استطلاع نعيمة الزيداني
لا زالت الصداقة بين الجنسين في المجتمعات الشرقية أمرا مثيرا للجدل ويختلف حوله الرجال والنساء بين مؤيد ومعارض فهناك من يرفض هذه العلاقة رفضا قاطعا، وهناك من يراها نتيجة طبيعية للتحولات الثقافية والاجتماعية وما رافقها من تواصل بين الجنسينسواء في الندوات الثقافية أو قاعات الدرس أو أماكن العمل أو من خلال المحادثات الالكترونية، بينما نجد فريقا ثالثا يوافق عليها ولكن بتحفظ كبير و ضمن حدود وضوابط تحدد العلاقة بين الاثنين .
ماذا يقول الرجل عن الصداقة مع الجنس اللطيف؟
نظرة الرجل للمرأة في الوطن العربي لم تتغير كثيرا رغم التقدم الذي حققناه
المهندس جاسم محمود " سوري مقيم بالسعودية "يقول: الموضوع جد حساس لأن نظرة الرجل للمرأة في الوطن العربي لم تتغير كثيرا رغم التقدم الذي حققناه في عدة مجالات، ونادرا ما يفكر الشرقي في الصداقة من أجل الصداقة فغالبا ما تجده يتخذ من مثل هذه العلاقات سلما للوصول إلى أهداف أخرى، قد يفكر في المتعة أو التسلية لذا أنا مثلا لا أوافق أن يكون لزوجتي أو لأختي أصدقاء من الرجال...وعموما، أنا مع الصداقة الصادقة إن كان لها وجود.
ا
الصداقة بين الجنسين صعبة في مجتمعاتنا
أحمد 32 سنة محاسب من أهواز_ إيران يقول: قبل الحديث عن إمكانية نشوء صداقة بين الجنسين يجب أن ننظر إلى ثقافة المنطقة، من هنا أقول أن أي نوع من الصداقة بين الرجل والمرأة مرفوض وصعب في "الأهواز وجنوب العراق"حتى لو كانت العلاقة في حدود معينة، لكن يمكن أن تكون هناك في بعض الأحيان علاقة بين الشاب والشابة لا تتجاوز حدود الجامعة مثلا، صداقة محدودة للغاية ولا تشبه علاقات الصداقة الموجودة في الدول الأوربية لأن ثقافتنا في الوقت الحالي لن تسمح بأكثر من ذلك.
الرجل العربي يعاني نوعا من الازدواجية في سلوكه وتفكيره
محمد 39سنة مغربي مقيم بفرنسا يقول: عند الحديث عن الصداقة بين الجنسين لا يمكننا أن نلغي جانب العواطف والإثارة والانجذاب الجنسي الذي قد يتحكم في العلاقة بين الطرفين فهاجس الرغبة يظل حاضرا، والرجل غالبا ما ينظر إلى جسد المرأة وشكلها متجاهلا عقلها وثقافتها، وهنا إما أن يحل الحب محل الصداقة وينتهي الأمر بالزواج في أحسن الأحوال أو أن تنتهي هذه الصداقة برغبة من أحد الطرفين أو منهما معا.
وشخصيا كانت لي صداقات بريئة قبل الزواج ولازلت أحتفظ ببعضها لأني أعرف نفسي جيدا فأنا أحترم المرأة ولا أتجاوز حدود الصداقةوالأدب وأتجنب الخلوة عملا بحديث رسولنا الكريم"ما اختلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، لكن بالمقابل ما يدريني أن هذا الآخر الذي ستصادقه زوجتي سيكون مثلي ؟ أعلم أنكم ستتهمونني بالأنانية لكني لست الوحيد الذي يفكر بهذا الشكل ...
ويعترف محمد بأن الرجل العربي على العموم، يعاني نوعا من الازدواجية في سلوكه وتفكيره فهو يسمح لنفسه بتكوين صداقات مع الجنس الآخر بينما يعتبر ذلك محظورا على أخواته أو زوجته.
الصداقة فقدت مدلولها النبيل لتتحول إلى لعبة
ومن الجزائر، نصر الدين خلاف 30سنة موظف بالشركة الدولية للتأمين يقول:
نحن مسلمون أولا وهناك حدود في العلاقة بين الرجل و المرأة في الإسلام. وأظن أن أغلبية العلاقات الحالية التي تجمع بين الجنسينتكون قائمة على الجنس وهذا بحكم طبيعتنا البيولوجية خصوصا أن الجيل الحالي يجهل أصلا معنى العلاقة البريئة فالصداقة على العموم قد فقدت مدلولها النبيل لتتحول إلى لعبة .
