زاك, ترجمة دار الجليل, ط1, دار الجليل للنشر, عمان –الأردن, 1988م, ص 5.
القومي وفترة الأنظمة العربية "الرجعية" في مقابل "التقدمية" ونجحت فترة الأنظمة المحافظة وغير المحافظة, ونجحت أيضاً بوجود الأنظمة "الديكتاتورية" والأنظمة الأكثر ديمقراطية كما أنها نجحت أيضاً في مقابل الأنظمة الملكية والأنظمة الجمهورية والأنظمة الجمهوملكية رغم ارتباك الموقف العربي المستمر (1).
قبل عام 1914م لم تكن لدى الولايات المتحدة الأمريكية اهتمامات تذكر بمسألة هجرة اليهود لبناء وطن على ارض فلسطين كمسألة سياسية رغم أن افتتاح أول قنصلية أمريكية يعود إلى عام 1844م, ففي تلك الفترة لم تُطالب أمريكا بأكثر من سياسة الباب المفتوح في المساعدة التامة في التجارة والملاحة في جميع مناطق النفوذ الأوروبي حيث أن تلك الفترة كانت مسرحاً لصراع بريطاني – فرنسي وخاصة في المشرق العربي, وكذلك ضعف الحركة الصهيونية في أوساط يهود الولايات المتحدة آنذاك (2).
إن موقف أمريكا من الحركة الصهيونية حتى بداية الحرب العظمى الأولى كان موقفاً مُحايداً, ولكن منذ أن انتُخب "ويلسون" رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وصار "لويس برانديز" مستشاره الأكبر, تغيرت الأوضاع وكان "ويلسون" رجلاً إنسانيا يعطف على جميع المضطهدين, وكان عطفه على اليهود من الناحية الإنسانية فقط (3).
(1) الحياة اللندنية, أرشيف, 15/4/2001م.
(2) توفيق أبو بكر, الولايات المتحدة الأمريكية والصراع العربي الصهيوني, مطبعة ذات السلال, الكويت, ص9.
(3) فرانك ماناويل, ترجمة فرانك حنا, بين أمريكا وفلسطين, واشنطن 1949م, ص 47.
وعلى وجه التقريب, مضى لأمريكا على تأسيسها ما يزيد على مائتي عام وتُعد من أكبر الدول الامبريالية في العالم. وطيلة سنوات وجودها لم تلتفت إلى تطوير مناعتها وبناء المدن واستخراج الثروات الطبيعية من أرضها بل كانت تنهب خيرات الشعوب بالحديد والنار وتُغرق حريتها وسيادتها بالدماء.
وفي خلال القرون الثلاث الماضية أشعلت أكثر من مائتي حرب, ناهيك عن التدخل المسلح والمغامرة المسلحة, وبانتهاج سياسة الهيمنة على الكون, عمدت على إنشاء قوات مسلحة ضخمة وأوقعت العالم في شِباكٍ عنكبوتيه وتتواجد القوات الأمريكية في أكثر من 300 قاعدة حربية (1). حيث ازدادت أهمية الدور الأمريكي بعد التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية والتي دفعت بالولايات المتحدة إلى رأس الهرم السياسي الدولي وتحت شعار القضية الفلسطينية.
تسعى الولايات المتحدة في الحقيقة إلى حل القضية الإسرائيلية, فأمريكا التي يبدو أنها قد فاجأت الكثيرين بسرعة الإعلان عن توفر النوايا لديها للبحث عن حلٍ للقضية الفلسطينية, قد خلقت انطباعاتٍ واجتهاداتٍ متباينة, البعض اعتبر ذلك انتصاراً للرؤيا "العراقية", ومفهوم الربط بين قضايا المنطقة والبعض الآخر اعتبره مؤشراً على النوايا الأمريكية الهادفة إلى حل بؤر التوتر في الشرق الأوسط بهدف تكريس النظام الدولي الجديد كنظام سلمي ومستسلم للإدارة الأمريكية (2). وفي حدة هذا الصراع العنيف, وفي غمرة الفوضى والاضطرابات السائدة في فلسطين, راح أقطاب
(1) مصطفى طلاس, الإستراتيجية الأمريكية الجديدة, ط1, إطلاس للدراسات والنشر, دمشق –سوريا, 1987م, ص 25-26.
(2) سميح معايطه, في التسوية السياسية للصراع العربي الصهيوني, ط1, دار البشير للنشر, عمان –الأردن, 1993م, ص 106.
الصهاينة ينادون بضرورة التدخل المسلح إن لم يكن عن طريق هيئة الأمم. وفعلاً أخذت أمريكا تتدخل في المشكلة الفلسطينية فأعلنت أنها لا تقف مكتوفة اليدين حيال ازدياد ضحايا اليهود (وطبعاً ليس حيال ضحايا العرب) مع العلم أنها كانت آنذاك خارج نطاق الصراع والمسؤولية. لكن المصالح الأمريكية الاستعمارية والمطامع الصهيونية قد فرضت على أمريكا الولوج سريعاً في هذا الصراع لصالح اليهود (1).
في عام 1922م عُقد اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشيوخ الأمريكي, وجاء في صيغة القرار "قرر مجلسا الشيوخ والنواب الأمريكي في الكونغرس (المجتمع) أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وإن الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية في فلسطين سوف تُحمى حماية كاملة, وقد عرف ذلك المشروع, بمشروع لودج (2). لكن بعد صدور الكتاب الأبيض عام 1939م (3), جعل الصهاينة يعودون للتركيز على الولايات المتحدة الأمريكية. وقد استجابت الولايات المتحدة لرغبتهم في تركيز الاعتماد عليها من أجل كسر محاولات بريطانيا تهدئة العرب والتقرب المؤقت منهم, وأقل استعداداً لقبول عزل الألمان والايطاليين (4).
(1) خالد الشيخلي, مصدر سابق, ص 211.
(2) توفيق أبو بكر, مصدر سابق, ص 23.
(3) دعت بموجبة الحكومة البريطانية إلى وقف الهجرة اليهودية المستمرة مقابل أن يتم هجرة خمسة آلاف يهودي في السنة الواحدة.
(4) توفيق أبو بكر, مصدر سابق, ص 10.
التعليقات (0)