تقديم :
شُتمَت أمنا عائشة رضي الله عنها من طرف أحد الشيعة في لندن كما يعلم الجميع . ولذلك أتوقف مؤقتا عن نشر باقي حلقات بحث " جريمة الإفطار جهرا في رمضان " . وإذ أعتذر للقراء الكرام، فإني أتقدم بهذه الحلقات المرتبطة بشتم الصحابة من طرف الشيعة، وكذلك التهجم على عائشة رضي الله عنها واتهامها بالباطل ، ثم ما يمكن استخلاصه من ذلك فيما يتعلق بالعلاقة بين الشيعة والسنة وغير ذلك ...
هذا وسأتابع باقي حلقات بحث " جريمة الإفطار جهرا في رمضان " فيما بعد بإذنه تعالى، والله الموفق للخير .
1- "محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا، سيماهم في وجوههم من اثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما" (الفتح : 29)
2-
إني أحب أبا حفص وشيعتـــه كما أحب عتيقا صاحب الغار
وقد رضيت عليا قدوة علمــــا وما رضيت بقتل الشيخ بالدار
كل الصحابة ساداتي ومعتقدي فهل علي بهذا القول من عار؟
تنبيه لابد منه
موضوع هذا البحث شتم الشيعة لعائشة الصديقة بنت الصديق، رضي الله عنهما وأرضاهما، وما يرتبط به من أمور وقضايا لها صلة بالعلاقة بين الشيعة وأهل السنة . وفي الموضوع ذكرٌ "لأحاديث " الشيعة على سبيل الاستشهاد، أو على قاعدة "من فمك أدينك "، وليس على سبيل القبول بها من حيث الثبوت . بمعنى آخر ذكرها هنا لايعني أننا نسلم بصحتها، وإنما جريا على أصولهم وقواعدهم، وإلا فإن معظم "أخبار" الشيعة "لاأزمة لها ولاخطام "كما أثبت ذلك العلماء، خاصة وأن تقسيم الحديث إلى صحيح وغيره لم يظهر لديهم إلا مع علامتهم ابن المطهر الحلي (ت : 726 ه)، وقيل مع شيخه أحمد بن طاووس .
أقام بعض الشيعة في لندن "حفلا" شتموا فيه السيدة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما، ونشروا خبر الحفل في موقع لهم، ومنه أنقل ما يلي :
[أقامت هيئة خدام المهدي (عليه السلام) حفلاً إيمانياً بهيجاً بمناسبة ذكرى هلاك الحميراء عائشة بنت أبي بكر (لعنة الله عليهما) يوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك وذلك في حسينية سيد الشهداء عليه السلام(...)
وألقى الشيخ ياسر الحبيب كلمة وسط حضور كثيف فاق التوقعات، حيث بدأها بالتأكيد على أن عائشة هي عدوة الله وعدوة رسوله صلى الله عليه وآله، وأنه يصعب تعداد جرائمها في حق الإسلام والمسلمين، وأبشع هذه الجرائم قتل رسول الله صلى الله عليه وآله ، والمشاركة في الانقلاب على أمير المؤمنين (عليه السلام) والخروج عليه ومحاربته، وإيذاؤها سيدة نساء العالمين (عليها السلام) حتى أبكتها، وابتهاجها باستشهادها وباستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، ورميها جنازة الإمام الحسن (عليه السلام) بالنبال، وتسببها في قتل ثلاثين ألف مسلم، وتلويث سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأحاديثها المكذوبة، ورميها السيدة الطاهرة مارية القبطية (عليها السلام) بالإفك والفاحشة (1)، ناهيك عن مجونها وفسقها وتسويدها التاريخ بعار رضاع الكبير (أ)]!!!
ويتابع أصحاب الموقع :
[وعرض الشيخ ثلاثة براهين على أن عائشة الآن في النار، مشيراً إلى أنها تأكل في النار الجيف وهي معلّقة من رجليها، بل وتأكل لحم جسدها (2)، وذلك بمقتضى القرآن والسنة، واعتماداً على الأحاديث التي رواها العامة (ب) والخاصة] !!!