ومن جهة أخرى أنا متزوج، كيف يمكنني إقناع زوجتي أن لي صديقة خارج إطار الزواج؟ كيف يمكن لزوجتي أن تتقبل ذلك؟ ثم ماذا ينقصني لأفكر في اتخاذ صديقة؟ أليس المفروض أن أجد في زوجتي كل ما أبحث عنه من حب وثقة وأمان وتواصل؟
ثم لنفترض أن للرجل صديقة، هل سيستطيع التحكم في عواطفه؟ ألن يقع في الحب؟ ألن يقوده الحب إلى الحرام مادام متزوجا ولا يفكر في زوجة ثانية؟
المرأة نصف المجتمع ولا أتصور أن يكون لي أصدقاء رجال فقط
سامي طالب جامعي من العاصمة المغربية "الرباط" يقول: المرأة نصف المجتمع ولا أتصور أن لا يكون لي أصدقاء من الجنسين، بعض زميلاتي في الجامعة هن فعلا صديقات حقيقيات لي، مستواهن الثقافي والأخلاقي جد عالي، ويعرفن جيدا الحدود التي يجب أن تقف عندها الصداقة بين الرجل والمرأة.
وطبعا هناك أشياء تحدد العلاقة بيني وبين الصديقات فاللمس وإطالة النظر والخلوة كلها أمور ممنوعة.
لدي أيضا صديقات على النت من مختلف دول العالم نتبادل الأحاديث ونتناقش في أمور جادة وأحيانا يحكي أحدنا للآخر مشاكله ولا أذكر أبدا أن هذه الأحاديث قد تجاوزت يوما حدود اللياقة والأدب.
ويضيف سامي: أنا مقتنع بأهمية الصداقة في حياة الإنسان لذا لن أعارض أن يكون لزوجتي المستقبلية أصدقاء مادامت علاقتنا ستكون مبنية على الثقة الكاملة.
نساء عربيات يتحدثن عن الصداقة مع الجنس الآخر
لي أصدقاء من الرجال أكثر من صداقاتي النسوية
القاصة فاديا عيسى قراجة من سوريا تقول: سأنطلق من نفسي، وأخبرك بأن لي أصدقاء من الرجال أكثر من صداقاتي النسوية إن جاز لي التعبير ..
الرجل هو بئر أسرار عميق لا قرار له، تستطيعين رمي كل هواجسك فيه دون أن تخافي افتضاح أمرك، لأن للرجل مسحة سحرية على الوجع وليس بالضرورة أن يكون بموقع العاشق...
لهذا تتشابك المفاهيم وتتناف، تتباعد وتقترب، هذا ونحن نتكلم عن العلاقة غير المتوازنة بين رجل عربي وامرأة عربية، ولكن المرأة بحسها الأمومي تستوعب جنوح الرجل إلى علاقة من نوع ما فتسعى إلى تقويم العلاقة والعودة بها إلى مسارها الطبيعي المغلف بصداقة لا حدود لها.
وأعود لأنطلق من نفسي وأقول بأنني عانيت مع علاقات كادت أن تنحرف عن مسارها فعمدت بكل ما لدي من مفاهيم إلى عودة العلاقة إلى صداقة وضمن هذه الأجواء هي ممكنة جدا، أي حينما يحسن الرجل والمرأة السير بين حقول ألغام يضعها المجتمع أمامهما في كل خطوة ..
وأظن السلبية الوحيدة لمثل هذه العلاقات ألا ينظر الرجل ولا المرأة نظرة مادية وأقصد هنا حسية لهذا القرب، ولا ضير أن تتحول بعض العلاقات القائمة على الصداقة إلى حب..
لأن الصداقة تولد قبل الحب، إذا هي أكبر سناً من الحب ولذلك يترتب عليها أن تهدي هذا المولود الجديد إلى الطريق الصحيح كي ينمو ويكبر في مناخ صحي مثالي..
ولا أظن أن هناك ما يمنع الصداقة وخصوصاً في أيامنا هذه حيث شرعت الأبواب على مصراعيها سواء عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، أو الهواتف النقالة..
إذا لا عائق أمام صداقة الجنسين سواهما، وأقصد المفاهيم التي يختزنها كل واحد عن الآخر.
علاقتي بأصدقائي أخوية للغاية، ووالداي لا يمانعان
سامية من تونس تقول :جربت الصداقة مع الجنسين، وبصراحة أفضل أن يكون لي أصدقاء من الجنس الآخر سواء على النت أو في الجمعيات الثقافية التي أنتمي إليها لأن صداقاتي مع بنات جنسي كانت تنتهي بمجرد أن تدخل إحداهن قفص الزوجية فالغيرة تتحكم فيهن لدرجة كبيرة، ربما أثير غيرتهن لأني جميلة جدا أو لأني مثقفة أو ببساطة لأني لم أتزوج بعد، لا أعلم بالضبط لكني أصبحت أحس أن علاقاتي مع الفتيات عابرة بينما أصدقائي من الذكور يعاملونني باحترام ويستمعون إلي ويمدون لي يد المساعدة وأنا أنجز بحثي الأكاديمي عن المعاقين وسبل إدماجهم في المجتمع.
