الشيزوفرينيا الحريرية مستمرة
لا يزال "تيار المستقبل" يعاني تخبّطًا واضحًا في سياسته وتناقضًا واضحًا بين شعاراته وأفعاله، فالسلوك لا يتناسب مع التفكير المنسلخ بدوره عن واقع الحال، والشيزوفرينيا مستمرة... هذا باختصار ما أكّده الرئيس سعد الحريري في خطابه الأخير في 18/7/2014.
سنتعامل مع خطاب "الحريري" بالمعيار الذي شدّد عليه في كلمته حيث قال بثقة وحزم: "نحن سنبقى صوت العقل، ومنحازين الى العقل، ومتأكدين من انتصار العقل"؛ ونحن بدورنا بناء على العقل ورافعين صوت العقل سنتاول بالتحليل جانب "مكافحة الإرهاب" الذي خصص له الحريري مساحة مهمة من خطابه، حيث اعتبر أن "هناك من يحاول تزوير إنجازات الخطة الأمنية وتصويرها على أنّها خطة موجهة ضدّ السُنّة في لبنان"، قال ذلك بعد تأكيده على أن "الدولة هي المسؤولة عن حماية المواطنين والدولة هي المعنية حصراً بملاحقة ومداهمة أوكار الإرهاب والإجرام، وهذا ما يقوم به بنجاح واقتدار الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وسائر الأجهزة الأمنية والقضائية"، ثم ما لبث أن أعلن "أن كل تنظيم يرمي بالشباب إلى التهلكة والتفجير هو بالنسبة لنا إرهاب وعدوّ للبنان". ربطًا بين هذه الجمل الحريرية الشيزوفرينية الثلاث يحق للعقل أن يسأل:
إذا كان الحزب الإيراني تنظيمًا إرهابيًا وعدوًا للبنان لأنه "يرمي بالشباب الى التهلكة" على حد وصف الحريري، كيف لنا أن نعتبر أن الأجهزة الأمنية تقوم بدورها في مكافحة الإرهاب "بنجاح واقتدار" فيما هي لا تلاحق هذا الحزب ولا تكافح إرهابه ولا توقف مرتكبي جرائمه (على سبيل المثال لا الحصر قتلة الرئيس رفيق الحريري والمناضل هاشم السلمان وإرهابيو 7أيار...) بل تبقي له الحدود مشرعة ذهابًا وإيابًا رعاية وتسهيلاً منها لإرهابه في سوريا؟! هل تستقيم بعد هذه الشراكة والتغطية مطالبة الحزب بالانسحاب من سوريا؟!
عقلاً، أين "النجاح والاقتدار" في سقوط قرية "الطفيل اللبنانية بيد ميليشيا الحزب الإرهابي وعصابات "الأسد" بعد أن دخلها الجيش والقوى الأمنية لحمايتها؟! أين لمح "الحريري" هذا "النجاح والاقتدار" في عدم توقيف مطلقي النار نحو بعبدا وطريق الجديدة من أسطح أبنية الضاحية الجنوبية وهم معروفون صورة وهوية؟!
عقلاً، أين لمس "الحريري" الاقتدار والنجاح في وقوف أجهزة الدولة وجيشها متفرجين على العرض العسكري الظاهر الذي نظمه الحزب جهارًا نهارًا في بعض "قراه" البقاعية مسيّرًا الآليات العسكرية من راجمات صواريخ وناقلات جند وسواها من الأسلحة والاعتدة والعناصر المسلحة؟!
عقلاً، بعد تراكم هذه الحوادث الفضائحية ومشاهدة المواطن اللبناني لما يحدث في طرابلس والشمال وسواها من المناطق من ملاحقة المعارضين السوريين والمتضامنين معهم من اللبنانين ثم إيقافهم أو التضييق عليهم... ألا يحق له أن يستنتج أو حتى أن يتساءل عما إذا كانت الخطة الأمنية موجهة ضد السنّة في لبنان، وعما إذا كان "تيار المستقبل" ارتضى لنفسه بتسلّمه وزارتي الداخلية والعدل أن يمارس عمل "الصحوات" في حكومة الاحتلال الفارسي على غرار النموذج العراقي بحيث يتم ضرب السنّة بالسنّة تفاديا للبُعد الطائفي وحساسياته فيما تبقى سلطات الاحتلال الارهابية تمارس إجرامها في الداخل والخارج حرة طليقة اليدين؟!
نعم، صحيح أن الحريري اعترف بحصول تجاوزات من بعض الاجهزة الامنية من اعتقال عشوائي وانتهاك لحقوق المواطنين السياسية، واعتبرها أعمالا مرفوضة، لكن ما تفسير أن تكون تلك التجاوزات تمارس دائمًا ضد فئة معيّنة هي "السنّة" فيما لا أثر لتلك التجاوزات ولا حتى لإحقاق الحق وتطبيق أبسط القوانين على الحزب الارهابي وممارساته القذرة في حق الدولة والمواطنين؟
تبقى نصيحتان لـ"الشيخ سعد"، الأولى بتجنّب استعمال الأفعال والأدوات والعبارات التي تفيد الجزم في المواقف التي يطلقها في خطاباته، فالتاريخ أثبت أن لا ثابت عند التيار الأزرق سوى الموقف السعودي الذي عليه مدار العمل. أما النصيحة الثانية فهي بصياغة الخطابات على أنها موجهة الى الخصوم أو المعارضين قبل المناصرين، لإنه إذا استطاع اقناع خصمه أو مواجهته بصوت العقل والمنطق والحجة فسيكون اقناعه لجمهوره تحصيل حاصل، أما أن تُصاغ الخطابات على أنها موجهة الى الجمهور الذي قتل في نفسه حاسة النقد وسلّم عقله الى زعيمه، فعندئذ لن نكون إلا أمام خطاب شيزوفريني من هذا القبيل على الأقل في شقه المتعلق بـ "مكافحة الارهاب" موضوع النقاش.
عبدو شامي
19/7/2014
التعليقات (0)