ويضيف الموقع :
[وفي ختام كلمته دعا الشيخ الحبيب المسلمين إلى أن يصلوا ركعتين شكراً لله تعالى على أن المُدانة من فوق سبع سماوات قد انتقلت إلى العذاب والجحيم الأبدي في هذا اليوم، داعياً المؤمنين لأن يطلبوا حوائجهم بعد هذه الصلاة، وأنها ستُقضى بلطف الله تعالى وشفاعة النبي محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم الصلاة والسلام (3)]. ويختم بما يلي :
[جدير بالذكر أن الحفل بدأ بصلاة الجماعة، والإفطار، فقراءة ما تيسّر من الذكر الحكيم، وقراءة دعاء اللعن للمنافقين الأربعة الكبار(4)، واختتم الحفل بزيارة المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) (ج)، والدعاء لمولانا صاحب الزمان (عليه السلام) بالفرج والنصر والتأييد] (انتهى الخبر من موقعهم ).
تعليقات :
أ- حديث رضاع الكبير :
هذا الحديث أثار نقاشا حادا وأسال مدادا كثيرا ، خاصة في الشهور الأخير، وذلك بعدما أفتى من أفتى – في مصر – الموظفات بجواز إرضاع أي موظف دفعا للخلوة بينهما!! وسنده ، في نظره ، هذا الحديث !!
وعلى الفور سارعت بعض الدوائر الصحفية، كما هي عادتها، إلى تلقف "الفتوى" ونشرها – مع
تعاليق ساخرة من العلماء والدعاة – على أوسع نطاق، دون الرجوع إلى علماء الأمة ومن له الحق في الفتوى .
ولقد كان هذا الحديث، ولازال، عمدة من يرغب في تشويه مذهب أهل السنة والجماعة من الشيعة والمتشيعين (5)، وهم في عملهم ذاك ينسون ماتعج به مدوناتهم "الحديثية" من خرافات وغرائب من صنف "رضاع النبي صلى الله عليه وسلم ثدي أبي طالب" (6)، و"رضاع الحسين رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم"(7)، و"خروج الطائر من منخر العاطس" (8)، و"الحمار عفير" (9)...
إن مثل "الفتوى" المذكورة أعلاه علامة على الجبن في مواجهة واقعنا المعيش . إذ عوض العمل على تغيير واقع الرذيلة في مجتمعنا، يتم اللجوء إلى حلول "شرعية" لواقع غير شرعي . فيصبح ، بمقتضى هذه "الفتاوى"، الواقع الخارج عن شرع الله شرعيا، وهذه هي قمة التلفيق، بل الكذب على دين الله سبحانه وتعالى !!
فما هو حديث رضاع الكبير ؟ وكيف تعامل معه العلماء ؟
إن الحديث هو :
روى مالك في الموطإ، عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال :
أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد شهد بدرا، وكان تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، وأنكح أبوحذيفة سالما، وهو يرى أنه ابنه، أنكحه بنت أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهي يومئذ من المهاجرات الأول، وهي من أفضل أيامى قريش. فلما أنزل الله تعالى في كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل فقال : (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) رد كل واحد من أولئك إلى أبيه، فإن لم يعلم أبوه رد إلى مولاه، فجاءت سهلة بنت سهيل، وهي امرأة أبي حذيفة، وهي من بني عامر بن لؤي، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت: يارسول الله، كنا نرى سالما ولدا، وكان يدخل علي، وأنا فضُل (10)، وليس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه ؟
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أرضعيه خمس رضعات، فيحرم بلبنها ".
وكانت تراه ابنا من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة أم المومنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال، وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقلن : لا والله ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل إلا رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في رضاعة سالم وحده، لا والله لايدخل علينا بهذه الرضاعة أحد، فعلى هذا كان أزواج النبي صلى الله عليه في رضاعة الكبير (11) .