علاقتي بأصدقائي أخوية للغاية، ووالداي لا يمانعان فالمجتمعات العربية تغيرت ولم تعد تنظر إلى الصداقة بين المرأة والرجل كمقدمة للزواج أو كعلاقة مشبوهة خصوصا أن الاثنان يقضيان وقتا طويلا في مكان العمل وغالبا ما تتحول الزمالة مع شخص يفهمك وتفهمه إلى صداقة متينة.
وتضيف: الصداقة بين الرجل والمرأة جيدة مادامت قائمة على الثقة المتبادلة والتعاون شرط أن يحترم كل طرف خصوصية الآخر.
أوافق على علاقة في حدود مع زملائي
ليلى 30سنة أستاذة اللغة الانجليزية من الدار البيضاء بالمغرب تقول: أحب أن ابدأ حديثي معكم بمقولة ل"أوسكار وايلد" يقول فيها"بين الرجال والنساء ليست هناك صداقة ممكنة.. هناك العاطفة والعداوة والحُب"، وأنا اتفق معه مئة في المائة لذا لا أعترف بالصداقة الكاملة بين الجنسين، لكن أوافق على علاقة في حدود مع زملائي أما أن أعتبر أحدهم صديقا لي وأحكي له أسراري ومشاكلي الزوجية فهذا مستحيل، بالمقابل لا أتصور أن تكون لزوجي صديقة يطلعها على أسرارنا مثلا أو ينساب معها في الحديث دون أن يضع بينهما خطوطا حمراء ...
وتضيف ليلى: ربما إن سألتني عن صديقة من جنسي أثق فيها سأجيبك بنفس الجواب لأن الصداقة الحقيقية صارت نادرة في زمننا هذا، صديقتي الوحيدة هي أمي وأنا معتزة بصداقتها.
دكتور الشريعة إبراهيم زيد الكيلاني: لا ينبغي أن تتحول علاقة الزمالة بين الجنسين إلى صداقة
"عن الحقيقة الدولية للدراسات والابحاث"
يقول دكتور الشريعة إبراهيم زيد الكيلاني أن الله تعالى قد بين لنا المحرمات وبالتالي ليست هناك صداقة في الإسلام بين الرجل والمرأة، مشيرا إلى أن الرجل حين يجالس المرأة يتمتع بمفاتنها، وبالتالي قد تتحول مثل هذه العلاقات إلى علاقة غير شرعية والواقع يثبت ذلك فكم من إنسان طلق زوجته وهدم بيته من أجل صديقته وزميلته وكم من رب عمل طلق وهدم بيته من أجل سكرتيرته.
وأضاف قائلا «الرجل رجل والمرأة امرأة موضحا بأنه يجب أن تكون هناك حدود لا نتجاوزها حيث قوله صلى الله عليه وسلم "اجتنبوا مواطن الشبهات."
وأشار الدكتور الكيلاني إلى أنه مع تطور المجتمعات ودخول المرأة معترك الحياة العملية، صار من الضروري التمييز بين المعاملة الرسمية والصداقة فالمرأة في عملها يجب أن لا يتخطى حديثها مع زميل العمل الرسمية وأن لا تصبح زمالتهما صداقة بحيث ترفع التكلفة بينهما، فالدعابة بين الزملاء والأصدقاء تجر إلى ما حرم الله، و الله تعالى أمرنا بغض البصر حيث قال تعالى «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم» موضحا أن هذا يعني أن يكون بينهما حاجز فلا يجب مثلا إطالة النظر. ونبه الكيلاني إلى الأثر السلبي للصداقات الحميمة بين الجنسين على المجتمع خصوصا الصداقات بين المتزوجين حيث قال بأنها تهدم الأسر مشيرا إلى أن الكثير من الزوجات والأزواج يفضلون أصدقائهم على أزواجهم و زوجاتهم.
