قبل أيام كنت مستمعا لا متحدثا بجنب شيوخ أفاضل، لحاهم الكثة تجبرك على أن تظل عيناك في الأرض، لباسهم قصير و يغطون رؤسهم بعمائم تتدلى إلى الخلف قليلا، يتحدثون بهدوء وأريحية عجيبة، لولا مقتي للتعبير الشائع ” كأنما على رؤسهم الطير ” لكان الوصف الأمثل لحالنا جميعا .
بدأ الحديث يخرج عن السيطرة قليلا بعد أن احتدم الخلاف حول نازلة قديمة جديدة ، وما أكثر النوازل في عصر اليوم، والنازلة هي : أيهما أفضل قرآة القرآن أم الاستماع إليه ؟ استمر الخلاف في التصاعد ، تعلو الاصوات أحيانا وفجأة تعود السكينة للمكان، ظل الأمر هكذا لفترة ليست بالوجيزة، إلى أن استهدى أحد القوم للحل أخيرا، نادى بصوت مرتفع لنحتكم للشيخ قَوقَل – بفتح القافين – حفظه الله، أذعن الشيوخ للاحتكام للشيخ الأكبر، وبسرعة البرق فتح أحدهم جهازه وأنهى الخلاف إلى الأبد، رضي الكل وانتهت المسألة .
دفعني الفضول إلى النظر للموقع الذي أخذت منه الفتوى، فإذا هو منتدى عام وكاتب الموضوع يحمل اسم رونالدو، ضحكت في سري وشيوخنا يأخذون الفتاوى من رونالدو، وتذكرت موقفا مر بي قبل سنوات وأنا صبي في العاشرة من العمر تقريبا كنت أنتظر بلهفة شديدة يوم إجازة في رمضان وعدني أهلي بالسماح لي بالصوم فيه، جاء اليوم الموعود، لكن لم تكد الشمس تبلغ كبد السماء حتى بدأت أدخل في مكان منزوي وأشرب خلسة ثم أمسح فمي و أعود لأضطجع إلى جانب جدتي التي لم يخفى عليها الأمر طويلا، أرادت جدتي أن تساعدني وقد رأت الجوع بلغ مني مبلغا، فاعطتني خبزا وقالت : كل يابني ألم تسمع بالقاعدة الفقهية التي تقول ” اليابس لا يضر ” .
أعجبتني الفتوى فأكلت الخبز وشربت عليه خلسة وأكملت صومي، لكن مالم أدركه أنا ومالم تدركه جدتي أن تلك الفتوى الماكرة وقعت ضحيتها عجوز كانت تسكن معنا لا قريب لها في الحي، أخذت تشتري الخبز يوميا وتأكله ضحوة في ظهر المحرم وهي صائمة، استمر الأمر أياما إلى أن أصدرت العجوز هي الأخرى الفتوى لامرأة في الحي ، فضحكت وأذاعت الخبر ، وأصبحت الفتوى معروفة بفتوى أم الخير ” اليابس لايدر ” وهي العجوز ضيفتنا في الحي التي كانت تبدل الضاد بالدال ، لا جدتي غفر الله لها.
التعليقات (0)