وقد روى الحديث مسلم وأبوداود وأحمد وعبدالرزاق والطبراني وغيرهم، وبعض رواياته – كما ذكر ابن عبدالبر رحمه الله في التمهيد – من طريق عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما . فكيف تعامل علماء الأمة ، من صحابة وغيرهم، مع هذا الحديث ؟
أ- رأي عائشة رضي الله عنها :
يلخص ابن عبدالبر رحمه الله رأي الصديقة في رضاع الكبير فيقول :
" ....والذي عليه جاء هذا الحديث رضاعة الكبير ، والتحريم بها، وهو مذهب عائشة من بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، حملت عائشة حديثها هذا في سالم، مولى أبي حذيفة، على العموم . فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها، وصنعت عائشة ذلك بسالم بن عبدالله بن عمر، وأمرت أم كلثوم فأرضعته، فلم تتم رضاعه، فلم يدخل عليها ..."(12).
وفي حديث رضاع سالم قول سهلة بنت سهيل رضي الله عنها أن سالما كان يدخل عليها وهي "فضل"، أي " منكشف بعضها جالسة كيف أمكنها" ، أو" عليها ثوب واحد، ولاإزار تحته " . فهل كانت الصديقة رضي الله عنها تأمر أختها بإرضاع من كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال وهي كذلك ؟
يجيب القرطبي رحمه الله :
" حديث الموطإ نص في أنها أخذت به في رفع الحجاب خاصة، ألا ترى قولها : (من كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال)؟" (13). وبمعنى آخر فإن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن – بعد أن فرض عليهن الحجاب – لايكلمهن أحد إلا من ورائه . ولذلك فإن عائشة رضي الله عنها أخذت بحديث سالم فيمن يدخل عليها لحاجة وهي مستترة، أي أنها لاتكون "فضلا" . ولذلك "قال ابن حبيب : وقد رأى كثير من العلماء رضاعة الكبير في الحجاب به لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم جائزة، وفيما بين المسلمين محرمة، وأجمعوا على أن تحريمها في النكاح ليس كتحريمها في الحجاب والحرمة " (14). وما حاجة عائشة رضي الله عنها للزواج بعد أن تأكد في شرع الله حرمة الزواج بأمهات المؤمنين بعده صلى الله عليه وسلم ؟
هذا أولا.
أما ثانيا : فإن عدد الرضعات المحرمات لدى جمهور العلماء خمس، استنادا إلى ما رواه عبدالرزاق بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لايحرم دون خمس رضعات معلومات "(15).
لكن روي عنها رضي الله عنها أنها كانت ترى أن عدد الرضعات عشر . فإذا لم يُتم "الرضيع" ذلك العدد لم تدخله عليها . والدليل ما رواه مالك عن نافع أن سالم بن عبدالله بن عمر أخبره أن عائشة أم المؤمنين أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، فقالت : أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل علي . قال سالم : فأرضعتني أم كلثوم ثلاث رضعات، فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تتم لي عشر رضعات (16).
ليس هذا فحسب، بل إن الباجي رحمه الله قال :"ما عين لنا أحد دخل عليها برضاعة الكبير "(17).
وثالثا: إن صفة الإرضاع ليست هي – كما قد يتبادر إلى ذهن البعض – أن تلقمه المرأة، وهو كبير، ثديها فيمصه . وإنما هو –كما ذكر ذلك الكثير من العلماء – أن تحلب له من ثديها فتسقيه .
روى عبدالرزاق عن ابن جريج قال : سمعت عطاء يُسأل، قال له رجل : سقتني امرأة من لبنها بعدما كنت رجلا كبيرا، أفأنكحها ؟ قال : لا .قلت : وذلك رأيك ؟ قال : نعم . قال عطاء : كانت عائشة تأمر به بنات أخيها (18). وعلق ابن عبدالبر رحمه الله على قوله : " سقتني امرأة من لبنها" فقال : "هكذا إرضاع الكبير كما ذكر: يُحلب له اللبن ويُسقاه . وأما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل فلا ، لأن ذلك لايحل عند جماعة العلماء . وقد أجمع فقهاء الأمصار على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة ، وإن لم يمصه من ثديها " (19).
