سيذكر التاريخ في هوامشه السوداء أن الدكتور محمد مرسي هو أول رئيس يمزق الوطن إلى عدة مقاطع، وفي عهده وصل المزاد الديني إلى أقصاه، وتمكن كل حافظ لآيتين من القرآن الكريم أن يخوض فيما لا يعلم، ويمسك سلاحه الأبيض لمطاردة المصريين الذين يختلفون مع حُكم المرشد، ويدخل مدينة الانتاج الاعلامي، ويســيّر مظاهرات مضادة ضد مناهضي مرسي.
سيذكر التاريخ بكل أسف وحسرة أن المغول الجدد هم المنافقون الذين رفعوا راية الدين ليوهموا العالم أن الإسلام هو الارهاب ورفض الآخر.
سيذكر التاريخ أن الدكتور محمد مرسي استعان بمليشيات دينية فاشية ليحمي منصبه، وأنه رفض اعطاء أوامر أو حتى الطلب من المرشد العام بتراجع مؤيديه لأنه أصلا في السلطة، والشارع للمعارضة أما القصر فهو لمريدي الرئيس وحوارييه ومستشاريه.
سيذكر التاريخ أن الدكتور مرسي تفوق على مبارك والمشير في احتقار مطالب الشعب رغم أن لسانه يقطر الاثنين معاً: العسل والسمّ!
سيذكر التاريخ أن الدكتور مرسي لم يكترث لمطالب الثورة قيد شعرة، وكان جل اهتمامه صناعة دستور غير توافقي يمنحه الصلاحية فلما زادت ضغوطات الشارع المصري استبدل الأحمر بالأحمر، وبدا كما قال الشاعر: كأننا والماء من حولنا .. قومٌ جلوسٌ حولهم ماء!
سيذكر التاريخ أن غطرسة وعنجهية وخيلاء وكــِبـْر الدكتور مرسي جعلت مصر ساحة صراع وانقسام واستعداد المصري لقتل أخيه المصري بحجة أنه لا يريد إقامة شريعة الله في الأرض، وهي نفس حجة القوى الارهابية في السودان وأفغانستان والعراق وليبيا وتونس والجزائر ومالي ونيجيريا وإيران وغيرها، فهم يبسملون فوق السيف قبل قطع الرقبة، ويذكر ون اسم الله بألسنة سبــّـابة، شتـّـامة، تكفيرية.
سيذكر التاريخ أن مؤيدي مرسي ليسوا عاشقي الشرعية، إنما هو هوس ديني وهمي بأن ملايين من المصريين المعتدلين والليبراليين والعلمانيين والمستقلين والخائفين من التحام المصحف والسلاح أقل مصرية وإيمانا، لذا تحول المؤيدون إلى ميلشيات كذوي القمصان السوداء والصليب المعقوف والفاشية في صورة المقدس.
إن انقسام القضاة كان نتيجة طبيعية للفساد الذي سرى في الجسد القضائي لأكثر من ثلاثين عاماً حتى بدا العدل مستحيلا.
إن رفضنا للرئيس مرسي لا يعني بأي حال من الأحوال قبولنا وجهاً واحداً من وجوه المعارضة العجائزية، فكما ذكرت مرات .. ومرات، أن في داخل كل معارض عاصر المخلوع والمشير ومرسي ولم ينبس ببنت شفة إلا على استحياء يهوذا يوسوس له بخيانة سيده كلما سخن المزاد ليكون الطريق إلى القصر أو المنصب أو الوزارة أو المال أقصر.
لا أثق إلا في الشباب، ونظرة واحدة إلى جبهة الانقاذ لا أرى للشباب مكاناً ولو ضيــّـقاً، وليس لي رأي في الدستور أو الاستفتاء فكلها أشياء قامت على باطل ولا علاقة لها من قريب أو من بعيد بمحاكمة عهدي المخلوع والعسكر، واسترداد مليارات منهوبة، والقصاص من القتلة وقناصي العيون والضباط الأطباء أصحاب كشوف العذرية .
مطالب الثورة اختفت حيث وضع السيد الجديد الدستور والاستفتاء للتغطية على جرائم ثلاثة عهود سوداء، المخلوع والجنرالات والاخوان.
كتبت من قبل بأنه ليس هناك فارق بين التيارات الدينية، والمسافة بين تيار وآخر ليست أكثر من فترة زمنية لوصول المعتدل إلى التطرف، وقفز المتطرف إلى مكان الارهابي، وتولي الارهابي مهمة ذبح أبناء بلده.
إن التيارات الإسلامية العاملة في مصر هي العدو الأول للمسلمين والإسلام، وحُسن النية المفترض يــُـعـَـبـِّـد الطريق إلى نار جهنم، والسذاجة ليست دائما بريئة، والاخواني كالسلفي والبرهامي والحازمي والشاطري والبديعي والظواهري وكل من يبحث عن غنيمة دينية في عالم السياسة، أو لمعان سياسي في المشهد الديني.