الصداقة عند الرجل تخضع لمبدأ الأخذ والعطاء، أما عند المرأة فغالباً تخضع لمبدأ العطاء فقط
وفي مقال لها عن" ظاهرة الصداقة بين الرجل والمرأة في الشرق"، تقول الشاعرة والصحافية العراقية فينوس فائق:
من خلال ملاحظاتي الشخصية، اكتشفت أن المرأة هي أكثر صدقاً ومهارة في عملية التمهيد لإعلان صداقتها بالجنس الآخر في محيطها، في حين أن الرجل على العكس من المرأة لا يمهد، إنما يخوض تجارب الصداقة مع الجنس الآخر بشكل عشوائي، وفي أغلب الأحيان يقيم علاقات صداقة قصيرة المدى، في حين أن المرأة عندما تصادق تضع في حسبانها أنها صداقة العمر، بعكس الرجل الذي لا يهتم بعمر الصداقة بقدر ما يهتم ب "على ماذا يحصل؟"، و بهذا المعنى الصداقة عند الرجل تخضع لمبدأ الأخذ والعطاء، أما عند المرأة فغالباً تخضع لمبدأ العطاء فقط وهذا هو سر الإشكال الذي يدور حول مثل هذه العلاقة الإنسانية في المجتمعات الذكورية، الذي يولد فهماً خاطئاً لشخصية المرأة..
وتشير فينوس في مقالها الذي نشرته بموقع إيلاف إلى أن هناك ظاهرة أكثر خطورة، وهي أن الرجل نفسه هذا الذي لا يسمح لزوجته بأن تصادق، يصادق هو النساء و هذا شيء طبيعي، لكن الشيء غير الطبيعي هو أنه لا يستطيع أن يكون هو نفسه ذلك الصديق لتلك المرأة بوجود زوجته، وهذه تسمى ازدواجية يعاني منها غالبية رجال الشرق، فبغياب زوجاتهم تجدهم يؤمنون بالصداقة وهم أوفى الأصدقاء، لكن بوجود زوجاتهم يعاملون الجميع وكأنهم غرباء بمن فيهم صديقاتهم النساء.
وفي نهاية مقالها تقول" الإشكال أن الصداقة بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا الشرق أوسطية لا تتعدى حدود (الحالات) ولا تتطور إلى أرقى من ظاهرة، لأنها تبقى من الأمور التي يدور حولها السجال، و تحتاج إلى ثقافة ووعي عاليين وهي ثقافة مجتمع وليس ثقافة فردية، لأن حالات الثقافة التي يمكن الإشادة بها تبقى حالات فردية و لم تتطور إلى حالة مجتمعية مشبعة بثقافة ووعي جماعي..
الدكتور رفيق حاج: صدق النوايا والوفاء شرطان أساسيان للصداقة بين بني البشر رجالا ونساء
وحسب ما ورد في مقال للدكتور رفيق حاج فاٍن ما يحذو بالكثير من الناس الى معاداة ظاهرة الصداقة بين الجنسين والنفور منها هو الاعتقاد بأن الرجل والمرأة هما قطبان متضادان وأن أي تقارب بينهما يؤدي حتماً إلى إقامة علاقة عاطفية أو جنسية، وحتى إن لم تَقُم علاقة فعلية بينهما فلن يكفّ أحدهما، وغالبًا ما يكون الرجل، عن محاولة نيل الآخر.
ويضيف في مقاله معترضا على هذه الاحكام المسبقة:"هذا الموقف مبني على نظرية غير مثبتة بأن ما يحرك الاٍنسان هو غرائزه فقط, وأنه لا يعقل أن يجتمع رجل وامرأة دون أن تحوم هواجس الخطيئة في المكان ...في هذا السياق، تستبقني عبارة يا للهول، هل ما زلنا نعيش في الغاب؟ هل ما زلنا نعيش من الصيد وننام على جذوع الأشجار كالإنسان القديم؟ أم أننا تطوّرنا بعض الشيء من حينها؟ ألم نقم حضارات ودولا وأجهزة قضائية؟ ألم نتبنَّ عقائدَ وعاداتٍ وتقاليدَ وقيمًا إنسانية وأخلاقياتٍ تردعنا عن التصرّف كالحيوانات الضارية التي تعيش في الأدغال؟ إن من يعتقد بأن الغريزة وحدها هي التي تحرّكنا فهذا شأنه، أما أنا فأعتقد بأن هنالك عقلا ومنطقا يسيّرنا، وباستطاعته أن يلجم الغرائز في عقرها وأن يسوّي النوايا ويهدّئ الخواطر، وهذا ما يميّزنا عن الحيوانات".
ويخلص الدكتور رفيق في نهاية مقاله اٍلى أن للصداقة بين بني البشر شرطان أساسيان في كل مكان وزمان هما صدق النوايا والوفاء،فإذا صدقت النوايا لدى الطرفين سواء كانا رجلين أو امرأتين، أو رجلا وامرأة، فستحصل الصداقة وستنمو وتورق وتزهر، وإن غابت النوايا الطيّبة وانتقص الوفاء فستندثر العلاقة وتنتهي في أول فرصة يقوم بها أحد الطرفين بغدر الآخر.
التعليقات (0)