وفي الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايُحَرّم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي ، وكان قبل الفطام " (20).
قال القاضي عياض رحمه الله : "... وتضمن أيضا قوله :(إنما الرضاع ما فتق الأمعاء) و(إنما الرضاعة من المجاعة) الرد على داود في قوله : لايحرم الرضاع حتى يلتقم الثدي، ورأى أن قوله سبحانه وتعالى : (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) (النساء: 23) إنما ينطلق على ملتقم الثدي . وقد نبه صلى الله عليه وسلم على اعتبار ما فتق الأمعاء، وهذا يوجد في اللبن الواصل إلى الجوف صبا في الحلق أو التقاما للثدي، ولعله هكذا كان رضاع سالم ، يصبه في حلقه دون مسه ببعض أعضائه ثدي امرأة أجنبية " (21).
وقد ذكر الزرقاني رحمه الله شاهدا لما ذكره ابن عبدالبر والقاضي رحمهما الله ، فقال :
"وقد روى ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبدالله بن أخي الزهري عن أبيه قال : كانت سهلة تحلب في مسعط إناء قدر رضعته فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة " (22)، لكن فيه الواقدي ، وهو ممن جرحه العلماء .
وقد أخذ برأي عائشة رضي الله عنها – في رضاع الكبير – الليث بن سعد رحمه الله، وأفتى به . روى ابن وهب عن كاتب الليث أبوصالح عبدالله بن صالح أن امرأة جاءته فقالت : إني أريد الحج ، وليس لي محرم . فقال : اذهبي إلى امرأة رجل ترضعك، فيكون زوجها أبا لك فتحجين معه " (23).
كما أخذ برأيها عطاء بن أبي رباح، وقد مر رأيه، وكذلك داود الظاهري .
ويُروى أيضا أن أباموسى الأشعري كان يأخذ بهذا الرأي، لكنه عدل عنه ورجع إلى رأي ابن مسعود رضي الله عنه، وهو رأي جمهور الصحابة إلا عائشة رضي الله عنها . روى مالك في الموطإ عن يحيى بن سعيد أن رجلا سأل أبا موسى الأشعري فقال : إني مصصت عن امرأتي من ثديها لبنا، فذهب في بطني . فقال أبوموسى: لاأُراها إلا قد حرمت عليك . فقال عبدالله بن مسعود : انظر ما تفتي به الرجل ! فقال أبوموسى : فماذا تقول أنت ؟ فقال عبدالله بن مسعود : لارضاعة إلا ماكان في الحولين . فقال أبوموسى : لاتسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم " (24).
ب- رأي الجمهور :
يبين ابن العربي المعافري رحمه الله مايرجح رأي الجمهور من الصحابة والعلماء – وهو قصر التحريم برضاع الكبير بسالم رضي الله عنه – فيقول:
"رأت عائشة رضي الله عنها أن تعديه إلى غير سهلة، ورأى صواحباتها أن يكون مقصورا عليها، وهو الصحيح، لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن فيه لغير سهلة، ولافعله أحد حياة النبي صلى الله عليه وسلم كلها بعدها، مع مسيس الحاجة من الناس كلهم إلى ذلك . ولو كان عاما لبادر إليه الكل، فوجب التعويل على إطلاق القرآن. وقوله عز وجل:(وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم)(النساء: 23)، ثم قال:(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)، فبين زمانه في حال الطفل، ومدته في حال الاستمرار..."(25).
وقد بين ابن قيم الجوزية رحمه الله مرجحات أخرى لرأي الجمهور، فقال عن فتوى التحريم برضاع الكبير :
" لم يأخذ بها أكثر أهل العلم، وقدموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرِّم بما قبل الفطام وبالصغير وبالحولين لوجوه :
- أحدها : كثرتها وانفراد حديث سالم .
- الثاني : أن جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم – خلا عائشة – رضي الله عنهن في شق المنع .
- الثالث : أنه أحوط .