ميليشيات الجماعات الدينية تـُعــِـدّ مصر لمذبحة وطنية ستصغر بجانبها كل مذابح التاريخ الطائفية، ومن لا يقرأ في وجوه المتظاهرين المعجونة كراهية وقسوة وكاليجالية فهو لا يعرف شيئا عن مستقبل الشعوب في ظل مشاعر الفوقية الطائفية أو الدينية أو المذهبية.
إن من يزعم أنه استعان بالله قبل تطبيق حُكمــِـه الشرعي قد يكون توأماً للشيطان دون الافصاح عن صلة القرابة تلك، فشرع الله بعيد تماما عن أي صورة نراها الآن في المشهد المصري، إنما هو صراع ديكة على دجاجة لم تعد تبيض ذهبا أو .. فــِـضــّـة.
ما لا تفهمه حماقات المهووسين دينياً أن الثمن الكبير سيدفعونه هم، ومواجهة ملايين المصريين الغاضبين على إمارة التكفير القادمة لن يصمتوا أمام ميليشيات تظن نفسها في لبنان والعراق وأفغانستان، فمصر لن تحني أعناقها ليقطعها الساديون الجُدد.
الدكتور محمد مرسي قاتل يبتسم، ومخادع يحتضن خصمه، وواجهة لجماعة فاشية، وكاذب يُعيد الكذبة ثلاثَ مراتٍ ثم يجعلها دستوراً، ويكررها سبع مرات ثم يستفتي البسطاء عليها.
الساذج من سيــُـصوّت بــ(لا) أو (نعم) للدستور، والأبله من يظن أن قضية مصر في الدستور، والأهبل من يعتقد بأن انحيازه للميليشيات المسلحة ينضوي تحت الدعوة الدينية، وعدو الثورة من غض البصر عن مطالبها منذ 11 فبراير 2011 وظن أنها تبدأ مع حُكم المرشد، والمغيــّـب والمخـَـدَّر من جعله الساسة لا يتذكر اسم شهيد شاب أو الوجه الجميل البريء لابن لنا فقأ الأوغاد القناصة عينه.
الدستور، الاستفتاء، الجبهة الوطنية، الاخوان، السلفية، القضاة ، صندوق الانتخاب الذي انتهى إلى الاختيار بين مرسي وبين حسني مبارك ( تحت اسم أحمد شفيق) .. الخ كلها أشياء بعيدة عن المطالب الطاهرة والشريفة والحقيقية والشرعية والربانية لشباب ثورة 25 يناير ممن نزلوا ميدان التحرير في الساعات الأولى، أقصد في الدقائق الأولى لاندلاع الثورة.
لو كان الأمر بيدي لقلت، مع بعض المبالغة حُبــّـا قي الثورة والوطن، بأن من تأخر عن الالتحاق بثورة 25 يناير لمدة تزيد عما تحتاجه المواصلات أو المشي للوصول إلى ميدان التحرير ، فهو ليس من أبناء الثورة الحقيقيين.
يسألونني إذا كنت سأصوت في الاستفتاء على دستور صنعه لصوص الثورة، ومخادعو الشعب، وقاتلو أولادنا، والكاذبون على الله، وسجــَّـانو شعبنا القادمون بأنيابهم قبل ألسنتهم، فأشعر برغبة شديدة في صفع مُحدّثي على وجهه!
معذرة، فأنا لا أقع طوعاً في مصيدة نهاية المشوار كما وقع شعبنا ومثقفونا وقضاتنا وإعلاميونا فخاضوا في الحُكم على مبارك الذي صدر عن ثمانية عشر يوما، وتناسوا، عن حُسن أو سوء نية، ثلاثين عاماً أسقطها المستشار أحمد رفعت والمشير والمجلس العسكري اعتماداً على بلاهتنا في الثقة المطلقة بقضاء فاسد.
هل أنا مع أو ضد الدستور؟ هل أنا مع أو ضد الاستفتاء؟ هل أنا مع جبهة الانقاذ أم مع الشرعية (!) التي يمثلها زوراً وبهتانا الدكتور محمد مرسي، واجهة الاخوان والتيارات التي ستلتحق بهم؟
الحقيقة أنني لم أتحرك بعد من 11 فبراير 2011 ولم أبرح المكان والزمان والهدف والربيع الطاهر ، فما زلت أصفق لشبابنا ولا أسمع لمن جاءوا بعدهم إلا عواءً وزمجرة وصرصرة وثرثرة ونقيقاً ...!
أبحث عن زمن جميل قبل 25 يناير وبعد 11 فبراير 2011 فلا أعثر على مشهد واحد يُدخل الغبطة إلى نفسي حتى لو كان مُتــَـصـَـدّروه معارضين مُخضرمين أو مناهضين باسم الله، فالشيطان أيضا إذا أراد الوسوسة لا يمانع في أن يبدأ باسم الله تسهيلا لعمله وخداعه.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 11 ديسمبر 2012
التعليقات (0)