شكل بروز الصحافة الإلكترونية في الآونة الأخيرة ونجاحها محطة اهتمام متزايد من طرف المعنيين بالعملية التواصلية، والمشتغلين بالبحث في الطرائق والأدوات والوسائل الأكثر نجاعة من غيرها، وخاصة الوسائل ذات القدرة على تجاوز معيقات الاتصال بين المؤسسات الإخبارية، والمؤسسة الاجتماعية، والتي أفرزها الانتشار الرهيب للتقنيات التكنولوجية.
وفي سياق هذا التحول كان لمفهوم الصحافة الإلكترونية داخل سيرورة تطور وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، أهمية بالغة منذ بدايات ظهوره في أوائل التسعينات من القرن الماضي، قبل أن تتزايد وتيرة الاهتمام مع توالي الشهور والأعوام، حيث عرفت غزوا رهيبا لعالم الإنترنت الذي عرف انتشارا واسعا بتضاعف أعداد مستخدميه، وإزاء هذا أصبحت غالبية المؤسسات الصحفية على الصعيدين العالمي والعربي، تقدم نفسها من خلال مواقع إلكترونية تحمل مطبوعاتها الورقية، إضافة إلى ظهور نوع جديد من الصحف غير التقليدية، أو ما يعرف في قاموس الساعة بـ ”الصحف الإلكترونية".
وقد شكلت انطلاقة الصحافة على الشبكة العنكبوتية أو ما يعرف “بالصحافة الالكترونية” ظاهرة إعلامية جديدة مرتبطة بثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فأصبح المشهد الإعلامي أقرب لأن يكون ملكا للجميع وفي متناول الجميع، بعد أن كان مقتصرا على فئة محدودة من الناس، وصار المحتوى الإعلامي أكثر انتشارا وسرعة في الوصول إلى أكبر عدد من القراء، ما فتح بذلك آفاقا عديدة وأصبحت أسهل واقرب لمتناول المواطن.
ومن هنا انطلقت الصحافة الالكترونية في بث مصادر إخبارية الكترونية تتناول شتى المواضيع وتغوص في عدد من الموضوعات المتنوعة، واثر ذلك، واقتناعا بأهميتها، التحقت غالبية الصحف والهيئات الإذاعية والتلفزية بهذه الموجة، ليصبح الإعلام الالكتروني في ظرف وجيز التأثير سواء على صناع القرار أو من ناحية تشكيل الرأي العام.
وحسب بعض الإحصائيات فإن نسبة مشاهدة المواطنين في العالم للصحافة الإلكترونية تقارب الـ 60 بالمائة، فما عاد المواطن ينتظر الصحيفة المكتوبة ليوم غد؛ فهو يحتاج أن يعرف الأخبار أينما كان وفي أي وقت ومجاني، فالمستفيد من الصحافة الإلكترونية هم الجميع.
وحول مستقبل الصحافة الإلكترونية أجرت شركة ميكروسوفت دراسة تؤكد أن العالم سيشهد طباعة آخر صحيفة ورقية في عام 2018 م.
وبخصوص تجربة الجزائر من خلال هذا النوع الصحفي الجديد والمستقبل الذي ينتظرها، تقول هاجر قويدري، باحثة في مجال الصحافة الالكترونية،انه لابد من تحديد مصطلح الصحافة الالكترونية في الجزائر، هل هي الصحافة الورقية المنقولة إلى وعاء جديد أم أنها صحافة تكتب خصيصا للقراءة الالكترونية، وبالتالي يتطلب هذا رفع شان الصحافة الالكترونية ووضعها في المقام الذي تستحقه بمعنى أن تكون لنا صحافة الكترونية بحتة حيث أن كل موقع الكتروني يتطلب أمرين: التأسيس الالكتروني والإدراج المستمر.
وتضيف الباحثة أننا في الجزائر نركز كثيرا على التأسيس الالكتروني بمعنى أن الذين يتحكمون في المواقع الالكترونية الجزائرية هم عبارة عن تقنيون وهذا أمر خاطئ لان التأسيس الالكتروني هو تأسيس أولي لا يتطلب التدخل المستمر. أما الإدراج المستمر فيقصد به انه توجد مواقع عديدة لكن عملية تحيينها تكون بشكل بطيء وأحيانا نادرة وأحيانا أخرى غير موجودة البتة وهو ما يؤثر على مستوى الصحافة الالكترونية، وهذا هو التحدي للصحافة الالكترونية.
ومن زاوية أخرى، تضيف الباحثة، تحتاج الصحافة الالكترونية إلى تكوين الصحفي الالكتروني أو المحرر الالكتروني، كما تحتاج أيضا إلى تأطير قانوني بما أن قانون الاعلام الحالي لا يحتوي على باب خاص بالصحافة الالكترونية وبالتالي هناك فراغ قانوني في تحديد هوية الصحفي الالكتروني.