- الرابع : أن رضاع الكبير لاينبت لحما ولاينشر عظما، فلا تحصل به البعضية التي هي سبب التحريم.
- الخامس : أنه يحتمل أن هذا كان مختصا بسالم وحده . ولهذا لم يجيء ذلك إلا في قصته .
- السادس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وعندها رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه وغضب، فقالت : إنه أخي من الرضاعة . فقال : (انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة ) (متفق عليه، واللفظ لمسلم)" (26).
ويضيف بعض العلماء مرجحا آخر، وهو أن مجموعة من أحاديث التحريم برضاع الصغير روتها عائشة رضي الله عنها، في حين أن تعميم التحريم برضاع الكبير على غير سالم رضي الله عنه هو رأي لها من اجتهادها في فهم حديث إرضاعه . والقاعدة تقول : "العبرة بما روى الراوي لابما رأى " (27).
فقد بان إذن أن الصديقة رضي الله عنها اجتهدت ، وربما أخطأت في اجتهادها، فلها – على الأقل – أجر المجتهد المخطئ، فلايسوغ، والحالة هذه، اعتبار اجتهادها كما قال المعتوه في حفل لندن ، وبوقاحة، تسويدا للتاريخ "بعار رضاع الكبير" !!
إلا أن الغريب هو أن بعض الكتب المعتبرة لدى الشيعة تذكر رضاع الكبير على أنه محرِّم (بكسر الراء المضعفة) كما هو مذهب عائشة رضي الله عنها، ومن ذلك :
جاء في"وسائل الشيعة " للحر العاملي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شيء من ولدها ، وإن كان من غير الرجل الذي كانت أرضعته بلبنه ، وإذا رضع من لبن رجل حرم عليه كل شيء من ولده ، وإن كان من غير المرأة التي أرضعته (28 ) .
وعن موسى بن جعفر قال : سألته عن امرأة أرضعت مملوكها ، ما حاله ؟ قال: إذا أرضعته عتق(29) .
بقيت الإشارة إلى أمرين ينبغي أخذهما – حين الكلام عن رضاع الكبير – بعين الاعتبار :
الأول : أن موضوع "رضاع الكبير" انتهى أمره، مادام ترجح أنه خاص بسالم رضي الله عنه، ثم استشهاد هذا الصحابي رضي الله عنه منذ قرون خلت ، مثلما انتهت خصوصيات صحابة آخرين رضي الله عنهم ، ولايثيرها أحد الآن على سبيل الاقتداء بهم فيها، وإنما على جهة الدراسة أو التذكر والاعتبار .
الثاني : أنه ينبغي الجمع بين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها، لادراسة حديث بمعزل عن غيره من الأحاديث المرتبطة بموضوعه . فلايقبل مثلا أن يهمل هنا موضوع تحريم الخلوة بالأجنبية ، ومن ذلك الأحاديث التالية مثلا :
فعن عُقْبَةَ بنِ عامرٍ رضيَ اللهُ عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ :"إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ". فقال رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: يا رسولَ اللهِ ، أفرأَيْتَ الْحمو ؟ قال : الحمو الموْت"(30). وَلمسلمٍ عن أبي
الطَّاهِرِ عنِ ابْنِ وَهْبٍ قال : وسمِعْت اللَّيْثَ بن سعد يقولُ: "الْحمو" أَخُو الزَّوْجِ ، وما أَشْبَهَهُ مِنْ
أَقَارِبِ الزَّوْجِ.، اْبنُ العَمِّ ونَحْوَهُ (31).
قال الترمذي : وإنما معنى كراهية الدخول على النساء، على نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال :" لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان (32).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم . فقام رجل فقال: يا رسول الله امرأتي خرجت حاجة واكتتبت ُ في غزوة كذا وكذا؟ قال: ارجع فحج مع امرأتك " (33).
عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد برأها من ذلك". ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان" (34) .
والمغيبة هي ذات الزوج التي غاب عنها زوجها.
