سمعنا كثيرا من قصص البخلاء والمشايخ والأولياء ورأينا الأكثر من حكايات الحريصين على كنز المال وتعددت نهايات الأموال في إسراف الخلف أو الأبناء أو حتى الذي يسرق ما اكتنزه هؤلاء ...فهل اقتنع الذي يكنز المال بأن العاقبة ضياع المال بيد الورثة أو بعضهم ...لا بد أن ينتقل المال من يد إلى يد إما لأزواج البنات أو لزوجات الأولاد أو للأولاد الذين لا يعرفون قدر المال لأنهم ورثوه ولم يكن لهم فضل في جمعه ومن لم يشق في جمع المال يكون أقل حرصا ممن تعب في جمع الثروة ...ومن قصص المشايخ هذه القصة...........دارت الأيام ومات الشيخ رجب وترك في غرفته الوحيدة بجوار مقام الشيخ حسن المسلمي مرتبة بالية وعليها مخدة القطن التي صارت من طول الزمن قطعة من حجر على شكل قالب الطوب الكبير ...لم يفكر أحد أن ينظر في الغرفة أو يبحث عن شيء فيها ...كان للشيخ رجب مريدين من أهل القرية يزورونه كل حين وخاصة بعد صلاة العشاء يستمعون إلى قصصه و(حواديته) بشغف بالغ لغرابتها واحتوائها على معجزات الأولياء الذين طاروا بالنعش وحطوا عند قبورهم التي صارت مقامات ومزارات ..كانوا يعرفون تماما أن الحواديت الوهمية من خيال الشيخ رجب... ومع ذلك يحبونها ويقضون معها ساعة قبل النوم وكأنهم يذهبون إليه لتهدأ النفوس من عناء الحياة وليسبحوا في بحار أوهام الشيخ رجب ...كان يحكي وهو شبه نائم وعيناه ناعستان وينظر في سقف الغرفة كلما أراد أن يتذكر شيئا من أحداث القصة....كانت الغرفة خافتة الضوء تنيرها لمبة 40 وات ركبها الأسطى ماهر الكهربائى طمعا في دعوات الشيخ وصدقة لوجه الله...ويصلها التيار مباشرة من المقام المجاور بموافقة مهندس الكهرباء...تكررت القصص كل يوم وسمعوها أكثر من مرة ونضبت قريحة الشيخ لكنه كان قادرا على شد انتباههم بكلماته إلى طيف لا يرونه أمامهم... ويتمتم بصوت لا يسمعه ضيوفه في حركات سريعة بشفتيه وتحديقات خاطفة من عينيه شبه المقفلتين غالبا.....حين خرجت الجنازة لم يهتم أحد بقفل الغرفة شبه الفارغة...وتربص أهل القرية ليروا نعش الشيخ حين يطير إلى مقرمدفنه الذي سوف يختاره عازمين على بناء المقام سريعا ليصير في قريتهم مولد جديد يجمعوا نذوره ويقسمونها على عائلة المسلمي....كان المتشككون في طيران النعش يتمنون ألا يطير ويثبت رأيهم في هذه الخرافات... وكان مريدو الشيخ يصرون على حمل النعش وحدهم ....كانوا متفقين على أربعة فتيان أشداء يقدرون على الجرى حاملين النعش... فالجرى بالنسبة لهم كان بديلا عن الطيران الذي يعلمون جيدا أنه لن يحدث ...قرروا قبل الذهاب إلى المدفن المرتقب أن يقفزوا بالنعش حين تصدر الإشارة...سوف يهتف صابر من خلف الجنازة ...وحدوووووه فيقفزوا (بعد أن يعدوا من واحد إلى 12) مع التظاهر بالإمساك بالنعش وكأنه يقاومهم ويقاومونه......ومن خلف الجنازة آخرون يهتفون بصوت مجلجل ...الله أكبر ...الله أكبر ...الشيخ عايز يطير ....سبحانك يا رب... الشيخ عايز يطير...طار الشيخ بهذه الطريقة المبتكرة... ودفن الشيخ رجب... وبني المقام في أسبوع واحد... وأصبح مولد الشيخ رجب يعمر أسبوعا كل عام ويجمع فيه المسلمية كثيرا من النذور القيمة...بعد أن هدأت الأمور ونسي الناس غرفة الشيخ رجب بجوار مقام الشيخ حسن المسلمي جاء صابر صاحب إشارة (وحدوووه) إلى الغرفة ذات مساء وبحث في مرتبة الشيخ وحصل على ما فيها كاملا وترك موضوع النذور متبرعا بنصيبه السنوى للمسلمية...... وبدأت بركات صابر................... الشيخ القادم
التعليقات (0)