من جهته، يقول زاوي عبد السلام، أستاذ بقسم الإعلام والاتصال، انه كثر الكلام عن الإعلام الالكتروني في الآونة الأخيرة لكن الإحصائيات (ما بين 5 و7 بالمائة و20 بالمائة خارج الوطن) تؤكد أن الصحافة الالكترونية في الجزائر لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب حيث لا يزال للصحافة الورقية دور وأهمية في المجتمع.
وما يمكن قوله- يضيف الأستاذ- أنه بما أن الإحصائيات تتضاعف بسرعة فهذا لا يلغي أهمية الصحافة الالكترونية وسرعة انتشارها في العالم ما يجعلها رائدة في هذا المجال وما يتطلب أيضا مواكبة هذه التكنولوجيا التي لها جمهور واسع يتضاعف كل يوم.
والأكيد أن المستقبل هو للصحافة الالكترونية والتي يقترن تطورها في الجزائر بتطور شبكة الانترنيت، وكمثال على ذلك اغلب الصحف الجزائرية لها مواقع الكترونية.
من جانبها، ترى الصحفية نورة شرقي: رئيسة القسم الوطني بجريدة لوريزون، أن للصحافة الالكترونية في الجزائر مستقبل زاهر وأنها ستأخذ مكان الصحافة المكتوبة مع الانتشار الواسع للانترنيت داخل الأسر والمدارس الجزائرية وكذا نقص الإقبال على الصحف الورقية كون أن الأغلبية من موظفين وطلبة يفضلون معرفة الأخبار وقت حدوثها على شبكة الانترنيت عوض قراءتها صباح الغد.
أما الصحفي قزادري عزالدين بجريدة لوريزون، فيقول أن الصحافة الالكترونية، أحب من أحب وكره من كره، هي مستقبل وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، فالقارئ كان ينتظر أسابيع لكي يتصفح جريدة من بلد آخر لكن الصحافة الالكترونية قربت المسافات وأتاحت للقارئ قراءة الخبر في وقته.
ومن خلال هذه التصريحات يتأتى لنا أنه برغم المؤشرات الإيجابية الكثيرة التي تصب في صالح الصحافة الإلكترونية إلا انه هناك صعوبات ما تزال تشكل حجر عثرة في طريق تفوقها، مما يتوجب على المهتمين بهذه الصناعة العمل على تلافيها في المستقبل إذا ما أرادوا النهوض بها، وتتلخص أهمها في غياب الإطار القانوني والمهني الذي ينظم عمل الصحفيين في المجال الإلكتروني ويحفظ حقوقهم.
لكن بالمقابل نستطيع أن نلمس بوضوح الكثير من الإيجابيات والمميزات التي ينفرد بها هذا النوع الوليد وينبئ بمستقبل مبشر لها، فالصحف الإلكترونية بتحديثها المستمر على مدار الساعة يجعلها تحرق الأخبار كما يقال أو تجعلها عديمة الفائدة في الجرائد المطبوعة، هذا فضلا إلى سهولة تعديل المعلومات وتصحيحها وتحديثها بعد النشر، وكذا سهولة نقل المعلومة وتداولها وحفظها واسترجاعها وسرعة انتشارها في أسرع وقت ممكن، هذا كله مع إمكانية تضمين الخبر مقاطع صوتية وصور أو لقطات مصورة بالفيديو مما يجعل التغطية أكثر ثراء وجذبا للقارئ وتعايشا مع الحدث.
كما أن هناك نظرة تفاؤلية بمستقبل الصحافة الإلكترونية خاصة مع الإقبال الكبير من قبل جيل المستقبل وهم الشباب على الصحف الإلكترونية التي أصبحت الوسيلة الأساسية للحصول على الأخبار والمعلومات الحديثة في أي زمان أو مكان.
ولكن ورغم ما تمتاز به الصحافة الالكترونية غير أنه من المبكر جدا الحكم على هذه التجربة كونها ما تزال تخطو خطواتها الأولى، سيما أن الصحافة الورقية ما زالت تحتل الريادة ، كما أن العلاقة بين الصحافة الإلكترونية ونظيرتها المطبوعة لا يجب أن ينظر لها على أنها علاقة إقصاء أو إلغاء بل هي علاقة تكاملية تنافسية تصب في النهاية لصالح القارئ والرأي العام شأنها شأن جميع الوسائل الإعلامية الأخرى.
ومن كل هذا، يمكننا القول انه قد يكون من المنطقي جدا تغلب الصحافة الإلكترونية والإعلام الإلكتروني بشكل عام في وقت قريب تماشيا مع واقع العصر الذي نعيشه، ومستقبل الأجيال القادمة التي ستكون بالطبع أكثر استيعابا واعتماد وتأهيلا لذلك، غير أن القول بضرورة اختفاء الطباعة الورقية أو الجزم باندثارها تماما ليس له ما يبرره فالإذاعة على سبيل المثال ورغم انتشار الفضائيات والحد من تأثيره واستخدامه ما يزال عنصرا ووسيلة هامة من وسائل الاتصال والإعلام.
التعليقات (0)