إن التحريم برضاع الكبير لسالم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيناه في هذه الأحاديث هو أيضا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يؤخذ – بهدف التشويه – بحكم وترك آخر ؟
إن ما ينبغي بذل الجهود من أجله ليس هو الاجتهاد في مسألة إرضاع الموظفات لغيرهن من الموظفين درءا للخلوة غير الشرعية ، وإنما العمل على تغيير هذا المنكر – أي منكر الخلوة والاختلاط المستهتر – في إداراتنا ومؤسساتنا التربوية ومعاملنا ومختلف مرافق حياتنا .
ج- أسماء المعصومين الأربعة عشر في نظر الشيعة : هي كالتالي :
- النبي محمد بن عبد الله صلَّى الله عليه و آله وصحبه وسلم .
- بنته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها .
- الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
- الحسن بن علي .
- الحسين بن علي .
- علي بن الحسين زين العابدين .
- محمد بن علي الباقر.
- جعفر بن محمد الصادق .
- موسى بن جعفر الكاظم .
- علي بن موسى الرضا .
- محمد بن علي الجواد .
- علي بن محمد الهادي .
- الحسن بن علي العسكري .
- محمد بن الحسن الذي يعتقد الشيعة أنه المهدي المنتظر ، في حين يرى جمع من المؤرخين والعلماء أنه لم يولد أصلا .
وكل هؤلاء ، سوى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لايعتبرون معصومين عند أهل السنة والجماعة . تكفي الإشارة إلى أن عليا رضي الله عنه بايع أبابكر رضي الله عنه . وهذا لاينفيه الشيعة أنفسهم، لكنهم يوجهونه توجيها آخر ، كقول أحدهم أن المسلمين، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدوا أنفسهم بين منافقين مردوا على النفاق، وبين "مسيلمة الكذاب، وطليحة بن خويلد الأفاك، وسجاح بنت الحرث الدجالة ...والرومان والأكاسرة وغيرهما ...(35)، فوقف أمير المؤمنين بين هذين الخطرين،
فكان من الطبيعي له أن يقدم حقه قربانا لحياة الإسلام، وإيثارا للصالح العام، فانقطاع ذلك النزاع، وارتفاع ذلك الخلاف بينه وبين أبي بكر، لم يكن إلا فرقا على بيضة الدين، وإشفاقا على حوزة المسلمين، فصبر
هو وأهل بيته كافة..."(36).
فهل فعل علي رضي الله عنه ما فعل، من مبايعة لأبي بكر رضي الله عنه ، عصمة أم اجتهادا ؟
لئن فعل ذلك عصمة فبايع، فبيعة الصديق إذن صحيحة .
ولئن فعله اجتهادا، مع أن بيعة الصديق لاتجوز، فقد أخطأ إذن . فأين هي العصمة ؟
(يتبع)
الهوامش :
1- سيأتي الكلام عن هذا الزعم .
2- لدى الشيعة حديث مكذوب في هذا المعنى، وسيأتي .
3- لاحظوا ذهنية الخرافة والشعوذة، وهي من ثوابت "العقل" الشيعي .
4- هم، في نظر الشيعة، الخلفاء الراشدون الثلاثة (أبوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم )، بالإضافة إلى معاوية رضي الله عنه .
5- أخبرني أحد الأصدقاء أنه كان في فرنسا في بداية تسعينات القرن الماضي، فسلمه أحد المتشيعين هدية هي كتاب المتشيع التونسي محمد التيجاني السماوي المعنون ب "ثم اهتديت". وخلال النقاش حول عنوان الكتاب، ذكر المتشيع – وهو يسخر من المدونات الحديثية لدى أهل السنة والجماعة - حديث رضاع الكبير، وأشار إلى أن عنوان الكتاب الهدية يعني أن المتشيع التونسي كان ضالا لما كان سنيا، ثم اهتدى بالتشيع !! غير أن صاحب الهدية فوجيء برد فعل الصديق لما ألقى بالكتاب على وجهه وهو يقول : "نحن إذن على ضلال ياضال ؟!".
