الشّاعرُ والشُّـعرور .. !

بقلم : عمر غوراني
قسّم بعض الظرفاء من نقّاد أدبنا الشعراء إلى ثلاثة : شاعر وشويعر وشعرور ..! أمّا أنا ، فلو أذنت لي التقليبات الصرفيّة للكلمة ، لجعلت طبقات الشعراء – ولا أقول فحولهم – أربعين أو ثمانين ، كما فعل ناقدنا الأول ابن سلّام . فأضيف : وشعرعر ، وشعيرور ، وشعيرير ... وهكذا .. ! ولطالما ألقيت على نفسي هذا السؤال : الشعر .. أهو قيمة قدسيّة عليا ، أخذ قداسته من حمله لأدقّ ما يعبّر عن إنسانيّة الإنسان ، وأعني : مشاعره وأحاسيسه .. أم هو ميدان للتفاخر والتباهي والتظاهر والمنظرة والـ (الفشخرة) ؟ أهو فم الشعور – كما قال الشابّي – ومولود إن تأخرت ولادته عن ميعادها قتل والده أو والدته .. وإن وُلد قبل أوانه كان غيضاً وسَقـَطاً .. أم هو تحفة وزينة ربما اقتناهما من لا يدرك قيمتهما .. ؟ لشدّما ساءني أن يعرض بعضهم على الناس(شعره) فإذا تلقّى مديحاً وثناءً – وإن في غير محلّهما – تهلل واستبشر، ودبّج من عبارات العرفان والاستحسان .. وإن لقي نقداً يذكر بعض عيوب شعره – وإن كان معشار ما ينبغي أن يقال فيه من عيوبه – رأيته يستشيط غضباً ، حتى لتوشك أن تراه يحمل سيفاً ، يضرب به أعناق ناقديه ..! منذ يومين ، تلقيت هاتفاً من الرياض من الأستاذ والأخ الكبير الشاعر : جميل المشّاقي الكنعاني ، يجيبني عن شأن أدبي بيننا سألته فيه . وقد اغتنم الأستاذ الفرصة لسؤالي عن أخبار قصيدة ، هي في الأساس مقطوعة من أبيات تسعة قرّظت فيها قصيدة له بديعة ، وقد شجّعني والأستاذة فدوى حمدان على إتمام المقطوعة لتكون قصيدة . ويبدو أنه غلب على ظنّه أنّي سأفعل ، فانتظر – تأدّباً – ولم يقدّم قصيدة أُخرى له ناجزة للنشر على هذه المدونة الغراء ، حتى لا يسبقني .. وحين اتّصل بي كان قد مرّ أربعون يوماً على انتظاره .. و الأستاذ جميل لا يفتأ يجيبنا في تعليقاته ردّاً على ما ننتقد به قصائده المنشورة على هذه المدونة : " أنا لست إلاّ هاوياً للشعر ... و أنتم أصحاب التخصص ، و منكم نستفيد " .. و الأستاذ الكنعاني ، لا يجرؤ ناقد – مهما بلغت قسوته النقدية – أن ينزع عنه لقب : الشاعر .. إنّ التواضع خلق كريم ، و إن الشّعر يا ناس صناعة كما سمّاها روّاد نقدنا العربي . و هم يعنون بالصناعة : أنها عملية فنية تقتضي من صاحبها ما يلزم أصحاب الصناعات ، من طلب العلم فيها ، و التلطف و التفنن في إتقان العمل و إجادته ، و الصبر و الأناة فيهما .. إنّ أول ما ينبغي لمن أراد قول الشعر أو شعر بميل إلى كتابته ، أن يجيد موسيقاه و لحونه ؛ ذلك أن أبرز ما يميز الشعر عن سائر الفنون الأدبية ، أنه قول موزون مقفّى . ثم أن يجيد إلى ذلك أشياء أخرى لا غنى للشاعر عن إتقانها ؛ و منها اللغة القويمة ، و اللغة الشعرية الخاصة ، و الصورة الشعرية ... و شيء آخر ، هو غاية في الأهمية لمن أحبّ أن يكون له اسم في عالم الإبداع الشعريّ : أن تكون له غاية فنيّة في استقلال شخصيته الأدبية ، و أن لا يكون شعره صورة نمطية مكرورة عن سواه ، مهما كان ذلك الشاعر المحتذى من الفحولة و الشاعرية .. أمّا أن تقرأ ( قصيدة ) فتجد شطرها الأول من البحر الطويل ، فإذا صرت في شطره الثاني و إذا أنت في البسيط من البحور ، ثم تجد له قافية ( التفعيلة الأخيرة ) مسترخية ؛ لا تجد لها قواماً موسيقياً ، مثل عجوز قام يدبك .. حتى إذا نزل وفق ما يقتضيه فن الصنعة ، هبط و لم يستطع قياماً .. و احتاج إلى من يقيمه ! ثم تجد الأخطاء اللغوية ، و تجد الضعف و الركاكة آخر البيت بعد قوّة توهمتها في أوّله ، مما يلفتك إلى أن هذه القوة في أول البيت ، ليست سوى قوالب لفظية جاهزة لشعراء قدماء ، صُبَّ فيها – كذلك – معانٍ ، هي الأخرى مأخوذة ، أو مسروقة – إن شئت من أولئك القدماء .. كما لاحظ أحدهم ، أو إحداهنّ .. على أن الرفق ما كان في شيء إلاّ زانه ، و لا نُزع من شيء إلاّ شانه .. و من كتب ناقداً لنصّ أو متذوّقاً له ، فالتعزيز منهج تربوي قويم ، ليس مقصوراً كما قد يُتَوَهّم على الطلاب و صغارهم خاصة ، بل هو لعامة الناس . و النفس البشرية ميّالة إلى تلقي الثناء على ما أحسنت .. فإن لم يجد المتذوّق ما يثني عليه ، فكما فعل ذاك المعلم الذي لم يجد ما يعزز به أحد طلابه ، فسأله : ما اسمك ؟ فلما أجابه ، صاح المعلم بانفعال المستحسِن : " صفقو لو " .. !
التعليقات (0)