طاغيةُ مصر المخلوع تمكـَّـن من صناعة سياسة الأصَم المُبتسم بعد تطبيقها طوال ثلاثة عقود، وورِثها عنه كلُّ من أتىَ من بعده!
يمكنك أنْ تصرخ، وتشجّ رأسَك في الحائط، وتبكي، وتنهار، وتلعق أحذيةَ الكبار لكي يستجبوا لك، لكن لن يعطيك أحَدٌ أذُنــَـه، فالاستجابة للمواطن تمنح المسؤولَ إحساساً بالدونية!
كانت تلك سياسات أكثر المسؤولين في مصر علىَ مدىَ سنوات طويلة، كأنها إتفاق ضمني بأنْ لا تسمعني ولا أسمعك، يهين وزير الثقافة إحدى موظفاته بطريقة متخلفة يعرف المتأمل فيها أن الثقافة تنحدر في عصره، ولا يرفع رئيس الوزراء أو الرئيس سماعة الهاتف ليعاتبه. تتحول الاسكندرية إلى مجرى لمياه الصرف الصحي، وتصل صرخات الناس إلى السماء العلا، لكنها لا تقترب من القصر. تتحدث مصر كلها عن اكتشاف القرن الذي قدَّمه لواء دكتور بطريقة فجــَّـة شوارعية كأنه يبيع سندويتشات كبدة ملوثة أمام مدرسة ابتدائية، فلا يتلقىَ عتاباً واحداً علىَ بيع الوهم، ولا يسمع القصرُ استغاثات العلماء والمكتشفين والأطباء والمؤسسات الصحية، فالدولة تــُـدار بطريقة لا تسمعني و .. لا أسمعك!
منهجية إختيار المذيعين والمذيعات في القنوات التلفزيونية المصرية لم تتغير قيْدَ شــَـعْرة لسنوات طويلة، وكلما غادر سيــّـدٌ القصرَ ومشىَ علىَ السجاد الأحمر سيـّـدٌ جديد، احتفظ اللاحقُ بسياسة السابقِ في سـَـدِّ الأذُن، والاستمرار في جعل أكثر مُقدمي البرامج والنشرات والحوارات والضيافات من المُعاقين ذهنياً، والمتخلفين تعبيرياً، والأميـّـين معلوماتياً، والكارهين للغة العربية وقواعدها ونحوها وصرفها و.. جمالها. لذا فأنت تصرخ، وتُغرق دموعُكَ وادي النيل، وترسل شكاوىَ، ويقرأها علىَ المشاهدين مُقدِّمو بعض البرامج في القنوات الخاصة، لكن الكبارَ أكبر من أنْ يُنصتوا للصغار، والخطأ والجُرم والخطيئة والتدمير والهدم والجهل كلها أشياء لا يُعاقـِـب عليها القانون، ولا يكترث لها القضاءُ، إلا قليلا، ولا تقترب من باب القصر أو رئاسة مجلس الوزراء فهي علاقة قائمة علــىَ انطح برأسك حائطاً، فأسيادُنا وضعوا أصابعَـهم في آذانهم!
التحضر والتقدم والتطور والنهضة لا تقترب من دولة قبل وضع سيخ في طبلة أذن المسؤول لتسليكها أو تنظيفها أو تطهيرها، وسكان القصر لا يُطلــّـون علىَ قاطني الكوخ، وثلاثون مليوناً شهدوا علىَ جرائم مبارك لثلاثين عاماً، لكن القضاة لم تصل إلى أسماعهم جريمة واحدة، فحوار الصم والبكم والعمي ضرب في جذور التربة المصرية ولا تخلعه عواصف الدنيا و..زلازلـُـها!
دموعُ الحُزن تفيض، ويغرق فيها المصريون، لكن الكبارَ غيرُ عابئين أو مكترثين أو مهتــَّـمين لأنهم لم يبحثوا بعد عن الشعب!
التعليقات (0)