ملحوظة : الادعاء بأن المتشيع التونسي كان "سنيا" كذب وافتراء، وإنما كان "تيجانيا" كما يذكر هو نفسه في كتابه المذكور، ويابعد مابين السنة والطريقة التيجانية !! وياقرب مابين التشيع وتلك الطريقة !!
6- في الكافي للكليني (1/448) عن أبي عبدالله (ع) قال : لما ولد النبي - صلى الله عليه وسلم – مكث أياما ليس له لبن، فألقاه أبوطالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما !!
7- وفي الكافي أيضا (1/465) عن أبي عبدالله (ع) قال : لم يرضع الحسين (ع) من فاطمة (ع) ولا من أنثى . كان يؤتى به النبي – صلى الله عليه وسلم – فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيها اليومين والثلاث .
8- وفيه كذلك (1/465) عن أبي عبدالله (ع) قال : من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال : "الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا كما هو أهله، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم"، خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يسير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة .
9- وفيه (1/184)عن أمير المؤمنين عليّ أنه قال:«إن أول شيء من الدواب توفي عفيرـ حمار رسول الله ـ توفي ساعة قبضَ رسول الله ، قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء، فرمى بنفسه فيها فكانت قبره. قال: إنّ ذلك الحمار كلّم رسول الله فقال: بأبي أنت وأمي ،إنّ أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنّه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثمّ قال: يخرج من صُلب هذا حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم. قال عفير: فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار» !!!
10- فضل : بضم المعجمتين، قال صاحب " الاقتضاب " : " قولها : (وأنا فضل) قال الخليل: رجل متفضل وفضل : إذا توشح بثوب مخالف بين طرفيه على عاتقه، قال : ويقال : امرأة فضل ، وثوب فضل. فمعناه : أنه كان يدخل عليها، وهي منكشف بعضها جالسة كيف أمكنها . وقال ابن وهب : (فضل) مكشوفة الرأس والصدر . وقيل : الفضل : التي عليها الثوب الواحد، ولاإزار تحته، وهذا أصح ، لأن انكشاف الصدر لايجوز أن يضاف إلى ذوي الدين عند ذي محرم ولاغيره، لأن الحرة عورة مجمع على ذلك منها إلا وجهها وكفيها . قال امرؤ القيس :
تقول وقد نضّت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل
(من:الاقتضاب في غريب الموطإ وإعرابه على الأبواب ، للشيخ محمد التلمساني ، ص2/163–164).
11- أخرجه مالك في الموطإ في الرضاع ، باب ماجاء في الرضاعة بعد الكبر، حديث 1268.
12- التمهيد لابن عبدالبر رحمه الله، ص 3/613 – 614.
13- شرح الزرقاني على الموطإ، 3/316.
14- إكمال المعلم، ص 4/642.
15- المصنف، ص 7/450.
16- الموطأ، كتاب الرضاع، باب رضاع الصغير، حديث 1262.
17- المنتقى، ص 6/18.
18- المصنف، ص 7/458.
19- التمهيد ، ص 3/ 614.
20- أخرجه الترمذي في الرضاع ، باب ما جاء أن الرضاعة لاتحرم إلا في الصغر دون الحولين ، حديث 1152. وقال: حسن صحيح . كما صححه الألباني رحمه الله .
21- إكمال المعلم، ص 4/641.
22- الطبقات الكبرى لابن سعد، ص 8/271.
23- التمهيد ، ص 3/ 614.
24- كتاب الرضاع، باب ماجاء في الرضاع بعد الكبر، حديث 1270.
25- القبس في شرح موطإ مالك بن أنس لابن العربي المعافري، ضمن "موسوعة شروح الموطإ"، ص 16/46.
26- أعلام الموقعين ، ص 4/346-347.
