(عمارة ود أب سن) في محكمة الخليفة (عبدالله التعايشي)
يروي الراوة أن عيون الخليفة عبدالله (التعايشي) كانت ترصد ما يجري في الخفاء فنقلت إليه أن زعيم قبيلة الشكرية الشيخ (عمارة ود أب سن) وعمه (عوض الكريم) يساندون الأشراف في سعيهم للإنقضاض علي الخلافة. ففضب الخليفة عبدالله
وأهدر دمهما .
هنا خشى شاعر الخليفة المفوه (الحاردلو) وهو ابن عم عمارة علي أهله الشكرية وعلي ابن عمه فدافع عن أهله أمام الخليفة والأمير يعقوب الذي كان ينفس علي (الحاردلو) مكانته في مجلس الخليفه فأوغر صدر الخليفة علي زعيمي الشكرية فاستمات الحاردلو في الدفاع عنهما بكل ما أوتي من قوة ودار جدال محتدم بينه وبين الامير يعقوب حتي حسم الخليفه الامر بمثولهما أمامه ليتبين الامر. فقال للحاردلو : (أولاد عمك كان نضيفين مابهابوا الجية). فهز الشاعر راسه موافقا وأردف قائلا : صدقت ياخليفة المنتظر.
حضر الشيخ عمارة من ديار الشكرية علي مجلس الخليفة وهو في نخبة من رجال الدولة فسلم بالخلافة وحيا صاحبها بما يليق فنهض الحاردلو فرحا وطفق يعدد مآثر ابن عمه في قومه وشمائله ففضب الامير يعقوب وأنكر علي الحاردلو مدحه ابن عمه في حضرة الخليفة وأشار بأصبعه نحو الشيخ عمارة وتساءل بإستخفاف وإنكار لما وصف به من سجايا قائلا (ده؟!) . فوقف الحاردلو غاضبا وفاضت نفسه بمشاعر الحب والولاء لابن عمه ومدافعا فقال:
ده.. إن أداك وكتر ما بقول اديت .
الدقر الموشح كله بالسوميت .
أب رسوه البكر حجر شراب ستيت.
كاتال في الخلا وعقبان كريم في البيت.
فأهتز الخليفة طربا ونظر إلي عمارة بكثير من الإعجاب فأردف الحاردلو مغتنما الفرصة قائلا :
ده.. من قومة الجهل ولدن ولو بضاره .
بعصر الكيك علي الحربه البتوقد ناره.
خليفة المنتظر أمتثل وجاك ود عزة النقارة.
حلفتك بالرسول قول السماح لي عمارة.
ثم امسك لحظات ينتظر إستجابة الخليفة فلما رآه مترددا استرسل قائلا:
ده.. من قومة الجهل بركب علي المتشابي .
وحافلات الخيول فيهن بعزل النابي.
خليفة المنتظر عمارة جاك مو مابي.
حلفتك بالرسول تقوله من أصحابي.
وهنا عاجل الامير يعقوب أخاه الخليفة بالقول قبل ان ينطق بالعفو قائلا:
(خليفة المنتظر الزول ده عدو وقلبه وسخان وخاتي رأسه مع الجماعة وعندنا البرهان والدليل) .
وضع الأمير يعقوب مجموعة الرسائل المتبادلة بين الشيخ عمارة والشيخ محمد شريف توضح خطة الإنقضاض علي الخلافة فأرسل الخليفة آهة حري من صدره وراح ينقل نظراته بين الحاردلو وعمارة وكاد ان ينطق بالحكم والذي هو الإعدام دون شك لولا أن الحاردلو وقف طالبا العفو مخاطبا الخليفة وهو يشير الي عمارة مرسلا هذه الابيات.
ده .. من قومة الجهل ولدن مميز عومو .
وحافلات اللبوس فيهن يعزز كومو .
خليفة المنتظر عمارة أغفر لومو.
جاك كبش الضحية الليلة أخر يومو.
انعقد مجلس الخليفة مرة أخري بعد انقضاء شهرين للنظر في أمر زعيمى الشكرية فنظر الخليفة الى الحاردلو كمن يحضه أن يقدم دفاعه عن الشيخ عمارة فقال :
خليفة المنتظر أنصارك كتار تامين عبرة الكيل.
ومتل نبت الربا وكتين ركوب الخيل .
اكان ما جور الزمان وناسن نظرها قليل.
شرك ام قيردون كيفن يقبض الفيل.
وكان الحردلو يشير إلي الخليفه وهو يرسل عجز البيت الأخير . فضحك الخليفة وانفجر من بالمجلس ضاحكين وقبل أن يفيق الامير يعقوب من هول المفآجاة والصدمة المباغتة منح الخليفة عفوة للشيخ عمارة وعمه عوض الكريم إلان الأمير يعقوب طلب من الخليفة قائلا :(خليفة المنتظر امرك مطاع لكن خلينا النجمر الناس) يعني تشذيب وإزالة العوالق . فكان أن تجرع زعيمى الشكرية صنوف العذاب والتحقير من أجل درء الاخطار عن قومهم .
ومن الطرائف التي يرويها الرواة أن الامير يعقوب سأل الحاردلو في أواخر شهر رمضان قائلا: (أكان شهدت ليلة القدر يا الحاردلو فبماذا تدعو؟ فرد الحاردلو بقوله :
الضوقتونا ليه تضوقوه يا الأنصار.
بارود انجليز كتلة وبشاتن حال .
في بيت الخليفة يتربع السردار .
نشرب في السجار ويعقوب يجيب النار.
الخليفة عبد الله التعايشي من أصل مغربي (مدينة فاس) أبيض اللون ناعم الشعر يتبدي من تحت عمامته. وأمه من قبيلة التعايشة وهذا سبب تسميته بالتعايشي.
التعليقات (0)