27- يعمل الشيعة أيضا بهذه القاعدة، إذ يؤمنون بوجود نواب أربعة للإمام الغائب في نظرهم، وهو مهديهم المنتظر ، في فترة غيبته الصغرى . كان هؤلاء النواب سفراء بينه وبين عوام الشيعة في نظرهم . إلا أن مقام السفير تنافس عليه الكثير وادّعاه الكثير، حسب الشيعة دائما . ومن بين الذين ادعوا السفارة كذباً وزوراً في نظرهم:
أـ الهلالي أحمد بن هلال العبرتائي.
ب -البلالي محمد بن علي بن بلال.
ج -النميري محمد بن نصير النميري.
د -الحسين بن منصور الحلاج الصوفي المعروف، الذي قتله العباسيون.
ه -أبو محمد الحسن السريعي أو الشريعي.
و - محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني .
وهذا الأخير " كان عالماً من علماء الطائفة، كان وجهاً من وجوه المذهب، وكان قد صدرت عنه تصريحات ضالّة وانحرافات، فوقف منه الإمام سلام الله عليه ونوابه موقفاً صارماً، وكان كثير التأليف، كانت كتبه تملا المكتبات الاسلامية، فكانت مشكلة للشيعة في ذلك الزمن، رجل يملك هكذا قدسية وهكذا علمية وهكذا فضيلة ينحرف بهذا الشكل، يصعب على كثير من الأذهان أن يتقبل هذه الفكرة، فلهذا سألوا الحسين بن روح النوبختي عن هذا الموضوع أنّه يسأل الامام سلام الله عليه.
فخرج التوقيع بتحريم قراءة كتبه وأنّها كتب ضلال، حينئذ سألوه: ما نصنع وبيوتنا مليئة من كتبه؟ يعني ما من بيت إلاّ وفيه كتاب من كتب ابن أبي عزاقر. قال:
أقول لكم كما قال الامام العسكري سلام الله عليه في بني فضال - وبنو فضال بيت من البيوت لعلميّة الشيعيّة، ولكن هؤلاء ابتلوا بأنّهم صاروا واقفية من الشيعة المنحرفين - :(خذوا بما رووا وذروا ما رأوا)" (الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة ،للشيخ فاضل المالكي، وهو من الإمامية الإثنا عشرية، ص 47).
28-وسائل الشيعة ،باب انه لا يحل للمرتضع أولاد المرضعة نسبا ولا رضاعا مع اتحاد الفحل ولا أولاد الفحل مطلقا.
29- نفسه .
30- أخرجه البخاري في النكاح، باب "لايخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة "، حديث 5232.
31- رواه في السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها ، حديث 21.
32- كتاب الرضاع، باب ماجاء في كراهية الدخول على المغيبات .
33- أخرجه البخاري في النكاح، باب "لايخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة "، حديث 5233.
34- أخرجه مسلم في السلام ، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها ، حديث 22.
35- من الشيعة من يدافع عن المرتدين وبعض مدعي النبوة، لالشيء سوى أن أبا بكر واجههم، فرام الشيعة – بالادعاء أن أولئك المرتدين كانوا مسلمين – قلب مكرمة أبي بكر إلى فضيحة!! فمثلا يرى
أحد المتشيعين أن "سجاح لم تكن كما يصورها التاريخ المقلوب أنها خارجة أو مرتدة . ورأيي أنها لم تكن كذلك، إلا أن السياسة اقتضت حبكها على تلك الصورة، لالشيء سوى أنها لاتملك أن تكتب التاريخ، بينما أعداؤها يملكون كتابته " (من : لقد شيعني الحسين، لإدريس الحسيني، أي إدريس هاني، ص 150/151). فمن نصدق : عبدالحسين شرف الدين الذي يصف سجاح بالدجالة، وبأنها من عناصر جياشة "بكل حنق من محمد وآله وأصحابه وبكل حقد وحسيكة لكلمة الإسلام تريد أن تنقض أساسها وتستأصل شأفتها..."(المراجعات، ص 365)، أم المتشيع إدريس هاني ، وهو الذي سبق له أن قال عن كتاب المراجعات أنه "الأضبط مضمونا " (لقد شيعني الحسين، ص 26) ؟
36- المراجعات، ص 365.
التعليقات (0)